من الناحية الإجرائية أو الشكلية نستطيع القول إن مجلس التعاون الخليجي يمثل تجربة ناجحة إذا أخذ بعين الاعتبار استمرار وانتظام دورات قممه ومجالسه الوزارية المشتركة، وحجم التحديات والمخاطر التي واجهته منذ تأسيسه «1981م» قبل 30 عاما، خصوصا في ظل فشل تجمعات واتحادات عربية مماثلة على غرار مجلس التعاون العربي «مصر والعراق واليمن والأردن» أو المجلس المغاربي «الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا». ولا حاجة لأن نقف إزاء الوحدات الفورية الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية التي راجت في عقد السبعينيات فمصيرها كان الموت والدفن قبل أن يجف مداد الحبر الذي سكب في صياغتها. غير أن المقارنة هنا مغلوطة وغير دقيقة إذ يجب أن نشير إلى عدد من التناقضات والاختلافات وأحيانا العداوات بين النظم والدول العربية المنخرطة في تلك الاتحادات أو الوحدات المزعومة، حيث إن المصالح الظرفية «السياسية والاقتصادية والأمنية» والعارضة هي العامل الرئيس في تشكل تلك الاتحادات وليست الإرادة والرغبة المشتركة المنطلقة من وعي قومي لأهمية التعاون والتنسيق والتكامل المشرك انطلاقا من وحدة المصير العربي وضرورة تحصين البيت العربي في مواجهة التحديات والمخاطر بما يحقق آمال وتطلعات الشعوب العربية في الاستقلال والتقدم والحرية والعدالة والوحدة. لكن من الناحية الأخرى فإن استمرار مجلس التعاون الخليجي ليس غاية في حد ذاته بل إنه وسيلة وأداة لتحقيق حالة متقدمة من الإنجاز المشترك والتقدم نحو المستقبل وإلا فإنه لن يختلف عن حال الجامعة العربية التي مضى على تأسيسها أكثر من ستة عقود، وأصبح غاية الأمل وذروة الإنجاز مجرد انتظام دورات القمة التي تخرج بقرارات وبيانات موجهة للاستهلاك لدى الرأي العام والشعوب العربية، في حين تكون القرارات والتوصيات ومشروعات العمل الجدية مصيرها النسيان أو الإهمال. لذا تجب مقارنة تجربة مجلس التعاون الخليجي مع التجارب والنماذج الناجحة مثل تجربة الاتحاد الأوروبي والتجمعات والتكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والقارية الأخرى. فالمقارنة ينبغي إذن أن تكون مع الحالة الأرقى والأنجع وليست مع التجارب والنماذج الفاشلة. لقد استطاعت أوروبا أن تنجز وحدتها السياسية والاقتصادية وتوحيد عملتها النقدية وأنظمتها وقوانينها وتشريعاتها على الرغم من الإرث التاريخي المليء بالصراعات والحروب الدموية والتناقضات العرقية والأثنية والدينية والمذهبية التي دامت قرونا آخرها حربان عالميتان مدمرتان كانت أوروبا منطلقا وساحة رئيسة في خوض غمارهما. في حين تمتلك دول مجلس التعاون كثيرا من عوامل الوجود سواء على صعيد أنظمتها ومجتمعاتها وأنماطها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومستويات تطورها المتشابهة والخصائص التاريخية والجغرافية والأثنية واللغوية والثقافية المشتركة. وهذا لا يلغي أن هناك عددا من العقبات والعراقيل والمعيقات والخلافات التي تحول حتى الآن دون تحقيق الآمال والأهداف التي تصبو إليها شعوب دول المجلس. ومع أن الأزمات الخطيرة التي تعرضت لها المنطقة وخصوصا إبان أزمة الخليج الأولى «الحرب العراقية الإيرانية» أو أثناء أزمة الخليج الثانية «الاجتياح العراقي لدولة الكويت» أظهرت وحدة وتلاحم دول المجلس، فإنها كشفت في المقابل عن مكامن الخلل والضعف البنيوي الذي اكتنف مسيرة عمل المجلس بحيث بدا وكأن قوة الاستمرارية والدفع باتجاه مهمات وآفاق أوسع وأرحب قد فقدت زخمها وتراجعت إلى ما دون تطلعات وآمال الشعوب التي اعتبرت قيام المجلس خطوة أولى في الاتجاه الصحيح للارتقاء بالعمل الخليجي المشترك نحو مزيد من الخطوات والإجراءات الوحدوية الجادة وصولا نحو صياغة أرقى لعلاقات وحدوية أو اتحادية «كونفدرالية» بين دولها. تشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والتشريعية والعسكرية والأمنية. وهو ما يفرضه منطق العصر وزمن العولمة وتحدياتها الجدية والخطيرة خصوصا في ضوء أحداث 11 سبتمبر المأساوية وتداعياتها على العالم بأسره، وخصوصا احتلال أفغانستان والعراق وما نجم عنه من زيادة التوتر الإقليمي نتيجة المواجهة والصدام بين إيران من جهة والولاياتالمتحدة والغرب وإسرائيل وأطراف أخرى من جهة أخرى (الموضوع النووي والعراق ولبنان وفلسطين) ناهيك عن استفحال خطر الإرهاب والتطرف