قال الكاتب سطام عبدالعزيز المقرن في مقاله بصحيفة الوطن أن الليبرالية في تصور البعض ما هي إلا اختزال للتخوف من التغيير، والفشل والعجز في التعامل مع معطيات الحضارة الحديثة في مختلف مجالاتها،وأكد أنه في الماضي كان التحذير من الغزو الفكري، والعلمانية والحداثة، واليوم على نفس الوتيرة التحذير من الليبرالية. لمطالعة المقال: الإلحاد.. نتاج الليبرالية! في مجتمعنا اليوم الكل يتحدث عن الليبرالية، وقد تصاعد النقاش واشتد في مختلف المجالس والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، حتى وصل الجدال إلى مواقف متشنجة ومتطرفة في نقد الليبرالية وتحديد الموقف منها، ومن هذه المواقف، قيام البعض بوضع قائمة طويلة بأسماء الليبراليين وكأنهم “مجرمون” مطلوبون للعدالة، والبعض الآخر يتهمهم بالعمالة للغرب والخيانة واللاوطنية والإلحاد، ولو سألنا أحدهم: ما هي الليبرالية؟، لكانت الإجابة على الفور: “الحرية الجنسية، والتحرر من الدين والأخلاق الحميدة، والإنسان وفقا لمفهوم الليبرالية يعيش بوحي الطبيعة ويتصرف في إشباع غرائزه كما تتصرف الحيوانات”، وبناء على المفهوم السابق، فقد أصبحت الليبرالية تهمة وجريمة، في حين أنها مذهب فكري وفلسفي لها نظرياتها ومبادئها العلمية المختلفة، والتي لا يعرفها الكثير من الناس، والتي تحتاج منا إلى وقفة ودراسة بحثية متعمقة، بدلا من رمي التهم والأحكام المسبقة التي أوقعت الناس في خصام وشقاق. لذا نجد أن البعض ينطلق في الدفاع عن ثقافة المجتمع ونقد الليبرالية من موقع التعنت والتهكم والاستخفاف، متناسين أن الليبرالية وغيرها من المذاهب الفكرية ما هي إلا نتاج لمعطيات الحضارة البشرية، فليس هناك في المجتمع السعودي من ينادي بالحرية المطلقة للأفراد أو الناس، فالحرية بمعناها المطلق ليست سوى فوضى وعشوائية، ومن المستحيل أن نتخيل مجتمعا يعيش من دون قوانين وقواعد وأعراف ومؤسسات يمتثل إليها الناس. فمن أين جاءت إذن فكرة أن الليبرالية تنادي إلى الحرية المطلقة أو الإباحية الجنسية؟. في اعتقادي أن الليبرالية في تصور البعض ما هي إلا اختزال للتخوف من التغيير وكل ما هو جديد يأتي من الغرب، والفشل والعجز أيضا في التعامل مع معطيات الحضارة الحديثة في مختلف مجالاتها، ففي الماضي كان التحذير من الغزو الفكري، والعلمانية والحداثة، واليوم على نفس الوتيرة التحذير من الليبرالية، ومهما اختلفت المصطلحات والمسميات فالمعنى واحد لا يتغير على مر السنين. لذا لا عجب أنهم يرون الماركسي والشيوعي والقومي هو ليبرالي أيضا!، وبشكل عام، فإن البعض يرى أن التغيير والأمور الحديثة ستؤدي بالعقل إلى التحرر تدريجيا، وبذلك فهي سوف تدفع الإنسان إلى الشك والجدل والتساؤل المنهي عنه، وهذا ما يفسّر في نظري تضخيم البعض لمسألة “الإلحاد” في المجتمع ليثبتوا للناس أن ذلك من نتاج الليبرالية وأفكارها الهدامة!. هذا هو حال البعض لم يتغير منذ عقود طويلة، ومنذ دخول الحضارة الحديثة وتفاعل الناس معها، فإلى متى سنظل ندور في نفس الدوامة، لا نستطيع الخروج منها، والعالم من حولنا يتطور ويتغير بشكل متسارع؟. كنت أتمنى من الذين انتقدوا الليبرالية لو استندوا في نقدهم على دراسات وأبحاث علمية وأدوات منهجية متطورة، لكان الوضع أفضل من مجرد القراءات السريعة والاستناد على الأحكام الجاهزة والمسبقة، فالليبرالية عبارة عن فلسفات ونظريات اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة لها تجارب وممارسات تتغير من وقت إلى آخر ولها أيضا مدارس فكرية تختلف عن بعضها البعض في رؤيتها للأمور، فهي ليست مجرد لفظ نظري نبحث عنه في المعاجم والقواميس اللغوية حتى نحدد ما هي الليبرالية؟