ما الدول التي أعلنت استعدادها اعتقال نتنياهو؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    إطلالة على الزمن القديم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    أرصدة مشبوهة !    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع الدعاة في المجتمع.. «الساحة مخترقة»! (1-2)
هم ليسوا فوق النقد أو معصومين من الخطأ وعلينا تصويب ممارساتهم بالوعي و«فقه الواقع»
نشر في الرياض يوم 26 - 01 - 2011

يحظى "الداعية" بمكانة التوجيه والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مهمة كبيرة سبقنا إليها الأنبياء والصالحون، وشرف عظيم؛ لمن تتوافر فيه الشروط التنظيمية والكفاية الشرعية، والقدرة على فهم متغيرات العصر، وتطوير أدوات الخطاب وأساليبه، والوعي بحدود الزمان والمكان، وإمكانات العلم الشرعي دون إصدار الفتاوى وإطلاق الأحكام.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الشؤون الإسلامية في تطوير أداء الدعاة، وتقديم البرامج المتخصصة، والدورات المتقدمة، وحثهم على مراعاة أحوال المدعوين، واللين والرفق معهم، والتصريح للدعاة المحسوبين عليها، إلاّ أن الساحة الدعوية من الجنسين -الرجالي والنسائي- لا تزال "مخترقة" من دعاة غير رسميين، وأطلقوا على أنفسهم مسمى الداعية أو "الشيخ الفلاني.."، دون أن يكون هناك ضبط لدورهم، وتوجهاتهم، بل إن بعضهم ركب الموجة، واتخذ كلمة "داعية" في منظوره مطيةً وطريقاً سريعاً للشهرة "والترزز" و"التكسب"، وأصبحت موضة "وستايل" جديداً بين بعض الشباب المتدين، تسبق اسمه ليكسب أكبر عدد من "المريدين" و"الاتباع"، بعد أن فشل في الحصول والارتقاء إلى درجة علمية عالية تؤهلة للدعوة والافتاء على بصيرة وبينة، بل أصبح "جُلّ" اهتمامهم أن يقال قام الداعية فلان بن فلان بجولة "احتسابية" جديدة برفقة المجموعة، وشارك الداعية في برنامج تلفزيزني فضائي جديد "مذكرات مفحط سابق"، ..وهكذا يستمر المسلسل في عرض حلقاته إلى أن تتبين الأمور وتنجلي الحقائق للناس.
في هذا التحقيق لا نريد أن نقلل من جهود وزارة الشؤون الإسلامية، ولكن نريد أن نلفت الانتباه إلى "فئة ممن يطلقون على أنفسهم دعاة"، وهم غير رسميين، مثل بعض الممارسات التي بدأت تعتلي المنابر "دون تنسيق"، أو تغزو المدارس دون "تمحيص"، أو حتى تمارس حضوراً غير مستساغ في المجتمع، من خلال تجاوز الأنظمة للاحتجاج على قرار أو توجه ما، أو لفت الانتباه لكسب مزيد من "الغوئيين" لصفوفهم؛ لذا نحن أمام مسؤوليات تصويب مثل هذا النوع من الممارسات بالوعي أولاً، وأن تتحمل وزارة الشؤون الإسلامية دورها في هذا الجانب.. وهي قادرة.
معنى داعية
في البداية يذكر الكاتب "محمد بن علي المحمود" أن لقب داعية قديم، ورافق رحلات التبشير بالدين الإسلامي، خاصة بعد تكون الفرق الإسلامية، التي احتاجت لكوادر تمارس التنقل بين البلدان لنشر مبادئ الفرقة أو الطائفة أو المذهب، وهو مستمد من أصل شرعي، حيث وصف القرآن الرسول بقوله {وداعياً إلى الله بإذنه، وفي الحديث: (من دعا إلى خير ...إلخ)، لهذا قامت الفرق بتوظيفه لتعطي رسالة للمتلقي بأن القادم إليه يمارس وظيفة الرسول ذاتها (الهداية).
