مع كل أزمة وفتنة تحدث في أي من المجتمعات تتجه الأنظار دوما إلى النخب وقادة الرأي العام كونهم أكثر الجهات قدرة على التعامل مع هذه الأزمات وتوعية الناس بدورهم فيها حفاظا على وحدة البلاد والعباد، وتحقيقا للمصلحة العامة التي تصون المجتمع من خطر الانشقاق والدخول في المستقبل المظلم. ولئن كانت الأزمات تكشف وعي النخب وقدرتها على ممارسة دور حقيقي وفعال ومؤثر في المجتمع، فإنها توضح أيضا مدى قناعة الناس بهذه النخب وهل تستحق فعلا المكانة التي تتبوأها!!. ولعل ما يمر حولنا من أزمات تتمثل في الثورات والمظاهرات التي حدثت وتحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والتي تشكل اختبارا حقيقيا للنخب المحلية التي تتكون من علماء ودعاة وخطباء مساجد ومثقفين وإعلاميين وأكاديميين في القيام بدورهم في توعية المجتمع بخطورة تطبيق ما يحدث هناك على واقعنا المحلي، وطريقة التعامل مع هذه الأزمات خصوصا بعدما شن بعض الحاقدين حملة إعلامية مطالبين بتطبيق ما حدث على الواقع السعودي إلا أن وعي المجتمع وحبه الكبير لقيادته وتلاحمه معها وقف حجر عثرة دون تمرير هذه الأفكار إلى المجتمع. ويظل السؤال المطروح، هل كان للنخب دور في ذلك؟! أم أن دورهم أقل من المأمول؟! خصوصا أن الأزمة ما زالت قائمة والفتنة مستيقظة تحيط بنا وتحاول أن ترمينا بشررها. وكوننا شعبا مسلما تحكمه قيادة تتخذ من الشريعة الإسلامية منهجا ودستورا وتطبقه في أحكامها وقوانينها، فإن المؤسسة الدينية التي يشكل فيها العلماء والدعاة وخطباء المساجد العامود الفقري لها تعتبر أكثر الجهات قدرة على التعامل مع هذه الأزمات خصوصا أن الإسلام دين حياة وقد أوضح الأسلوب الأمثل في التعامل مع الأزمات والفتن في القرآن والسنة ومنهج السلف، إلا أن البعض يرى أن دورهم دون المطلوب يتخذ الوعظ منهجا مسقطا جانب سد الثغرات وتفويت الفرص على أعداء البلاد باستغلالها. فالعمل الإنساني لا يخلو من الخطأ ومهما كانت مثالية الدولة فإن الأخطاء في تطبيقاتها واردة وما الفساد والفقر إلا أحد وجوه ذلك الخلل البشري الطبيعي الفطري، فالخطاب الديني يغيب كثيرا عن مسألة تعزيز المعالجات التي تقوم بها الدولة وإعانتها في مجالات كثيرة كمكافحة الفساد ومعالجة الفقر وأزمة السكن والبطالة وغيرها. فالنهج الإصلاحي والتقدمي نحو الأفضل هو مسلك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحكومته، لكن حتى تتكلل هذه الجهود بالنجاح لا بد من تعاضد الشعب مع الدولة لإحداث هذا التغيير، فيد الحكومة مع يد الشعب ستكون لها التأثير الكبير في الإصلاح والتغيير نحو الأفضل دون إثارة الفتن وزعزعة الأمن وشق الصف بالمظاهرات والاعتصامات والثورات والخروج عن ولاة الأمر. ولا يقف المثقفون والأكاديميون والإعلاميون والتربويون ببعيد عن نفس التهمة التي تطال المؤسسة الدينية في القصور في توعية المجتمع في التعامل مع الأزمة، وكيف يكون التغيير دون مخالفة الشرع وولي الأمر موجود، وطريقة التعامل مع المد الإعلامي المهيج للناس والداعي للفتنة شبه غائب خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن المجتمع الشاب هو الأكثر تأثرا بالإعلام ووسائطه الحديثة ولا يخفى على الجميع أن 65 % من المجتمع السعودي هم من فئة الشباب والفتيات مما يعني ضرورة تعزيز الجهود في التوعية بالتعامل مع الأزمات دون التأثر السلبي بها. «عكاظ» فتحت ملف قضية «دور النخب وقادة الرأي العام في الأزمات والفتن» وتساءلت عن المنهج الشرعي في التعامل مع الفتن والأزمات وكيف يكون التغيير؟، وهل قامت النخب بدورها في توعية الناس بالتعامل مع هذه الفتن أم أن دورهم أقل من المأمول؟! وتساءلت عن الطريقة المثلى في التعامل مع وسائل الإعلام المهيجة للناس والتي تدعو إلى اتباع نهج تونس ومصر وليبيا بالتغيير؟! في سياق التحقيق التالي: المنهج الشرعي بداية يبين الداعية الدكتور سعد البريك أن المنهج الشرعي في التعامل مع الفتن والأزمات قائم على الاعتصام بالكتاب والسنة واتباع أهل العلم الراسخين وبيان الحق بصدق لا مداهنة فيه مما هو حق للراعي والرعية وواجب على الحاكم والمحكوم، كما قال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وقال تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، مشددا على مسائل لزوم الجماعة والصبر والرفق وعدم التهور والأناة والتبصر في عواقب الأمور والتعوذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن والإلحاح على الله بالدعاء بأن يكشف الكربة ويرفع الغمة ويصلح أحوال الأمة. ويواصل رئيس قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله البراك توضيح المنهج الشرعي في التعامل مع الفتن بقوله «المسلم مطالب بامتثال الإسلام في جوانب حياته كلها ومن ذلك الفتن»، وبين أن الفتن كما يقال «إذا أقبلت عرفها