منذ بدأت تأثيرات ما يسمى ب"الربيع العربي" على مجمل الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية العربية حتى في الدول "خارج الربيع"، وكثير من الأسماء "الرنانة" في الأدب والفكر العربي متوارية عن أنظار وسائل الإعلام بعد أن كان حضورها ندوة أو مؤتمرا أو لقاء ثقافيا بمثابة حدث إعلامي مهم، ترافقه صور باذخة لهؤلاء منذ لحظة وضع القدم على أرض المطار وحتى رفعها مرة أخرى لصعود الطائرة، فالكثير من هؤلاء المثقفين فضل الانزواء والتروي في تبني المواقف والأفكار الجديدة ربما من مبدأ تمحيصها أو عدم الاقتناع بمصداقية ما ترفعه من شعارات، حتى إن البعض منهم يفسر ذلك بأنه هروب من الارتهان السياسي الذي قد يدفعه المثقف نتيجة تبنيه موقفا ما، قد يندم عليه في لحظة تغير الظروف المحيطة. ولأن هؤلاء سيطروا لسنوات طويلة على مساحات كبيرة من الإعلام الثقافي خصوصا، فإن غيابهم المفاجئ أحدث فجوات كبيرة في نوعية المادة الصحفية المطروحة وأوجد برودا ظاهرا في النشاط الثقافي، ولعل أبلغ دليل، هو أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، انطلق قبل أيام دون ضجيج إعلامي يسبق ويواكب الحدث كما كان يحدث في الدورات السابقة، لأن الكثير من المثقفين والمفكرين العرب الذين كانوا يأتون بشهرتهم وأضوائهم لم يعودوا يحضرون بشكل لافت في مثل هذه المناسبات الثقافية في عموم الوطن العربي. لذلك غابت القضايا الفكرية الجادة والطروحات المثيرة للنقاش، وحضر بديلا عنها، نوع آخر يمزج الأدب الساخر بفن الكاريكاتير حتى أصبحا مادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، واتس أب). ولذلك كشفت السخرية اللاذعة للمشهد السياسي العربي عن مواهب مثيرة في هذا الفن الأدبي الذي كان محصورا في أسماء محددة، وبالقدر الذي غاب إلى حد كبير المثقف "المعروف إعلاميا". ظهر مثقف جديد لا يتكئ على الشهرة الإعلامية أو الشهادة الأكاديمية، بل كل أدواته نكتة ساخرة جدا أو رسم كاريكاتيري أو صورة فوتوجرافية، تلامس الهم اليومي وتحاول التوغل في دهاليز التناقضات السياسية، مما حول الأحداث المثيرة التي يمر بها العالم العربي إلى وسيلة تسلية من مبدأ "الضحك مما يبكى منه"، على الرغم من الألم الشديد الذي أحدثه بعضها. السؤال هنا: إلى متى يبقى المثقف العربي رهينة التحولات السياسية؟