كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات والكتابات حول الفساد والمفسدين وضرورة اجتثاث هذه الجرثومة التي تتسلل وتتوالد لتفسد المنجزات الوطنية بأيدي أناس من أبناء الوطن. واني لأتساءل كيف نقضي على هذه الجرثومة التي تمثل البكتيريا التي تتسع دوائرها وتتشعّب مساراتها بحيث لا يستطيع أي انسان أن يمسك بطرف واحد من أطرافها حتى يفلت الآخر.. ومما لا شك فيه أن الفساد موجود في بني البشر منذ أن رفض ابليس السجود لأبينا آدم «عليه السلام» وتسلل حتى وصل إليه في الجنة وأغراه حتى أخرجه منها بإرادة الله «سبحانه وتعالى». وعندما اختار الله محمداً «صلى الله عليه وسلم» لحمل رسالة التوحيد ونزل عليه الكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نزل بين آياته قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) إذاً الفساد لم ينزل من السماء ولم يخرج من باطن الأرض وإنما هو نتائج الأعمال الدنيوية المتزاحمة على الثروة والجاه وإرضاء الشهوات بأية وسيلة من الوسائل الدنيئة مثل تصنيع الخمور وتهريب وترويج المخدرات والسطو المسلح وسرقة أموال اليتامى والرشوة والتزوير واستغلال النفوذ الإداري والمالي والغش في الموازين والاختلاس من الأموال العامة المرصودة لخدمة المواطنين في أي حقل من حقول الخدمة التعليمية والصحية والاقتصادية والعمرانية والإنسانية وحتى دور العبادة والتعليم والعلاج طالها الشيء الكثير من ذلك الفساد العفن الذي تسبب في إزهاق الكثير من أرواح الأبرياء.. كل ذلك أو غالبه يحصل بسبب تسلط بعض من تربّعوا على سدة المسؤولية.. ولقد حاولت حكومتنا الرشيدة التخفيف من الآثار المترتبة على بعض الممارسات ففتحت حساباً (خيرياً) لمن أراد ان يتطهّر من الأموال الحرام التي اقترفها بدون وجه حق ويودع ما يستطيع في ذلك الحساب (الخيري) بستر ودون تشهير إلا أن النفس المجبولة على الشُّحّ لم تعط الفرصة لتلك البادرة لرد ما أخذ من الأموال العامة دون وجه حق؛ لأن ما أودع في ذلك الحساب في العام لا يساوي ما اختلسه فرد من الأفراد المتنفذين مرة واحدة. لقد حاولت حكومتنا الرشيدة التخفيف من الآثار المترتبة على بعض الممارسات، ففتحت حساباً (خيرياً) لمن أراد ان يتطهّر من الأموال الحرام التي اقترفها بدون وجه حق، ويودع ما يستطيع في ذلك الحساب (الخيري) بستر ودون تشهير، إلا أن النفس المجبولة على الشحّ لم تعطِ الفرصة لتلك البادرة لردّ ما أخذ من الأموال العامة دون وجه حق؛ لأن ما أودع في ذلك الحساب في العام لا يساوي ما اختلسه فرد من الأفراد المتنفذين مرة واحدة. ثم خطا خادم الحرمين الشريفين «أعزه الله» خطوة جبارة لاجتثاث وتدمير بعض بؤر الفساد في الإدارة والحكومة فأنشأ هيئة خاصة لمكافحة تلك الظواهر وملاحقة المتورّطين فيها وتقديمهم للمحاكمة. ومعلوم أن هؤلاء الفاسدين والمفسدين، ومن يقف وراءهم من نتاج هذه الأرض التي فتحت رحمها ليخرج منها الصالحون والفاسدون.. والأخيار والأشرار.. والطيبون. والخبيثون.. والأتقياء والأشقياء، فهم من نسيج هذا المجتمع الذي نعيش فيه ومن رحم هذا الكوكب الذي نحن على أديمه نتنسم هواءه ونشرب من نمير مائه ونأكل من ثمار أشجاره ولو راجع كل واحد منا نفسه واستعرض ما قام به من أفعال منذ أن أدركه الوعي لوجد أن في صحيفته شيئاً من الفساد قليله أو كثيره إلا من رحم ربي، ولذلك علينا جميعاً أن نقي أنفسنا من شوائب الفساد وعقولنا من مظنات السوء والابتعاد عن الشبه المسيئة لنا ولمن حولنا.. فلو تحقق ذلك لا نحسر الفساد وانكشفت عوراته ولأصبح كل انسان يخاف أن تنكشف عورات أفعاله فلا يقرب الخبيث والمسيء والمهين منها، ولاستقام على الطريقة المُثلى التي رسمها لنا خالقنا العزيز الرحيم في كتابه العزيز{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } صدق الله العظيم. والفساد من الفعل الثلاثي فسد ومعناه أن الشيء حين يفسد تتغيّر طبيعته لوناً ورائحة وطعماً. والفاسد من الفاكهة هو الذي يسقط على الأرض ويتلوث بما علق بها من أدران.. والفاسد من الأحياء فاسد لنفسه مُفسد لغيره كالسمكة واللحم الذي أصابه العفن.. وهكذا كل فاسد بذاته يمكن أن ينقل العدوى لمن حوله ويكون المفسد هو الجرثومة الناقلة للعدوى.