الحديث المتواتر والمتصاعد عن الفساد في السعودية يعالج الأعراض ولا يعالج الأمراض، وإنشاء أجهزة لمكافحة الفساد والرقابة ليس حلاً يردع الفاسد من أن يستمر في فساده.. أغلب الفساد يتمّ بأعلى درجات السرّية، وإذا تم رصد قضية فساد واحدة فمئات القضايا لا يدري عنها أحد.. يدخل الفاسد إلى مكانه آمنا، ويخرج غانماً دون أن يتغيّر شيء، ويزاح فاسد ليؤتى بمبتدئ آخر، تعلمه الوظيفة شيئاً فشيئاً دروب الفساد التي لا يدري عنها أحد. إذا أردنا أن نغيّر من واقع الفساد فإننا لا ينبغي أن نطارد المفسدين، لأن هذا سيصبح شأنا ثانوياً يأتي تبعاً للحل الأهم، وهو غرس الأمانة. إن أي شخص في أي قطاع، حكوميا كان أو خاصاً, مؤتمن، وينبغي أن نضع منهجية لشرح جوانب الأمانة في كل وظيفة؛ فكلامه الصادق مع الآخرين أمانة، ووقت عمله أمانة، وصلاحياته أمانة، وموظفوه أمانة، وسمعة المكان الذي ينتمي إليه أمانة، وحقوق الناس أمانة، والمال الذي يتقاضاه آخر كل شهر نتيجة قيامه برعاية الأمانة.. أما إذا كان يخون نفسه أولاً ووطنه والناس ثانياً بتضييعه الأمانة الملقاة على عاتقه، فإنه ينبغي أن يشعر بكل الوسائل الممكنة أن أجره الذي يتقاضاه أجر محرّم وغير أخلاقي. إن مخاطبة الضمير دائماً ووكزه بالتذكير المتكرر؛ أفضل من مطاردة منعدمي الضمير، علينا أن نوقظهم ونوقظ من حولهم, وهذا يكفي لمحو الفساد من خارطة الوطن.