لم تكن نتيجة مفاجئة تلك التي توصل لها استشاري الطب النفسي بصحة الرياض الدكتور مهدي العنزي، وذلك حين كشف في محاضرته التي ألقاها في الملتقى التدريبي للعاملين في مجال الخدمات النفسية والاجتماعية عن أن «أكثر الأمراض النفسية شيوعا في المجتمع السعودي هو مرض الرهاب الاجتماعي»، كما لم يكن مفاجئا كذلك السبب الذي أعاد إليه تفشي هذا المرض النفسي والمتمثل في «طبيعة التنشئة الاجتماعية التي ترفض حوار الصغير مع الكبير وعدم احترامه حتى لو كان رأيه خطأ أو صائبا بشكل أو بآخر». لم يكن ما كشف عنه الدكتور العنزي مفاجئا غير أنه وضعنا في مواجهة حقيقة يمكن لها أن تفسر لنا كثيرا من الظواهر السلوكية والاجتماعية كما يمكن لها أن تفسر لنا كثيرا من الأمراض العضوية التي أخذت نسبتها في التزايد والتي تشترك الأسباب النفسية في الإصابة بها ومثال ذلك ارتفاع الضغط والسكر. لا يمكن لفرد في مجتمع مسكون بالرهاب والخوف إلا أن يرتجف خوفا من جندي المرور حتى وإن لم يكن قد ارتكب مخالفة مرورية في حياته، وتصطك ركبتاه من الفزع إن وقف أمام قاض حتى وإن كان هو صاحب الدعوى، ويعجز عن المطالبة بحقه ممن ظلمه والدفاع عن نفسه ضد من اعتدى عليه متوهما أن تلك المطالبة وذلك الدفاع يمكن له أن يجر عليه ما لا طاقة له بتحمله، وليس هذا الخوف خوفا من النظام بل هو خوف غير مبرر ممن ينفذون النظام، ولذلك يمكن لمن يسكنه هذا الخوف أن يخالف كل الأنظمة لو غاب من ينفذ هذا النظام أو ذاك. التنشئة التي أعاد إليها الدكتور العنزي حالة الرهاب التي تتفشى في المجتمع لا يمكن لها إلا أن تنتج جيلا مأزوما يخرج من وصاية الآباء والأمهات ليستسلم لوصاية المعلمين والمعلمات، فإذا ما تجاوز مرحلة التربية والتعليم ظل مسكونا بخوف يجعله غير قادر على تحمل مسؤولية قراره وعاجزا كذلك عن معرفة معنى أن يكون إنسانا حرا، ولذلك لا يجد بدا من أن يبحث لنفسه عن أوصياء عليه يفكرون بالنيابة عنه ويعملون بدلا منه، يتنازل لهم عن حريته مقابل ما يمنحونه من إحساس بأمان هو في حقيقة الأمر أمان من لا يعمل شيئا ولا يقرر شيئا ولا يتحمل مسؤولية شيء.