مجلس التعاون الخليجي ليس غاية في حد ذاته، بل إنه وسيلة وأداة لتحقيق حالة متقدمة من الإنجاز المشترك والتقدم نحو المستقبل، وإلا فإنه لن يختلف عن حال الجامعة العربية التي مضى على تأسيسها أكثر من ستة عقود، وأصبح غاية الأمل وذروة الإنجاز مجرد انتظام دورات القمة التي تخرج بقرارات وبيانات موجهة للاستهلاك لدى الرأي العام والشعوب العربية، في حين تكون القرارات والتوصيات ومشروعات العمل الجدية مثل «السوق العربية المشتركة» و «الاتحاد الجمركي العربي» و «اتفاقية الدفاع العربي المشترك» مصيرها النسيان والإهمال، لذا ينبغي مقارنة تجربة مجلس التعاون مع التجارب والنماذج الإيجابية، مثل تجربة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو (على ما اعتراها من وهن وضعف في الآونة الأخيرة) والتجمعات والتكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والقارية الأخرى في العالم.. لقد بدا وكأن قوة الاستمرارية والدفع باتجاه مهمات أوسع قد فقدت زخمها وتراجعت، على صعيد دول مجلس التعاون، وهو ما يتطلب الكثير من العمل والمتطلبات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لكي تواكب تطلعات وآمال شعوبها التي اعتبرت قيام المجلس خطوة في الاتجاه الصحيح، وفي هذا الصدد نشير إلى بعض المعطيات المتعلقة بهذه الميادين والمجالات، أولا : من الضروري الارتقاء بأداء المجلس وأمانته العامة وتفعيل آليات عمله وفقا لمبادئ وبنود الميثاق الذي قام عليه المجلس، مع إدخال التطوير والتحسين الضروري لمواكبة المستجدات والتطورات بما في ذلك تفعيل دور ومكانة المجلس الاستشاري الخليجي وتوسيع صلاحياته باعتباره هيئة اعتبارية لها شخصيتها المستقلة، وأن يكون أعضاؤه يتمتعون بالاستقلالية وبعيدين عن التأثر، وصولا إلى وضع آليات لانتخاب المجلس الاستشاري بصورة مباشرة من قبل مواطني دول المجلس على غرار البرلمان الأوروبي. ثانيا: يتعين الإسراع في تنفيذ خطوات التكامل الاقتصادي (السوق المشتركة والوحدة النقدية والجمركية) وبما يتيح إنهاء الطابع الريعي الأحادي للاقتصادات الخليجية التي لاتزال تعتمد بشكل رئيسي على النفط، مع التصدي الجاد لمعالجة قضايا الفقر والبطالة والفساد. ثالثا: العمل على تطوير المشاركة في صنع القرار المؤسسي الشامل من خلال تأكيد الفصل بين السلطات واعتماد آلية ومبدأ الانتخاب للمجالس التشريعية والمحلية والبلدية، وإتاحة المجال لإقامة وتشكيل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني (السياسية والنقابية والمهنية والاجتماعية والثقافية) وضمان استقلاليتها وذلك على صعيد كل دولة خليجية وعلى صعيد دول المجلس ككل. رابعا: العمل على تطوير خطاب فكري وإعلامي وتعليمي ينبذ الأحادية والإقصاء والتكفير ويؤمن بالتعددية واحترام الآخر. خامسا: العمل على صياغة قوانين وأنظمة للإصلاح الإداري والوظيفي للحد من مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام، وتشجيع قيام الهيئات الأهلية والحكومية التي تدافع عن الحقوق المدنية وتراقب وترصد أية انتهاكات قد تحدث بغض النظر عن المنطلقات والمبررات.