في مسرحية الكاتب الشهير (يوجين يونسكو) المعنونة (الجثة) يعرض الكاتب حال أناس يقيمون في شقة مع جثة ويتحدثون عنها طيلة الوقت بضمير الغائب، ولا يفعلون شيئا للتخلص منها، أو إخراجها من البيت، وفي تحولات المسرحية، نجد الجثة تتضخم إلى أن تملأ جزءا من المنزل ثم تخرج أطرافها للشارع لتسد الطريق ويراها كل الناس. الفساد يوصف بأنه «وحل رأس المال غير المنضبط»؛ إما لعدم وجود قوانين تحكمه، أو أن القوانين معطلة بالفساد نفسه، وهنا نرى مثال الحالة العربية عند تحول المجتمع إلى نظام «السوق مفتوحة» وهي المرحلة العربية التي نخر فيها الفساد المجتمع حتى سقطت أعمدته؛ لأن فساد الدولة ومعاونيها هو فساد القوة، والبلطجة الذي لا يستطيع أحد الكلام عنه علنا، أو مواجهته، فقد ربى الفساد أعوانه الذين لم يخجلوا من الدفاع عنه حتى بعد سقوطه؛ لأن الفساد الذي كبر وأغلق الشارع، كما في مسرحية يوجين يونسكو، أخيرا أوقف الفساد الحياة، فصار الناس يضحون بحياتهم لمقاومته؛ لأنه لم تعد هناك حياة تستحق العيش من أجلها. القضية هنا هي أن أي فساد خفي نتحدث عنه، ولا نتخذ شيئا حياله لا بد أن يكبر في زمن الصمت عليه، فإذا كبر صار فضيحة لا يمكن تجاهلها، والاستدعاء الذي تذهب له المسرحية هو أهمية الخلاص من جسد الفساد الذي يتضخم في الخفاء، فمهما كان الفساد خافيا ومستورا فلا بد من أن يظهر يوما من الأيام أكبر مما هو، وبشكل يصعب علاجه، فالجثة لا تتعفن لكنها تكبر في الظلام. هيئة النزاهة ومحاربة الفساد لن تقصر في عملها لو أعطيت صلاحيات أكثر في الضبط، والتحقيق؛ لكن موعظة المسرحية ستكون أهم للفاسدين الذين يصور لهم الطمع أنهم ينفذون بفسادهم مهما كان صغيرا، فلا بد أن يتضخم بفعل الفاسد، أو بتتبع من غيره إلى أن يكون الفساد ظاهرا لعيان الناس كفضيحة لا يمكن سترها، وهذا ما رأيناه في القضايا المطروحة للرأي العام بعد انثيال كثير من أورام الفساد. بالكلام الصريح أقول: هذا هو الفساد يستلزم أن نكون يدا واحدة في وجه الفاسدين إلى أن يلقوا عقابهم الرادع لهم، ولمن تسول له نفسه شيئا من الفساد؛ لأن الفاسدين معول هدم لأمننا واستقرارنا، وثمن محاربة الفساد مكلف معنويا وماديا، لكنه الحل لبتر كل عضو مريض من جهاز الدولة أو القطاع الخاص، فالتضحية بالفاسدين خير من أن نعيش حال ما نراه عند غيرنا من اضطراب، وفقد للأمن وانهيار للاقتصاد.