دفاعُ الأستاذ تركي السديري رئيس هيئة الصحافيين السعوديين ضد حالات التحقيق والتغريم من قبل اللجان المتخصصة في وزارة الثقافة والإعلام مبرَّر جدا، ويجب أن تقف الهيئة مع الصحافيين والكتاب عندما يتعرضون لما يحد من هذه الحرية الجميلة التي يتمتع بها إعلامنا. وأذكر مرة كيف كانت حالنا كصحافيين قبل عقدين من الزمان تقريبا؛ حيث تجمّعنا لتغطية حفل افتتاح مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج بالرياض بحضور قيادات دول الخليج التي كانت تعقد قمتها في الرياض آنذاك. تم عزلنا في حجرة مغلقة ضمت صحافيين سعوديين وعربا وأجانب، وعندما رفضنا ذلك التصرف واقصاءنا عن تغطية الحدث بدأ مسؤولو وزارة الإعلام يخرجون الصحافيين الأجانب واحدا واحدا وتركوا الصحافيين السعوديين حتى الوقت الضائع تقريبا ثم أخرجونا لنستمتع بالمشاهدة وليس التغطية. لو كانت هناك هيئة صحافيين مثلما هي الحال الآن لما حدث ما حدث. فنحن بحمد الله نتمتع بقدر كبير من المرونة في نقد من نشاء، وقول ما نشاء في إطار محددات مبدئية ومن حق وزارة الثقافة والإعلام أن تمارس دورها في تلقي الشكاوى ضد الإعلاميين والتحقق منها. أزعم أن رئيس هيئة الصحافيين السعوديين يتفق مع الطرح القائل بأن هناك من الصحافيين من يسابق للحصول على الخبر دون التأكد من صحته؛ فسرقة عقب الدجاجة والحكم المزعوم على السارق أثار بلبلة وولّد ردود أفعال غير منصفة، ومثله تماما خبر عن سعودي ترك زوجته في دورة المياه في دولة آسيوية وقفل عائداً... مثالان لتشويه المؤسسة والمواطن السعوديين. لايعني هذا تضييق حرية النشر ولكن من المهم أن يعاد تأهيل الصحافي بحيث يتعلم التدقيق في مصدر الخبر وقراءة تبعاته وتداعياته على سمعة الأفراد والمجتمع والدولة خصوصا إذا كان خبرا كاذبا. الخبر الصحيح نحتفي به جميعا ولو كان مؤلما، بيد أن تكريس نمط من الأخبار والتعليقات السلبية عن المواطن وأجهزة ومؤسسات الحكومة يشكل الذاكرة الجماعية عن المملكة ومواطنيها بما يفرز تأطيرا ظالما وينتج سلوكيات لاتنسجم مطلقا وما نريد لبلادنا أن تكون عليه. مرة كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في باكستان عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م ووصل إلى صحيفة واشنطن بوست سبق صحفي مهم، وعندما علم البيت الأبيض خشي من نشره قبل عودة كولن باول، فاتصلوا بالصحيفة وعملوا على تأخير نشر الخبر حماية للأمن الوطني. والأستذا تركي السديري نفسه كرئيس تحرير لم يحول صحيفة الرياض مطبوعة صفراء لنشر أخبار هدفها تشويه أجهزة حكومية محددة لأنه على يقين أن ذلك سوف يستخدم في المجمل ضد المملكة في الخارج، بل عمل على أن تكون صحيفة الرياض ملتزمة بقواعد العمل المهني ومنسجمة مع مصالح بلادنا العليا. الإضرار بالمصلحة الوطنية لايحدث فقط بسبب نشر أخبار ذات صبغة عسكرية أو استخباراتية تمس الأمن الوطني ، ولكن الترويج لأخبار وآراء مثيرة لا تعتمد على درجة من المصداقية ، وتوفر معلومات مشوهة يبني عليها الإعلام المعادي روايات تستعدي الرأي العام العالمي ضد المملكة هو أيضا مساس بالأمن الوطني. كما أن النيل من سمعة الأشخاص أو ولائهم، أو التشكيك في نزاهتهم بدون أدلة واستحضار لوجهات النظر المختلفة يضع الصحافة في قفص الاتهام ويخرجها من مركز التأثير المحايد إلى هامش التحيز فتفقد بذلك مكانتها كسلطة رابعة. صحافتنا وصحافيونا موضع الثقة والتقدير ولكن من المهم العمل على رفع مستوى المعرفة والتدريب والوعي المهني لديهم. ليست الصحافة عناوين مختلقة أو مجتزئة مثيرة، وإنما هي معلومات حقيقية وذات مصداقية؛ وعندها تكون صناعتها لمانشيتات بالبنط العريض متسقة مع متطلبات الحرفية الصحافية المهنية. الأخبار والآراء الكيدية التي تخدم مصالح شخصية على حساب الوطن أو على حساب أبرياء لامكان لها في الصحافة الرزينة، ويجب أن يكون هناك رادع قانوني للقائمين عليها، وهيئة الصحافيين السعوديين هي الأمل في رفع مستوى المهنية وتعزيز أخلاقيات النشر الصحفي..