بعد الاجتهاد في تحديد مفهوم الليبرالية خلال المقال السابق ، وتقاطع خطوط الرؤية ، وتفاوت الأهداف بين الليبراليين أنفسهم تجاه هيكل الليبرالية وتأطيرها . يقودنا هذا الاختلاف في الغايات والأهداف بينهم إلى تصنيف أنصار الليبرالية . حيث يمكن تقسيمهم إلى طوائف متعددة ، منطلق هذا التصنيف طبيعة وتفاوت المبادئ التي ينادون بها واختلاف الغايات التي ينشدونها . فئة ترى أن الليبرالية تجسيم لمنبر الحرية مع تحفظهم على المدى المفترض في حدود الحرية المطلوبة وفي تقاطعها مع ثوابت الأمة وروا سخ الدين ، فتأخذ منها الجانب الإيجابي - في رؤيتها وتفسيرها - ونرفض ما يصطدم مع القيم . يقول أحدهم ،، إننا نقدم ليبرالية مفصلة على واقع مجتمعنا وحسب عرضنا وطولنا نريدها للعمل بها لكن ليس على ما يريد الآخرون، وبفلسفة محلية وليست مستوردة، ... والذين يرون إننا تبعا لغيرنا باستمرار، نقول ما كانت لنا علة غير هذا الانهزام، ولا مانع من إن نطور أي نظرية لتناسب مجتمعاتنا، فليس المراد هو خدمة النظرية وتطبيقها بطريقة عمياء، ولكن المراد هو خدمة المجتمع بها ، لذا هو الأصل المراد راحته. ونريد أن يشارك في تنفيذها كل شرائح المجتمع لا إن تنفرد بتنفيذها جهة تدعي الليبرالية وتتحايل بها على الآخرين فتأخذ حقها أوما يخدمها وتمنعهم حقوق الآخرين .. والليبرالية التي نريد نعني بها الحرية من استعباد البشر، وليس من الخروج على طاعة الله فهذا أمر لا نطلبه من الناس وهو لهم ، التحرر الذي نريد من هيمنة الطائفية وليس التحرر من الأخلاق الفاضلة التي تمييز بها المجتمع ، وليس التحرر من الدين ولا التحرر من عبودية الله، أي لا ندعو للخروج على طاعة الله،.،، النظرية الحديثة لليبرالية المعتدلة بلا تطرف ولا إباحية. رؤية خاصة حسان عثمان ومع تقديرنا لرؤية هذا الفريق في محاولته مسك قطب الميزان من الوسط فإن هناك أمرا لا يغيب عن قانون النقد والتحليل المنطقي، فتعليب مفهوم الحرية بمعناه الشمولي والإيجابي واستثناءاتها في وعاء الليبرالية فيه تحجيم لمفهوم الحرية واختباء في عباءة الضعف وعدم الشجاعة ، ذلك أن الحرية لا تحتاج لقولبة وتحجير، فالحرية المنضبطة كفلتها الأديان السماوية وشرعتها النظم القانونية القديمة والحديثة . دون حاجة لتعريف المعرف ، ولوي مجسم الحرية بمفهومه الواسع في خندق الليبرالية الضيق نوع من قصور الفهم . فئة ترى في فهم الليبرالية بأنها منتدى يضم في جنباته كل من ينشد التطوير والخروج عن المألوف دون الرغبة أو القدرة على استيعاب المفاهيم ودلالاتها أو اهتمام بالغايات أو رسم للأهداف وإنما هي محاولة هزيلة ساذجة لوقف المد المتدافع الصحيح تجاه بريق وسراب التيارات اللامعة الغريبة في كل اتجاه دون وعي لخصائصها الإيجابية والسلبية . وهؤلاء كثر والمقالب التي يحشرون فيها أنفسهم عديدة تدل على ضعفهم وانهزاميتهم . يذكرني هذا بموقف مع أحدهم حيث جمعنا حوار ثنائي . قلت أن معظم نقادكم يلمعون الطرح ويجعلون منه إبداعا متميزا . فقال وبكل عفوية . أذكر لي مثلا على ذلك . قلت خذ هذه الأبيات من قصيدة لأحد شعرائكم . لسان النار يتلظى يحطم قلعة الصوان يسلخ الإسمنت والقطران ومبنى هرقل والأهرام يمزق السفر والنوتات يبيع بسوق مجنة العملات هارون أخي وأفعى السوء تطلبني يراها أخي جنة عاد والخلد القائم في الأعماق لم يتمالك أن قال صاحبي هذا نص عظيم يحمل في خفايا أبياته معاني لا يدركها إلا الناقد الحاذق فهلا أعدت لي قراءة النص مرة أخرى ؟ قلت له لا ؟ قال ولم ؟ قلت كيف أقرأه وهو من إنشائي القائم على صفصفة الكلمات .!! الفئة الأكثر خطورة وجدال في تصنيفات الليبرالية. وهي تلك الفئة التي تمثل قاعدة التنظير وهي أكثر ذكاء وقدرة على التوجيه لأنصار الليبرالية ، فرواد هذه الفئة بخلاف النموذجين السابقين لا يجعلون في قاعدة اهتمامهم مطلب الانتماء أو يجاهرون بذلك ، لكنهم يرسمون الخطوط العريضة النافذة لقلب معالم خصومهم دون أن يظهروا ولائهم للفكر الليبرالي ، وفي مواجهتهم مع الفكر الإسلامي نجد أنهم وبحجة التجديد في منهج الإسلام {غالبًا ما يدعون للتحرر من سلطة علماء الدين والفصل بين آراء علماء الدين الإسلامي وبين الإسلام ذاته، ويميلون لإعادة تفسير النصوص الدينية ، إذ يرون أن الإسلام بعد تنقيته من هذه الآراء يحقق الحرية للأفراد خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد} من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة . كما أنهم يناصرون كل عمل يخدم أهدافهم مهما كانت خطورته ودون كلل أو خجل ، فإذكاء نار الطائفية بين فئات المجتمع مثلا بحجة نصرة فئة الأقليات ، وتأييد حملة النيل من رموز الفكر الإسلامي وعلى قائمة أولئك رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة وشيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله وغيرهم بحجة حرية التعبير عن الرأي . يقول أحد الكتاب عن منظري الليبرالية.{ وراء هذا الاسم ما وراءه من الخفايا والدسائس ممن لا يريدون الليبرالية وإنما يريدون ثغرة فيها ليحاربون بها معتقدات آخرين عجزوا عن ذلك مباشرة فعمدوا على اختراق النظم والنظريات السياسية ليحتموا بها في حين هم أول أعداء الليبرالية لأنهم يجردون بها حريات الآخرين.} النظرية الحديثة لليبرالية المعتدلة بلا تطرف ولا إباحية/ رؤية خاصة حسان عثمان كما أنهم وبطريقة العرض القائمة على التشويق وتوظيف المبررات التي تأسر السذج من المتابعين يعمدون إلى جلد الذات الاجتماعية ويجردونها من كل الخصائص الإيجابية التي يمتازون بها ويقللون من أي خطوة إيجابية تتحقق بدعاوي وتبريرات واهية كموقفهم من نجاح التغيير في مصر . المقال القادم بإذن الله تعالى عن مستقبل الليبرالية