وتصاعد الصراعات والاحتقانات المذهبية والدينية في عموم المنطقة. حيث تسعى الولاياتالمتحدة إلى فرض إرادتها وتصورها لطبيعة واتجاهات الصراع العالمي والإقليمي وتجلياته المختلفة وتعمل جاهدة على توسيع نطاق نفوذها وسيطرتها على مقدرات شعوب وبلدان العالم ويشمل ذلك بالطبع منطقتنا الخليجية والعربية حيث تسعى الولاياتالمتحدة لاستغلال موقع المنطقة ودورها الجيو - اقتصادي والجيو - سياسي في لعبة الصراع الدولي مع المراكز العالمية الأخرى ضمن نسق العولمة الحالي الذي لا يرحم الضعفاء. وفي هذا الصدد علينا أن نعترف ونتصارح بأن دول مجلس التعاون الخليجي وعلى الرغم من كل الإنجازات التنموية والخدماتية على مستوى البنية التحتية وتطوير الموارد البشرية التي تحققت في فترة زمنية قياسية غير أنها ما يزال أمامها كثير من العمل في المجالات والميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. نشير هنا إلى بعض المعطيات المتعلقة بهذه الميادين والمجالات: على الصعيد السياسي يمكن القول إنه من الضروري الارتقاء بأداء المجلس وأمانته العامة وتفعيل آليات عمله وفقا لمبادئ وبنود الميثاق الذي قام عليه المجلس مع إدخال التطوير والتحسين الضروري لمواكبة المستجدات والتطورات بما في ذلك تفعيل دور ومكانة المجلس الاستشاري الخليجي وتوسيع صلاحياته باعتباره هيئة اعتبارية لها شخصيتها المستقلة وأن يكون أعضاؤه بعيدين عن التأثر والتوجيه المباشر من الحكومات والدول التي ينتمون إليها. إلى جانب تشجيع وتطوير طبيعة وأشكال المشاركة الشعبية في كل دولة على حدة وعلى صعيد دول المجلس كله سواء من خلال قيام الاتحادات والجمعيات المهنية والثقافية والاجتماعية المشتركة على غرار ما هو قائم في بعض الاتحادات مثل اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الرياضي وتحديث وتوحيد النظم الدستورية والقانونية والتشريعية. ونذكر هنا أنه تحققت خطوات هامة منفردة وجماعية على هذا الصعيد من أهمها تعميم صيغ المجالس النقابية ومجالس الشورى في كل الدول الخليجية وبعض هذه المجالس منتخب غير أن الإصلاحات السياسية المطلوبة تتعدى مبدأ الانتخاب على أهميته خصوصا أن التجارب العربية الفاشلة في هذا المجال عديدة. إذ من الضروري تكريس الشرعيات القائمة من خلال الفصل الدستوري بين السلطات الثلاث. نستعيد هنا ما جاء في كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز (حين كان وليا للعهد) في جلسة افتتاح أعمال القمة الثانية والعشرين في يناير 2002 في العاصمة العمانية التي أثارت انتباه المراقبين والمحللين والمتابعين للشأن الخليجي والعربي، حيث اتسمت كلمته بالصراحة والوضوح والشفافية ومواجهة الحقائق كما هي، ولم يتردد في وضع الإصبع على الجرح وتحديد مكامن الضعف والخلل الذي يعتري مسيرة وأداء كل من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية محملا النظامين الخليجي والعربي مسؤولية التقصير والفشل في تجسيد المبادئ وتحقيق أهداف وتطلعات الشعوب الخليجية والعربية. وأشار إلى سعي البعض للهرب من مواجهة استحقاقات ومتطلبات المرحلة، والتلكؤ إزاء التحديات التي تعصف بالأمة رافضا التعويل على الآخرين أو استجداء العدالة من الخارج ومطالبا بنبذ عوامل الفرقة والانقسام والضعف السائد في الموقف العربي العام.. وعلى الصعيد الخليجي انتقد تعثر المسيرة الخليجية، في تحقيق أي من الأهداف الرئيسية التي من بينها إقامة السوق الخليجية المشتركة وإنشاء قوة عسكرية واحدة وتوحيد المواقف والإدارة السياسية الخليجية إزاء الأزمات السياسية، ودعا إلى الاحتذاء بتجربة الاتحاد الأوروبي في تحديد العلاقة بين الدول الأعضاء وعلى ضرورة التوازن ما بين مفهوم الاستقلال والسيادة القطرية وبين صيغة العمل الموحد المشترك في القضايا الاستراتيجية. كما أكد على تلازم البعدين الخليجي والعربي على قاعدة المصالح والانتماء المشترك. هذا الطرح الواضح والصريح والمهم من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز يحمل في طياته دعوة مباشرة للجميع (الحكومات والشعوب والنخب) إلى ضرورة ترجمته على أرض الواقع، مما يعني تجاوز الصيغ التقليدية والممارسات العتيقة التي لم تعد تتواءم مع إيقاع الزمن والحياة ومتطلبات العصر وتحدياته، وقبل كل شيء مع تطلعات وآمال شعوب المنطقة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة