لنعترف بدءا أن العلاقة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثير من أفراد المجتمع شابها غير قليل من التوتر، وإذا كان بعض هذا التوتر يعود إلى الدور الرقابي الذي تنهض به الهيئة، والذي تواجه به بعض انحرافات السلوك، فإن الجانب الأكبر من هذا التوتر نشأ عن ممارسات غير مسؤولة صدرت عن محتسبين ممن هم خارج جهاز الهيئة، أو من بعض أعضائها الذين يسيئون استخدام صلاحياتهم على نحو أساء إلى كثير من الناس، وأدى إلى المس بحرماتهم خلال فترة شهدت فيها مدن كثيرة من المملكة أحداثا كثيرة أدت في آخر الأمر إلى تشديد الدولة على ضوابط عمل الهيئة، مع تغييرات متتالية في قياداتها بحثا عمن هو أقدر على إدارة دفة العمل فيها وتوجيه المنتمين إليها. ولا يستطيع منصف أن يتنكر لما بدأت تأخذ به الهيئة من لطف في التعامل مع الناس، وعمل بالحسنى في توجيههم، ونأي بنفسها عن أن تزج بنفسها في شؤونهم أو تتجسس عليهم أو تحاصرهم بمبدأ الريبة والشك والتوجس، وهو تطور لا يحول دون ظهور حوادث وتصرفات خاطئة من بعض رجال الهيئة، غير أنه تطور يبشر بإعادة تصحيح العلاقة بين الهيئة والمجتمع. على صعيد آخر، يبدو لنا أن تصور بعض المجتمع وبعض رجال الهيئة لعمل الهيئة والمنتمين لها لا يزال تشوبه منزلقات تشكل عنفا رمزيا على مستوى الخطاب، من شأنه أن يشوب العلاقة بين الهيئة والمجتمع، ويضعف من وتيرة التحسن في علاقة كل منهما بالآخر، وهو عنف رمزي أفرزته تلك المرحلة المتوترة بين الجهتين. من ذلك ما يتردد من أن الهيئة هي التي تقوم بحماية بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا من الاعتداء والوقوع في فخ الذئاب البشرية، وفي هذا المفهوم تجن على المجتمع ووصف له بالعدوانية والانحطاط الأخلاقي، وكأنما هو مجتمع من الوحوش التي تطارد المرأة باعتبارها فريسة تكاد تظفر بها لولا جهود رجال الهيئة، كما أن في هذا التصور تنكرا لدور الأجهزة الأمنية وإنكارا لرجولة مجتمع قادر كل فرد فيه على أن يذب عن أهله مهما كلفه ذلك من ثمن. ومن التصورات التي تشكل اعتداء لفظيا على المجتمع وصف رجال الهيئة بأنهم حراس الفضيلة، ذلك أنه لو كان من يحرس الفضيلة هم بضع آلاف في مجتمع فيه الملايين من الرجال والنساء، فإن بإمكاننا أن نقول على الفضيلة السلام ما دام المجتمع رجالا ونساء نائمين عن هذه الفضيلة.