راكان حبيب هل الدعوة إلى إصلاح النفس وهدايتها تسبب الاختلاف أم يُفترض أنها تنشر الطمأنينة والوفاق؟ من الطبيعي أن أي عمل وعظي لابد أن يحقق جمع المشاعر وترقيق القلوب إلا أن الواقع في مجتمعنا يشير إلى عكس ذلك. فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً وأبواب الخلاف ما زالت تتوسع في كل يوم. يرجع السبب في ذلك إلى الخلط بين وظيفة (الوعظ والنصح) وبين وظيفة التجييش Mobilization. ترك هذا الخطاب الوعظي أكثر من علامة استفهام وتعجب حول السبب الذي جعل الدعاة يتركون أهم قضايا الأمة ويركزون على مسائل في فروع الفروع. ففي الوقت الذي تواجه فيه الأمة تحديات ومخاطر خارجية تمس كياناتها وهويتها، ركز الوعظ خاصة في السنوات الأخيرة على إثارة الشكوك والتنافر بين الناس على مسائل شكلية تتميز أساساً بتعدد وتنوع آراء الفقهاء فيها. وكان ذلك على حساب إهمال ثلاث قضايا مهمة: أولاها بناء القيم والفضيلة في قلوب الناس وجمعهم على مشاعر مشتركة، والثانية معالجة الفساد والفقر والغلاء، والثالثة التصدي لحملة تفكيك أوصال عالمنا العربي وتقسيمه التي بدأت في العراق ولن تتوقف عند حدود السودان. لا أحد يعترض على وجود الدعاة في أي مجتمع.. ولا أحد ينكر أهمية وظيفتهم. فكل المجتمعات بمختلف عقائدها ودياناتها لديها دعاة، فتوفر لهم حق ممارسة النصائح الدينية والاجتماعية. وفي نفس الوقت توفر لهم حرية التخاطب مع الجماهير، إذ تعتبرهم صوتاً (واحداً) ضمن أصوات عديدة ومتنوعة في الحراك الاجتماعي. وبالتالي من المفترض أن يؤدي صوت الدعاة إلى الحفاظ على التعددية.. ولا يؤدي إلى فرض رأي واحد ومحاربة بقية الآراء. ترى ما هو الأصلح للأمة.. هل تعد نتائج أي فتنة بسبب التكفير في المسائل الخلافية مكسباً، أم الأصلح أن نجفف كل أسباب التنافر والكراهية للقضاء على الفتن التي تعيق الوحدة الوطنية في العالم العربي؟ إن طريق الهداية ونشر الفضيلة لا يرتبط بمذهب محدد لأنها أداة لجمع القلوب وتنقية النفوس. ولكن عندما يصبح الوعاظ هم أصحاب الصوت الواحد وكلامهم هو الحقيقة ورأيهم فتوى ملزمة، فإن ذلك مدعاة لتوليد بيئة قابلة للتنافر بين أبناء البلد في أي مجتمع. وعندئذ لن نحتاج إلى الحذر من نجاح إسرائيل في زرع بؤر الفتن الداخلية في العالم العربي حسب ما جاء في تصريح مسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية!.