حينما تحدثت عبر الهاتف للمرة الأولى مع "د. سعيد السريحي" قبل سبع سنوات ظننت بأنه يقرأ ما يقوله لي من ورقه مكتوبة أو كتاب يحتفظ به في أي مكان يذهب إليه حيث كان يقود السيارة حينها.. ولكنني بعد أن تحدثت معه مرارا فهمت بأنه رجل سطور وصوت يغرق بما يحمله بأعماقه في حبر يشبعه بكل ذلك التنظيم اللغوي الذي يدفعه لأن يقول بين كل عبارتين "فاصلة" و بعد انتهاء حديثه "نقطة نهاية السطر" ثم يستطرد "من بداية السطر". كان لصوته حضور باذخ الثقة حد الاختلاف. لم يكن "السريحي" في تلك الأثناء بالنسبة لي سوى قلعة جسورها تمتد من الأفق لتهبط بكل ثقلها على الأرض، وامتدت الأسئلة بداخلي لتحاصر هذا الناقد والكاتب والذي رأيته في السابق قلعة محصنة، ليتحول هنا إلى طفل لم تستطع السنوات أن تنال منه ورجل في الستين مازال يفتش عن العمر الذي لم يعشه وسعيد المختلف لا يستطيع أن يتخلى عن سعيد الذي خبره جيدا وعرفه، ليصبح روحا تتوق إلى شاعر بداخله لا يعرف كيف يختفي ومتى يظهر.. ولكنه في النهاية يعلم جيدا بأنه لا يتورط أبدا مع من يشبهه! هنا "سعيد السريحي" يبوح بحديث حميم عن البيت القديم الذي لا نعرف من أقام في الآخر، عن حياته التي قضاها دون إخوة، هنا يفضي بكل ما خبره من تجارب أو بجزء منها ولكنه يصر بأن أحلامه لا تنتهي حتى إن لم يكن ينتظر شيئا منها. أدرت ظهري للجامعة غير آسف عليها.. ولم تنلْ مني الخسارات سعيد السريحي عبر صفحة "على المكشوف" لا يضع في نهاية إجاباته النقاط كما عودني.. بل يتركها ممتدة لاتسكنها النهايات أبدا ولا يغلق أبوابها الألم حتى إن عصر قلبه. عمر لم يعشه * يقول بسام حجار "أعدك أن أنام، غير أني متعب والمشقة في قلبي لا في الطريق، والعتم في عيني، في سمعي، في الأعوام التي توالت عاما بعد عام ولم أر".. كيف هي مشقة الأعوام التي مضت في عمر سعيد السريحي؟ أتعبت أم أنك مازلت تنتظر أن ترى؟ - حين يشعر الإنسان أنه غفا وهو في السادسة من العمر وحين استيقظ وجد نفسه في الستين فإن من حقه أن يرى أنه لم يعش، وعندها لا يصبح الأمر المؤلم في الحياة هو ما قد عشناه من تجارب، بل الأمر المؤلم هو ذلك الذي لم نعشه، المثير للحزن هو تلك التجارب التي كان ينبغي لنا أن نخوضها ولم نفعل، أن نجربها ولم نجرؤ، المؤلم في الأعوام التي مرت أنها قد مرت، والمرارة كل المرارة هي ذلك العمر الذي يعتقد الآخرون أننا عشناه ولم نعشه كما ينبغي ان نعيشه، والسنوات التي نشعر أنها لم تزد عن أن تكون إغماضة عين بين سن السادسة وسن الستين. في تلك اللعبات القذرة أفتح عيناً بطول جسدي ترى كل شيء طفل لم يكبر * حينما نشعر بأن البراءة التي بداخلنا بدأت تتضاءل فذلك يعني أننا أضعنا الطفل الذي كان يسكننا.. وماذا عن الطفل الذي يسكن "سعيد" أمازال موجودا؟ هل تجده بسهولة أم أنك تشعر بأنك كبرت إلى حد أنك ضيعته؟ - المشكلة ليست أني ما زلت أجد ذلك الطفل أو أني أضعته، ليست أن ذلك الطفل الذي هو بداخلي، صدقيني، المشكلة هي أنني ما زلت ذلك الطفل، ما زال هو من يحتويني، أشعر أحيانا أنه هو من أضاعني وحين أبحث عنه أجده أنه هو من كان يبحث عني وهو من عثر علي، في داخلي طفل استعصى على أن يكبر فضلا عن أن يشيخ، ما زال ذلك الطفل الخجول جدا الذي إن أخطأ ذاب خجلا وإن أصاب كان خجله أشد، ما زلت ذلك الطفل الذي يقلب وجهه في الأصدقاء يبحث بينهم عن أخ وقد خلقه الله وحيدا، كلما استأنس من أحد ودا اعتقده أخاه فإن خاب ظنه مات حزنا، ما زلت أحمل معي ذلك الطفل، مر العمر سريعا ولم يكن كافيا كي يكبر ذلك الطفل. أنتظر أن ينزلني الزمن عن ظهره كي أرتاح قليلاً حكاية الجامعة * نغادر بعض الأمكنة بعد أن نكون قد أودعناها جزءا من قلوبنا. أو ربما تحولت هي مع مرور الوقت إلى جزء من مكان بداخلنا.. كيف تصف آخر يوم عمل لك في الجامعة حينما كنت تعمل فيها؟ وبماذا خرجت من تلك التجربة؟ - إذا كان المقصود بالجامعة أولئك الطلاب الذين لم أكن أفارقهم إلا على وعد بأن التقيهم، أولئك الذين كانوا يسيرون معي حين ينتهي الدرس حتى ينتهون إلى مواقف السيارات فأولئك لم أفارقهم ولم يفارقوني وحبل الود بيننا لا يزال موصولا لا تزيده السنوات إلا قوة، أما إذا كان المقصود بالجامعة المؤسسة والإدارة فتلك لم أجد قط نفسي منتميا إليها مذ شعرت أنها لم تعد تنتمي إلى المنهج العلمي وقد غادرتها غير آسف عليها وغادرتني غير آسفة علي كذلك. وقد خرجت من تلك التجربة بإحساس حاد أن ثمة مسافة بين ما نحياه وما ينبغي أن نحياه وأن بإمكان المرء أن يدير ظهره لما لم يعد متلائما معه ولم يعد غير قادر على التعايش معه مهما كان من قبل حلما بالنسبة له، بإمكانه أن يدير له ظهره ثم لا يخسر شيئا. يمكننا أن ندير ظهرنا عما لا ننتمي إليه حتى ما كان يوماً أحلامنا رموز العالم * يقول باولو كويلو في الخيمائي "إذا تعلمت فك رموز تلك اللغة التي تتخطى الكلمات، فسوف تصل إلى فك رموز العالم.." أتعلمت فك رموز العالم يوما؟ وماذا عن رموزك التي تسكنك من الداخل. من فك طلاسمها؟ - أجمل ما في هذا العالم رموزه، بدون هذه الرموز يصبح العالم مفرغا من المعنى، بدونها يغدو العالم مسطحا لا عمق فيه، لا طعم له ولا لون ولا رائحة، شبكة الرموز هذه هي أعظم ما أنتجه أسلافنا، إنها التركة العظيمة التي ورثناها عنهم، وليس لنا أن نفك هذه الرموز فنفسد على أنفسنا متعة الشعور بالعالم ونفسد المتعة على أبنائنا، إن أعظم ما يمكن أن نقوم به هو أن نزيد هذه الرموز كثافة، أن نجعل الوصول إلى فكها أمرا مستحيلا، أن نوفر لأبنائنا فرصة العيش في عالم من الرموز المستحيلة الحل والفهم، وإذا كان ثمة من رموز تسكن في داخلي فهي امتداد لكل ما يحيط بي، انها نصيبي من هذا الغموض، نصيبي الذي لا تزيده الأيام إلا كثافة حتى بت لا أراني بكثرة ما يحيط بي من هذه الرموز. في الصف السادس الابتدائي تجربة الصحافة * يبقى الإعلامي العاشق مهووسا بما يضج بداخله، يتعلق بالأفق لأنه يحلم بكلمة تكتب أو تقال تصنع شيئا ما.. يبقى عاشقا للمساحة التي يتحرك فيها حتى حينما تضيق عليه.. من واقع تجربتك هل الصحافة بيئة "طيبة " للشاعر والمثقف؟ وهل يستطيع أن يناور في مساحاتها؟ وما حجم خساراتك التي خرجت بها من تجربتك الصحفية الطويلة. - حينما ننظر إلى أن المسألة مسألة مناورة بين الشاعر والمثقف ومساحة الصحافة فإننا نخطئ الطريق ولن نجد إجابة على السؤال الذي تطرحه هذه العلاقة، علينا أن نعيد النظر في المسألة من زاوية أخرى تتعلق بالشخصية المركبة للمثقف أو الشاعر أو القاص أو الناقد، الشخصية التي يمكن أن تجمع بين أكثر من فن وأن تنهض بأكثر من وظيفة، لذا أزعم أنه إذا كان داخل الناقد أو الشاعر أو الروائي رجل إعلام فسوف ينجح كرجل إعلام بنفس حجم نجاحه ناقدا أو قاصا أو شاعرا، وربما منحته هذه الشخصية المركبة المتعددة الجوانب فرصا أكبر للنجاح حين يستفيد على سبيل المثال القاص فيه من مقدرة رجل الإعلام على التمتع بنظرة شاملة وفاحصة ولاقطة لكل ما هو حوله. وكل ما يحتاجه من ينهض بهذه الأدوار المتعددة أن يحرص على عدم الخلط بينها وأن يدرك أن لكل دور قواعده ووظائفه التي ينبغي عليه عدم التفريط فيها كما يحتاج إلى إدارة الوقت لكي لا يطغى عمل على عمل ومهمة على مهمة، وعلى مستوى تجربتي الشخصية فاعتقد أني لم أحسن إدارة الوقت بين المهام المختلفة غير أني أزعم أن المكسب الكبير الذي منحتني إياه الصحافة حين جعلتني أكثر قربا من الناس يعوض كل خسارة محتملة. الزيارة الأولى لمصر 1978 الحلم * أتعلقت يوما بحلم حينما وصلت إليه اكتشفت بأنه وهم؟ في يقظتك بماذا تحلم؟ وماهو القلق الذي يذهب معك في نومك؟ - سأترك ذلك الفتى الذي كان طالبا في الجامعة يجيبك بقوله: قلب تسرب في أنحائه الكدر من أين يشرق في أرجائه قمر الذكريات بواك في جوانبه والأمنيات على أرجائه زمر ورحلتي في ضباب العمر ما انكشفت إلا على أمل يلهو به قدر وما تحقق منها عاد مبتذلا وعاد بارقه العلوي ينحدر بجوار بيت النمل في بتسوانا وسط افريقيا تلك هي المشكلة، المشكلة التي فتحت عيني باكرا عليها، كل أحلامنا تغدو باهتة حين نستيقظ فنجدها حقيقة ماثلة حولنا، لذلك تعلمت شيئا، لا أحلم بشيء، لا أتوقع من شي شيئا، لا انتظر شيئا، ليس هناك شيء عظيم يمكن أن اخسره أو شيء عظيم أسعى كي أكسبه، همومي الصغيرة هي همومي الكبرى، بيتي وزوجتي وأولادي، هؤلاء هم أفقي وكل ما سوى ذلك يتساوى فيه النجاح والفشل، يتساوى فيه الكسب والخسارة. أعظم خيانة للحب * كتب واسيني الأعرج (كلما حاولنا أن ننسى بالغياب.. ازددنا تشبثا بمن نحب.. شيء واحد حاول أن لاترتكبه في حياتك.. قبل أن تحاول النسيان.. اشبع بمن كنت تحب حتى لاتحمله معك في عزلتك جثة تنغص عليك حياتك..) وماذا عنك. ألديك جثة حب تحملها معك في عزلتك لأنك لم تشبع منها؟ ماهو أقسى شيء في الحب؟ - حسبي أن أحمل معي جثتي، ليس لدي من القدرة والقوة أن أحمل معها جثثا أخرى،؟ لم أشبع قط مما أحببت، لم أشبع قط ممن أحببت، غير أني تعودت كلما غادرت أن أغلق الباب خلفي ثم لا ألتفت، ما أحببت ومن أحببت أروع من أن أحملهم جثثا معي، أعظم وفاء وإخلاص لمن نحب أن ننساهم حين نفارقهم، وأقسى شيء في الحب هو أن يتحول إلى ذكرى، أن يتحول إلى جثة، الذكريات خيانة للحب، المرأة التي نتذكرها غير تلك التي عرفناها، أشد ما ينبغي أن تغار منه المرأة صورتها التي سوف يتذكرها بها الرجل بعد أن يتفرقا. النسيان أعظم ما ينبغي أن يتواصى به المحبون. سعيد في الصف الاول الابتدائي النسيان * أتحب ممارسة نسيان الوقت حتى لاتقع في الانتظار؟ وما الذي تنتظره الآن؟ - نسيت الوقت طويلا، نسيته غير أنه لم ينسني، كنت في غفلة منه حين حملني على ظهره وركض بي، حملني وأنا في السادسة من عمري، وأفقت لاجدني في الستين، كيف عبر بي كل هذه المسافة؟ لا اعرف.. وأنا الان لا انتظر شيئا، لا شيء، فقط أن ينزلني الزمن عن ظهره كي ارتاح قليلا. البيت القديم * أتعاود زيارة بيتك القديم الذي فيه ولدت؟ بماذا تذكرك رائحة البيوت القديمة؟ - بيتي الذي ولدت فيه لم يعد موجودا، ذهبت به الريح فيما ذهبت به، لم أعد قادرا أن أزوره، غير أني كلما وقفت أمام المبنى الذي شيد مكانه لا أرى سواه، أرى جدرانه الطينية تلوح لي خلف واجهات الزجاج للمبنى الجديد، أسمع صوت أمي تناديني والعصافير تغرد على أغصان سدرة تقف وحيدة في الجانب الغربي من الفناء، لم أعد أزور ذلك البيت ولكنه هو الذي يزورني، يخاتلني بين النوم واليقظة حينا ويندس في أحلامي حينا آخر، وبعيدا عن الشعر والكلام المنمق والتهيؤات، اعترف لا يكاد يمر أسبوع لا أرى فيه ذلك البيت في أحلامي، قلت لأولادي إن اختفيت يوما فابحثوا عني في أحد أحلام ذلك البيت العتيق. في زيارة للنيبال لعبة الحياة * الحياة لعبة.. هناك من يديرها بنقاء وهناك من يحركها بقدر كبير من الوسخ والخبث.. كيف تتعامل مع اللعبات القذرة في الحياة؟ - ببساطة أغمض عيني فلا أراها، هكذا أعتبرها غير موجودة، بذلك أقتلها وأقتل من يلعبونها، أمحوهم من وجودي، هذا بالنسبة لحياتي الخاصة، إما بالنسبة للحياة العامة فإني أفتح عينا بطول جسدي لترى كل شيء، تعرف اللاعبين ومن يلعبون، لا تتجاهل ولا تعفو ولا تتناسى ولا تتسامح، ولهذا كله أنا أكتب. صوت الوحدة * نعود إلى الوحدة لأنها الصوت الأكثر صراحة، حينما تضع لنا عزلة بطعم كل الحياة، ففيها نروض كل شيء لم يقبل الترويض بنا ومن خلالها ننكشف على ذواتنا.. أتروض نفسك في الوحدة؟ أم أنك من تروض الوحدة لشيء فيك؟ - ربما لأني كنت وحيدا لا إخوة لي تعودت على أن أكون في حالين متناقضين في نفس الوقت، تعودت أن أكون وحدي ومع الآخرين، معهم جميعا وكأنهم جميعا إخوتي أنا الذي لا إخوة له، غير أني وحدي إذ لا أخ لي بينهم مثلما لكل واحد منهم أخ. في غابة كروغر بجنوب افريقيا وحدي مع الآخرين، وعلى الأصح وحدي ومع الآخرين، في الحالين معا، منغلق ومنفتح، خجول وجريء، سعيد بكل ذلك وشقي، في هذه الغرفة السرية للقلب تعودت أن أقلب أوراقي، اصطبغت بلونين متناقضين، كل شيء حولي مهم مثل الناس من حولي حين اعتبرهم جميعا إخوتي، وكل شيء من حولي غير مهم مثل الناس من حولي لا أخ لي فيهم. آلام الكينونة * نحن قلوب لاتشبع من حمل مآتمها بداخلها، فإما أن تعيش بها أو تموت بداخلها حتى إن تحركت أجسادنا.. ماهو الألم الذي لم تستطع نسيانه حتى الآن؟ وكيف تتغلب على أوجاعك تلك؟ - لأنه ليس ألما واحدا ووحيدا، لأنه آلام كثيرة، كثيرة جدا، ولكثرتها نسيتها، صعب أن أقاسيها وأقاسي تذكرها في الوقت نفسه، أغبى ما يمكن أن نفعله أن نتذكر آلامنا وأسبابها، دعينا نضع الموضوع في سياق آخر، نحن نولد متألمين، ونقضي عمرنا في محاولة نسيان الألم، دعينا نجرب محاولة أخرى لصياغة الفكرة، لا نحتاج لأسباب كي نتألم، نحتاج أسبابا كي نفرح، إما كيف أتغلب عليها فإن ذلك إنما هو بالتعايش معها، حسبي منها ألا تتغلب علي، ولا مطمح لي أن أتغلب عليها. إلى جوار سور برلين اختفاء الشاعر * لماذا تخفي الشاعر الذي بداخلك.. هل تشعر بالخوف منه؟ أم تخاف أن يطغى جنونه وانفلاتاته على صرامة "سعيد السريحي" الناقد الصارم والرصين؟ - أقسم بالله إني لا أخفيه، هو الذي اختفى ولا أعرف له أرضا أطلبه فيها أو سماء أستعيده منها، يأتي حين يشاء ويذهب حين يريد، لا أخاف منه، أخاف من أن أتورط مع أشباه له، أريده الشاعر الذي حلمت به، الشاعر الذي رأيته يلوح في جبين الثبيتي، ذلك هو الذي أردته وحاولته، ذاك هو الذي لا أعرف أين يذهب ولو أردت الشاعر الذي يكتب ما يتيسر له من الشعر لكان الأمر سهلا ولزاد عدد الشعراء واحدا، واحدا فوق الحسبة، غير أنه واحد وليس وحيدا. سعيد السريحي عتاب * أتحب سعيد السريحي؟ متى آخر مرة زرته بعد أن عزمت كل العزم على معاتبته؟ وماذا أخذت له معك؟ - المشكلة التي لم أستطع أن أجد لها حلا أنني لم أستطع قط أن أتخلص منه، لم أستطع أن أتخلى عنه، أن أبتعد عنه قليلا، أن أحبه أو أكرهه، أن أحمل له شيئا أو أمد له يدي فأستلم منه شيئا، المشكلة هي أنني لا أستطيع إلا أن أكون أنا، أتخيل لو أن أهلي لم يطلقوا علي اسما لكان الأمر سهلا علي، أتقلب في الأسماء والأشخاص وعندها يمكن لي أن أحبني أو أكرهني. الخجل * متى يتلبسك الخجل من نفسك وتشعر بأنك تتمنى أن تخفي وجهك بيديك؟ وكيف تعبر عن الاعتذار؟ - يتلبسني الخجل حين يتوهم أحد في أكثر مما أنا عليه، حين يظن أنني قادر على شيء أنا في حقيقة الأمر عاجز عنه، أخجل ممن حسن ظنه بي يتجاوز قدري ومقدرتي، ولست أعرف كيف أعتذر، ربما أطرق إطراقة من يخشى أن يكون في اعتذاره محاولة لكسب فضيلة جديدة تحسب له، أخشى أن أخاتل من يحسنون الظن لي بجميل اعتذاري إن اعتذرت. البكاء إلى أقصى الروح * نبكي حينما نشعر بأن هناك شلخا كبيرا يتكسر معه قلوبنا، نبكي حينما نحزن وحينما نفرح وحينما لانجد مانبكي عليه.. مالذي يبكيك؟ وإلى أين تحب أن تذهب بذلك البكاء؟ - لم تكن دموعي صعبة حين كنت طفلا، وغدت أسهل حين كبرت، لا يتناقض البكاء مع تصوري للرجولة، أن تستطيع أن تبكي معناها أنك إنسان والإنسانية عندي أعظم قيمة من الرجولة إذا كانت الرجولة تحول بسن المرء ودموعه، وأذهب بالبكاء إلى أقصى الروح حيث لا يوجد من ألوذ به سواي. حيث أجدني كما أنا مجردا من كل شيء إلا قلبي. السر * ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟ - وهل تتوقعين مني أن أقول الآن سرا احتفظت به ستين عاما ولم أقله يوما لأحد، لم يتبق على ذلك السر كثيرا لكي يدفن معي، هذا إذا افترضنا أن ثمة سرا لا زلت أخفيه.