ناقل ومجتهد
وأضاف: "أطلق اللقب ليمنح صاحبه الشرعية، الداعية يفترض فيه أنه لا يأتي بشيء من عنده، وإنما هو ناقل للهداية ومجتهد في توصيلها وإقناع الناس بها، ولا شك أن المتلقي عندما يقتنع بهذه الصفات سيتبع الداعية حتى فيما يتجاوز حدود الإرشاد الديني إلى التبعية السياسية فانقلاب العباسيين على الأمويين بدأ بإرسال الدعاة لمدة ثلاثين عاماً لربط الناس بهم عن طريق الدين، وأيضاً الدولة الفاطمية بدأت ببث الدعاة، وأصبح رئيس الدعاة يتزيى بلقب باذخ هو "داعي الدعاة".
ومضى "المحمود" قائلاً: "من هنا يتضح أنّه ليس هناك تعريف خاص به، ولا شروط لتقلد هذه الوظيفة، ومن الملاحظ منذ القدم أنّ الدعاة ليسوا من العلماء ولا من أنصاف العلماء، ولكن يتميزون بأنّ لديهم حماسة لنشر بعض الأفكار التي تعلق بأذهانهم من طول اختلاطهم بالعلماء؛ لذا فالداعية في القديم أشبه بالوسيلة الإعلامية الجماهيرية التي كلما كانت بسيطة وسطحية في طرحها كلما اكتسبت عدداً أكبر من الجماهير، ومن هنا تركيزه على الوجدانيات، وهنا نرى أنّ الداعية يتمتع بجمهور عريض جداً عكس حال العلماء الحقيقيين الذين لا يجدون إلا النخبة لتسمعهم".
المحمود: الجماهير لا تفرق بين العالِِم والداعية ويتأثرون ب«صوت العاطفة»
التمييز بين الداعية والشيخ والفقيه
أما الكاتب "منصور النقيدان" فأشار إلى عدم معرفته متى حصل تحديداً التمييز بين الداعية وبين الشيخ والفقيه، وقال: "يبدو لي أنّ عالم الدين (الشيخ) كان هو القاضي والفقيه وإمام الجمعة والداعية في الوقت نفسه والواعظ أحياناً، وحينما ننظر إلى الداعية فهو وصف يتداخل مع وصف الواعظ والمحتسب الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، غير أنّ الداعية اقتصر على من يتولى دعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، ودعوة المسلمين المقصرين والغافلين والمسرفين على أنفسهم إلى تمسك أكثر بالإسلام مقروناً بالوعظ وهو قائم على التخويف والترغيب، وهنا نعرف أنّ مصعب بن عمير كان داعية وبعض الصحابة الذين وفدوا إلى الرسول في مكة والمدينة كانوا يعودون إلى أقوامهم دعاة ومبشرين ومنهم من أصبح فقيه قومه وإمامهم".
وأضاف أنّ هناك صحابيات كان لهن نصيب من هذا الوصف ممن أسلمن ورجعن إلى أقوامهن يدعين إلى الله أو قمن بوظيفة الدعوة بين نسائهن، وفي العموم فالإسلام جعل من الدعوة صفة لازمة للمسلم في كل أحواله (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن)، وقوله صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية)، وهو عموم يشمل الذكور والإناث، أما وصف الداعية فقد عرف في التاريخ الإسلامي مع دعوة العباسيين ثم مع الفاطميين، ولكن داعي الدعاة كان يقوم بمهمة سياسية سرية وهي حشد الأتباع للإمام الذي قرب وقت ظهوره وقيادته للأمة.
محمد المحمود
المطوَّع والداعية
أما في المجتمع السعودي فذكر "النقيدان" أنّ ظهور الدعاة ظهر مع دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب كما توضحه الرسائل والمكاتبات التي تعود إلى تلك الفترة وقيام الدولة السعودية في منتصف القرن الثامن عشر، وهي وظيفة كان يقوم بها عالم الدين الفقيه و(المطوَّع) الذي أتقن قراءة القرآن وتعلم الأساسيات التي تساعده على الإجابة عن مسائل الصلاة والطهارة وماشابهها، ولكنهم لم يكونوا يوصفون بالدعاة تميزاً لهم عن غيرهم من المتدينين الذين يتوزعون مهام عالم الدين من الإمامة والإفتاء والقضاء والاحتساب والوعظ، ولكن غالباً ماكان الوعاظ على ندرتهم يشابهون كثيراً من نسميهم الدعاة اليوم، وهم فئة أعلى من المتدين العادي، وأدنى من طالب العلم المتفرغ لعلم الشريعة، ولكن الداعية طفا على السطح بشكل واضح مع الصحوة الدينية في العقود الثلاثة الأخيرة أو تزيد قليلاً.
صحوة الثمانينات
وترى الكاتبة والباحثة "أمل زاهد" أن لقب الرجل الداعية لقب حديث وإطلاقه على الوعاظ هي أحد إفرازات الصحوة، والقناعة التي تزامنت معها بأن المجتمع يعيش جاهلية حديثة تجاهد الصحوة لقشع ظلامها، ومن هنا تم إدخال الممارسات الاجتماعية التلقائية والعفوية لزمن ما قبل الصحوة تحت خانة المحظورات والمحرمات؛ التي تستدعي دعوة المجتمع الجاهلي لينزع عنه ثوب الممارسات الجاهلية – كما رأتها الصحوة – ويعود إلى رداء الإسلام بمساعدة الوعاظ أو كما يطلق عليهم الدعاة، مشيرةً إلى أنها تتحفظ كثيراً على إطلاق هذه التسميات القشيبة والمفخمة على وعاظ وواعظات يتوجهون بخطابهم لمجتمع مسلم عن بكرة أبيه، فضلاً على ما تخلعه هذه المسميات من أردية القداسة وصولجانات العلم الشمولي والمعرفة على كل من يستخدم خطاباً وعظياً يعتمد آليتي الترهيب والترغيب بغض النظر عن خلفيته أو خلفيتها الثقافية.
النقيدان: تشكل «ثقافة المجتمع» ومستوى وعيه ولغة خطابه..وهنا المشكلة
ممارسات المجتمع
وأضافت: ولوعدنا للتاريخ لرأينا أنه عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاذ بن جبل لأهل اليمن ليعلمهم شؤون دينهم لم يطلق عليه لقب داعية؛ رغم أنّ أهل اليمن كانوا حديثي عهد بالإسلام وأرسل إليهم معاذ بن جبل ليعلمهم ويفقههم في الدين، والخطير في حمولات هذا اللقب المثقلة بالدلالات والتي يتسلل في طياتها معنى مضمر يوحي بأن ممارسات المجتمع بعيدة عن الدين وتحتاج إلى إعادتها لجادة الصواب، وبالتالي فالداعية يأخذ بيد المجتمع ويرده إلى الإسلام الصحيح؛ مما يفترض أن كل من يخرج عن الخط الوعظي يصنف في خانة المارقين أو الخارجين عن تعاليم الدين، فهذه المسميات تحمل اتهاماً مبطناً للمجتمع بأنه بعيد عن الدين مما يقتضي دعوته من جديد للانضواء تحت مظلة الدين؛ ومن هنا ينشأ التشدد الذي يقود بالضرورة للتطرف والجرأة في إطلاق الأحكام على عباد الله، والذي قد يصل إلى محاولة تغيير المنكر باليد وصولاً إلى ممارسة الترهيب، ناهيك عن ثوب القداسة وقبب الحصانة التي يفرضها هذا اللقب على من يُخلع عليه، مما يجعل خطابه وفهمه الخاص بالدين؛ والمنطلق من رؤية بشرية - يعتريها القصور والخطأ - فوق المساءلة والنقد وغربلة الأفكار وتمحيصها.
المطاوعة
أما "النقيدان" فيرى أنّ هذه الشريحة هم جزء من المجتمع وعامل أساسي في تشكيل ثقافته وإنتاج اللغة والأوصاف والمفاهيم، والمجتمع وإن كان القصد من كلمة المجتمع عامة الناس فهم إلى عهد قريب كانوا ينظرون إلى جميع فئات المتدينين السابق ذكرها على أنهم (مطاوعة) سيان عندهم الواعظ أو الداعية أو إمام المسجد أو المفتي والقاضي الفقيه، ولكن الفقهاء كانوا يتبوؤون المكانة الأسمى بين هذا الطيف لمكانتهم وسلطتهم التنفيذية وتوليهم القضاء، وهذا الصنف من المطاوعة "الوعاظ" ليس وليد العصر الحديث فالحنابلة في المائة الرابعة الهجرية وبعدها كان فيهم أسماء مشهورة من المطاوعة مثل البربهاري، وكان له سطوة هائلة عليهم، ولكنهم لم يكونوا يوصفون بالدعاة.
