لعل الغريب في الجدل الدائر بين غرفة تجارة وصناعة الرياض من جهة، وهيئة الاستثمار من جهة، بشأن الدراسة التي تكشف أن 68 في المائة من المستثمرين في السعودية يلجأون للفساد لتسهيل أعمالهم، أن هيئة مكافحة الفساد تتفرج على تقاذف الاتهامات بين الطرفين وكأن الأمر لا يعنيها، ولا كأنها المعني أساساً بالدراسة قبل غرفة الرياض وهيئة الاستثمار، فالفرص تأتي على طبق من الألماس طارقة باب هيئة مكافحة الفساد، لكنها ترفضها! نعلم جيداً أن ''مكافحة الفساد'' ليست من صلاحياتها التحقيق في مثل هذه الدراسة، لكنها أيضا تستطيع أن تتخذ موقفاً أكثر فاعلية من البقاء على مقاعد المتفرجين. على الأقل تستطيع الحصول على الدراسة الأصلية، والتركيز على مفاصل الفساد الذي كشفه المستثمرون، وهو لا شك أنه يحدث بأرقام مليونية خيالية، يتم نهبها من جيب الوطن.. فهل من مجيب؟ وبعيداً عن الغضب الذي أبدته هيئة الاستثمار على الدراسة، وأنها لا تمثل إلا أقل من 1 في المائة من المستثمرين في السعودية، وهذا في الحقيقة أمر غير واقعي، باعتبار أن أغلبية الدراسات العلمية تكون نسبتها في الرقم السابق نفسه، فإن محاربة الفساد لن تتم إلا باعتراف المجتمع بالمشكلة الخطيرة التي تواجهنا جميعا، بدلا من جعلها عائمة وكل يرمي بالتهمة على الآخر، فإذا كان ملك البلاد قد اعترف بها وشكّل لها هيئة متخصّصة، وجعل ارتباطها مباشرةً بأعلى سلطة سياسية في البلاد، فلماذا يخرج علينا مَن يرمي الجمرة على غيره، والآخر يفعل الفعل نفسه، وهكذا حتى بدأت تحرقنا جميعاً هذه الجمرة، بل قل جمرات ملأت إدارات ووزارات عدة. على هيئة مكافحة الفساد ألا تغضب من المطالب الشعبية الكبرى التي ربما تحمّلها ما لا طاقة لها به، عليها أن تعي أن هؤلاء المواطنين ملوا وسئموا انتظار جهة حكومية أعطاها الملك صلاحيات واسعة، لأن تكون مسؤولة أمامهم عن هذا الغول الذي لم يجد مَن يقف أمامه، فرجاء لا تكتفي الهيئة بإعلانات كئيبة تشبه إعلانات التعازي، بل ينتظر منها أفعال تعكس مدى تطلعات السعوديين لفعالية ما تقوم به. وها هو الشاب ثامر المحيميد يأخذ زمام المبادرة، ويؤسس لموقع إلكتروني غاية في الروعة، تحت اسم ''بورصة الوعود السعودية''، يرصد فيه وعود المسؤولين السعوديين في وسائل الإعلام ويتابع مواعيد إنجازها (www.3addad.com)، وربما كان لمثل هذا الموقع البسيط، فائدة وجدوى حقيقية، أكثر بكثير من إعلانات صممت على طريقة أسبوع الشجرة وأسبوع المرور! كما أشرنا سابقا، أولى خطوات العلاج هي الاعتراف بأن الفساد غول يتنفس على فاسدين كثر، يعيشون بيننا، ويأتون إلينا من الخارج، ويقتاتون من خيرات هذا الوطن. تركوا طويلاً حتى ظنوا أنهم سيهنأون بفسادهم هذا إلى أبد الآبدين، لكن آن الأوان أن يقر الجميع، فعلاً لا قولاً، بأن هذا الزمن انتهى دون رجعة، وأن عقارب ساعة الفساد يجب أن تتوقف عاجلاً لا آجلاً .. فمتى تقر أعيننا بالتشهير بأول الفاسدين يا هيئة مكافحة الفساد؟ نقلا عن الاقتصادية