، وليست كل جماعة أطلقت على نفسها (ليبرالية) تصلح للاستدلال على الليبرالية كمذهب فكري، كما أن عدم التصريح بالاسم لا يعني أيضا عدم وجود المحتوى الليبرالي في بعض تيارات المجتمع، وهذا ما يختلط على الناس عند الحديث عن موضوع الليبرالية. فيما يلي أطرح تساؤلا مهما، أعتبره كمدخل بسيط لفهم ماهية وأبعاد المسألة الليبرالية، فمعظم الناس يعلمون أن مرتكز الليبرالية هي “الحرية”، ولكن ما هي الحرية التي يحرص المذهب الليبرالي على إبرازها في تحديد ذاته، في حين أن جميع المذاهب الفكرية تنادي بحرية الإنسان في نظرياتها وفلسفاتها، فما الجديد في الموضوع؟، والإجابة تكمن في اختلاف النظريات في مفهوم الحرية ومن ثم اختلاف آليات التطبيق على واقع المجتمع، فبعض المذاهب الفكرية ترى الحرية في الجماعة وهي مقدمة على الفرد، بينما الليبرالية ترى الأولوية في الفرد، ولنأخذ على سبيل المثال النظرية الليبرالية من الناحية الاقتصادية والتي تعني حرية الملكية الشخصية وحرية النشاط الاقتصادي وفق قانون السوق، وعليه ترى الليبرالية الانفتاح وحرية السوق وعدم تدخل الدولة في الأمور الاقتصادية، وهناك من يرى عكس ذلك ومنها الماركسية والتي وجهت انتقادات إلى المفهوم الليبرالي، ومع ظهور المشاكل والأزمات الاقتصادية وانهيار بعض الشركات الكبيرة، أدت إلى تغير الفكر الليبرالي الاقتصادي وبدأ البعض يطالب بتدخل الحكومات أكثر فأكثر في الشأن الاقتصادي وخاصةً من الناحية الرقابية على الأسواق التجارية، ولهذا عاش الغرب حركة سريعة في خط التقدم الصناعي والاقتصادي والاجتماعي. من المثال السابق، نفهم أن لليبرالية أشكالا وأنماطا متعددة وأنظمة مجتمعية مختلفة وليست مجرد ألفاظ موجودة في المعاجم، كما رأينا أيضا كيفية الانتقادات التي وجهت إليها من خلال دراسات وأبحاث علمية تناقش وتفند وتطرح البديل وتضع آليات تطبق على أرض الواقع، بحيث يستفاد منها من خلال التجربة والممارسة الفعلية وتغيير ما يمكن تغيره للوصول إلى الأفضل، فالنظريات والفرضيات تتغير من وقت إلى آخر ولا تبقى ثابتة في قوالب فكرية جامدة. وخلاصة القول أن الانتقادات التي وجهت إلى الليبرالية هي في مضمونها خاوية وتفتقر إلى أبسط ملامح العمق في التحليل العلمي، وفي المقابل أيضا نجد الأطروحات الليبرالية في المجتمع تفتقر إلى البحوث والدراسات، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: هل أصحاب هذه الأطروحات لديهم الإحاطة المعرفية الكافية بموضوعهم وبالفلسفة التي يتبنونها؟. أعتقد بأننا في حاجة ماسة إلى بحوث نقدية مستوعبة لليبرالية، وإلى تحليل معرفي للأطروحات الليبرالية، حتى نستطيع حل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسير بالمجتمع إلى الأفضل.