منصور النقيدان
تسمية تفخيمية
وتشير "أمل زاهد" إلى أن المجتمع تعارف على تسمية هذه الشريحة بالدعاة، وقالت: "لا أستطيع أن أجزم أنهم أنفسهم لهم دور في هذه التسمية التفخيمية التضخيمية المحاطة بهالات القداسة وقبب التعظيم، والتي كثيراً ما تجعل رجل الشارع البسيط يمرر قراءاتهم ورؤيتهم على أنها حقيقة مطلقة لا يخالجها شك، قد لا يكونون هم أنفسهم من يطلق هذه المسميات ولكنهم بالتأكيد يغضون الطرف ويصمتون عن هذه التسمية ولا ينكرونها رغم أن بعضهم يأتي من خلفية ثقافية أو شرعية هشة المكون ومتهالكة البنيان تعتمد الكاسيتات والكتب الصفراء".
وعن مدى حصر لقب داعية في النشاط الديني أكد "المحمود" على أنّ لقب الداعية في الغالب محصور في النشاط الديني من حيث هو لقب بهذه الصيغة، لكن الوظيفة ذاتها موجودة في كثير من صور التبشير بالإيديولوجيات، كما أكد ذلك "النقيدان" قائلاً: "حسب مايبدو أنه كذلك، لأنه صفة لمن يدعو إلى الدين، إلى اعتناق دين الإسلام أو إلى دين الأتقياء".
الوجدانيات
وعن مدى وعي المجتمع بإطلاق مثل تلك الألقاب وتبعاته فيقول "المحمود": "الأمور تسير وفق ما تمليه الحالة الدينية للجماهير، وتمنح كل من يخاطبها بلغة دينية وجدانية صفة (داعية)، والمشكلة أن الجماهير لا تفرق بين العالم وبين الداعية، فكل داعية في نظرها عالم، حتى الذي يلقى قصص التائبين ويعرض ما أصاب العصاة من النقمة، يصبح داعية؛ لمجرد أنه يلقيها بصوت متهدج متحشرج يهز به وجدان المتلقي الساذج، فيرى أن هذا الحكواتي من أكبر الدعاة".
أما "النقيدان" فيرى أن ظهور الألقاب والأوصاف مرتبط غالباً بمدى تعقيد ثقافة كل مجتمع والتنوع داخله، وقال: "هناك ألقاب تطلق بصفة إجرائية أي للتعريف والتمييز عن شريحة أو فئة أخرى، وهناك صفات وألقاب يكون لها حمولاتها الثقافية والاجتماعية التي ولدت نتيجة التطورات والتحولات، وتشكل مروره بأطوار اجتماعية حتى أخذ شكله النهائي، ولو استعرضنا الآن كثيراً من الصفات والألقاب والمسميات لرأينا أنها تكثر وتزدهر مع ازدهار كل مجتمع وتعقده، لنذهب إلى القرى والأرياف ونقارن بينهم وبين أبناء المدينة سنرى فرقاً كبيراً، (القاموس عند أبناء القرية أقل بكثير عن قاموس أبناء المدينة) هكذا كان الحال في الماضي عندنا".
أمل زاهد: يقدمون للعامة «كبسولة النجاة» ليسيروا خلفهم ك«القطيع»!
غطاء ديني
ومضى "النقيدان" قائلاً: "حتى سبعينيات القرن الماضي الميلادي لم يكن وصف(الداعية) شائعاً والسبب أن الشيخ -الفقيه كان هو من يقوم بكل الوظائف، ومع قيام الدولة السعودية الثالثة أرسل الملك عبدالعزيز عشرات من طلبة العلم دعاة وأئمة ومنهم من تولى القضاء، لكنهم لم يكونوا يلقبون بالدعاة إلا في سياق المدح وسرد المزايا، فالداعية ظهر في العقود الأربعة الماضية بعد ظهور فئة المتدينين الذين تولوا الإرشاد، ولكنهم لم يتخصصوا بعلم الشريعة ولم يتصدروا للإفتاء وكانوا يحتاجون إلى غطاء ديني ووصف شرعي يسمح لهم بالتحرك ويمنحهم الاعتراف".
وأضاف: ولهذا صعدت أسماء في نهاية الثمانينات كانوا قانعين في البداية بوصفهم بالدعاة وكان وصفاً دونياً يجعلهم تحت سطوة الفقيه وعالم الدين، ولكنهم بعد ذلك سعوا إلى الاعتراف بهم كعلماء دين، فحاولوا زيادة معرفتهم وتعلموا سراً أساسيات الطلب، وأثناءها عقدوا دروساً يعلمون فيها الفقه ويشرحون السنة، وبدؤوا بالإجابة عن الفتاوى على استحياء، واليوم نراهم يحرصون أن يقدموا في المؤتمرات والفضائيات على أنهم علماء دين، حتى من لم يجد منهم اعترافاً بعلميته لتخصصه مثلا في الزراعة والبستنة سعى إلى قبوله عضواً في جمعية سياسية فضفاضة تسامحت مع كل من انتسب إليها ومنحته لقب عالم دين.
أمل زاهد
مجتمع متدين
وأوضحت "زاهد" أنّ مجتمعنا مجتمع متدين بطبعه وفطرته ينظر بكثير من التعظيم والتبجيل لكل من يرفع لواء الدين أو يتحدث باسم الله ورسوله، فضلاً على أن الثقافة المهيمنة عليه هي الثقافة السمعية وهؤلاء الوعاظ يقدمون له ما يريد في كبسولة صغيرة لا تكلفه عناء البحث والتدارس، لذا يميل إلى تفخيمهم ثم إطلاق هذه المسميات القشيبة عليهم، وتعليمنا الذي لا يعتمد العقلية النقدية التي تعرض الأمور للمساءلة والتمحيص؛ يسهم في تكوين متلقٍ سلبي مستعد لامتصاص كل ما يلقى على سمعه مما يكرس لثقافة القطيع الذي يطأطئ الرؤوس موافقة على كل ما يقوله الواعظ.
إنقاذ الواقع الدعوي
في حالة تسليمنا بوجود وشرعية هذا اللقب والنشاط فما هي الصفات الواجب توفرها في هذه الشريحة، أشار "المحمود" إلى أنّ أهم الصفات أن يكون لدى (الداعية) علم شرعي واسع، وعلى ثقافة عصرية متنوعة، وأن يعي مجمل الظروف التي يضع خطابه فيها، وأن يكون منحازاً إلى رؤى التسامح والاعتدال؛ لأن مجمل الخطاب السائد هو عكس ذلك، فلا بد من دعاة ينقذون الواقع الدعوي من ارتهانه إلى الرؤى التقليدية التي لم تنتج غير الإرهاب والدمار، أو الجمود والتقهقر وتعطيل مسيرة التنمية في أحسن الأحوال.
تحفظ على اللقب
أما "زاهد" فهي متحفظة على إطلاق لقب الداعية على الوعاظ الذين يتوجهون للناس بالوعظ والإرشاد في مجتمع مسلم عن بكرة أبيه لا وجود فيه لتعددية دينية، وقالت: "أرى أن يقتصر هذا اللقب على من يتوفر فيه أو فيها العلم الواسع والمعرفة الشمولية بالأديان والقدرة على المناظرة والحوار مع الآخر، والقدرة والمهارة على مخاطبة العقل الغربي وغير المسلم، ومعرفة سماته وطريقته في التفكير والآليات الناجعة في التوجه له، أما الواعظ أو الواعظة في مجتمعنا فأهم ما يجب أن يتوفر فيهما هو الواقعية في الطرح والبعد عن الطوباوية في الوعظ التي لا تستطيع التعامل مع الطبائع البشرية والقوانين الاجتماعية، ولا التحولات المفصلية في مجتمعنا وما طرأ على واقعنا السعودي من متغيرات تستدعي تغيير مفردات الخطاب، ليتواءم مع تحديات عصر العولمة وثورة الاتصالات".
لمعت أسماؤهم في «ذروة الصحوة» بوصفهم دعاة واليوم يتصدرون الفضائيات «علماء دين» و«مفتون» و«أوصياء على المجتمع»!
التجديد والتطوير
وأضافت: "نلاحظ أنّ التجديد والتطوير في الخطاب الوعظي لم يتعد الشكل إلى المضمون والجوهر، فلايزال الخطاب الوعظي يدور في ذات الدوائر القديمة التي عفا عليها الزمن ويعيد إنتاج ذاته واستنساخ مضمونه القديم بطرائق جديدة، تجديد الخطاب وإعادة توجيهه من جديد للإجابة عن أسئلة العصر يستدعي الكثير من الشجاعة والجرأة والقدرة على المواجهة للخروج عن أطر النقل والسائد والمألوف وتقديس السلف، مما يجعله يراوح مكانه يجتر مقولات فقهاء خرجوا من عباءة زمانهم وأنساقه الثقافية والاجتماعية، ومما يجعلنا ندور في جدليات تجاوزها العالم الإسلامي برمته، بل تجاوزها الزمن والتاريخ، ولا أدل على ذلك أن الخطاب الوعظي ما زال يناقش أحقية المرأة في العمل ويرى أن الأصل قرارها في البيت، ناهيك عن معارك بيع المستلزمات النسائية، ومعارك الاختلاط والنقاب والكاشيرات وخلافه من القضايا التي تجاوزها الزمن ولا نزال نجترها".
دعاة بمؤهلات «مفحط» و«تاجرعود»!
أجاب "المحمود" على سؤال: هل من يطلق هذه التسميات على الدعاة هم من هذه الشريحة ذاتها أم المجتمع، وقال:"هم من ناحية، والمجتمع من ناحية؛ لأنّ وظيفة الداعية ليست محددة بحدود، ولا مشروطة بمؤهلات، يستطيع شاب سمع شريط كاسيت عن عذاب القبر أن يذهب إلى هذا المسجد أو ذاك فيبدأ بوعظ الناس وتذكيرهم بعذاب القبر ودعوتهم إلى التوبة عن المعاصي، وقد ينتقل إلى شتم المخالفين و..إلخ؛ فيوصف بالداعية، وتستضيفه قنوات التجهيل أيضاً"، مشيراً إلى أن المجتمعات التقليدية تفتقر للحدود الدنيا من الوعي، ولهذا نرى أن كل من تحدث بلسان الدين داعية، حتى رأينا دعاة يحاضرون في الجماهير العريضة بمؤهلات (مفحط سابق) أو(تاجر عود) ..إلخ.
مهنة الداعية تحولت إلى «منجم ذهب»!
أشار "المحمود" إلى طفرة في أعداد الدعاة، وتحول المهنة إلى "منجم ذهب"، حيث أصبح بوسع الشخص الذي لا يجد قوت يومه أن ينخرط في هذه المهنة، وأن يجيد اللعب على عواطف الجماهير؛ فيصبح بعد سنتين أو ثلاث من أصحاب الملايين، وربما عشرات الملايين.
وترى "زاهد" أنه في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة والدراسات المعمقة ومراكز الدراسات التي تُعنى برصد ودراسة التحولات والتغييرات الاجتماعية في مشهدنا لا يمكن تقديم إجابة دقيقة، مشيرةً إلى أنّه حتى في حال زيادة عدد الدعاة، فتأثيرهم وتأثيرهن انحسر على الصعيد الاجتماعي بعد تداعيات 11 سبتمبر وتفكيك فكر الصحوة، فيما توجه الخطاب الوعظي بثقله -شبه الكامل - إلى المحطات الفضائية سواء منها المتخصصة أو غير المتخصصة.
ليسوا سواء..!
أوضح "المحمود" أن الدعاة ليسوا سواء؛ منهم من يمتلك الآلية المعرفية اللازمة، ويفهم الظروف المحيطة، ويعي حقيقة الدور وحدوده؛ فيقوم بدور إيجابي في نشر السلام الاجتماعي، وبهذا يستطيع أن يحد من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية بل والنظامية، وهذا نشاط إيجابي يستحق التقدير، لكن تبقى المشكلة أن معظم صور النشاط اليوم تجنح لترسيخ قيم التقليدية وتوسيع دائرة نفوذها ولحشد الجماهير لتكون أداة ضغط بيد قوى التقليد.
ويقول "النقيدان": "هم كغيرهم من كل فئات المتدينين لايختلف تأثيرهم عن تأثير نظرائهم، فهم في بلد سني سلفي يقدمون خطاباً ورؤية واحدة تعضد بعضها بعضا وإن تنوعت اللغة والطريقة واختلفت منزلة من يمثل الدين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.