العقلاء وإذا أدبرت أدركها الجهلاء»، مشيرا إلى أن الرسول بين الحال معها بقوله كما في الصحيحين: (تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به). وأكد البراك على أن المسلم يجب أن يزن الفتن بميزان العلم بعيدا عن الهوى وحظوظ النفس، وذلك يكون بالرجوع لأهل العلم الراسخين، وتجنب مواطن الفتن وأن يعتزلها كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، وشدد البراك على أن من المنهج الشرعي أيضا في المدلهمات أن ينظر المسلم إلى عواقب الأمور وأن يستحضر الحكمة، مشيرا إلى أن من أوتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. وفي المقابل يرى أمين مجمع الفقه في رابطة العالم الإسلامي عضو مجلس الشورى الدكتور صالح المرزوقي أن بيان المنهج الشرعي في التعامل مع الفتن يقوم على تثبيت الناس من خلال بيان النعم التي أنعم الله بها على هذه البلاد ومنها إرساء قواعد العدل، وتحكيم شرع الله بين الجميع، والأمن الذي لا يوجد له مثيل في أي بلد من بلدان العالم، ورغد العيش، والتنمية الشاملة في جميع المجالات، من المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث إلى الصناديق الاستثمارية والعقارية والصناعية والزراعية وغير ذلك كثير جدا. وأضاف «من ذلك صدور الأوامر والقرارات الإصلاحية الجديدة المتضمنة محاربة الفساد، وتشكيل لجان مراقبة وإحداث وظائف لهذا الشأن». قواعد الوقاية وبنى أستاذ العقيدة والمشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة الملك سعود الدكتور خالد القاسم المنهج الشرعي في التعامل مع الأزمات على عدة قواعد أولها البعد عن الفتن مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي)، مؤكدا على مسألة التعوذ بالله منها والخوف منها اتباعا لنهج الرسول صلى الله عليه وسلم. وأضاف أما القاعدة الثانية من خلال لزوم طاعة الله ورسوله للحاكم والمحكوم، مشيرا إلى أن تقوى الله وتطبيق شرعه سبحانه والبعد عن ظلم النفس بالمعاصي أو ظلم العباد من أعظم أسباب الوقاية منها، وقد قال سبحانه: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وقال سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). وتابع القاسم أما القاعدة الثالثة فهي «طاعة ولاة الأمور مستشهدا بحديث العرباض بن سارية قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة). وشدد القاسم على ضرورة أن يلتزم الجميع حكاما ومحكومين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم. وبين القاسم أن القاعدة الرابعة في لزوم جماعة المسلمين لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ولزوم جماعة المسلمين ومناصحة ولاة الأمور). وجعل القاسم القاعدة الخامسة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المعاصي إذا ظهرت أوشكت بعقاب الله، وفي الحديث الصحيح: (ويل للعرب من شر قد اقترب) فقالت أم المؤمنين أنهلك وفينا الصالحون قال عليه الصلاة والسلام (نعم إذا كثر الخبث). ولفت القاسم إلى أن القاعدة السادسة تكمن في مناصحة ولاة الأمور بالطرق الشرعية للحديث السابق، وقد قال عمر رضي الله عنه لمن نصحه وهو الخليفة الراشد: (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها)، ودعا القاسم أهل العلم للقيام بالنصيحة وولاة الأمور من الإمام فمن دونه من أمراء وقضاة ومحافظين للاستماع إليها وأن تتسع صدورهم لها. كيفية التغيير وحول المنهج الشرعي في مسألة التغيير يوضح الدكتور سعد البريك أنه ليس كل تغيير ممدوح، وليس كل تغيير مطلوب، مشيرا إلى أن البعض قد ينادي بالتغيير لكن إلى ما هو أسوأ، خصوصا إذا كانت الدعوة إلى التغيير تتم بالتظاهر والفوضى وزعزعة الاستقرار، مبينا أنه في خضم هذه الأمور تكاد تغيب الرؤية الواضحة عن الكثيرين، فالفوضى تولد الفوضى والفتنة تجر أختها. ورأى البريك أن للتغيير سبيلين الأول: قائم على إصلاح النفس وتغييرها نحو الأفضل، فإذا أصلح الناس ما في أنفسهم أصلح الله أحوالهم، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولاحظ البريك أن هذا الأمر قد خفي على البعض، داعيا من يريد الإصلاح إلى إصلاح نفسه وما بينه وبين ربه، مؤكدا على أنه إذا قصر الناس ولى الله عليهم من يقصر في حقهم، وإذا عدلوا ولى عليهم من يعدل فيهم، وإذا ظلموا ولى عليهم من يظلمهم، قال تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون). وبين أن السبيل الثاني هو المناصحة بالرفق وبالتي هي أحسن، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم. وأفاد البريك أن المناصحة يجب أن تكون بأدب واحترام ومعرفة لمقام من بيده الأمر بعد الله، لا بتهييج العامة أو إغراء السفهاء الذين يكونون في الغالب مطية لمن يحركهم وهم لا يشعرون من خلال الصحف والفضائيات. ووافق البريك في رأيه الدكتور عبدالله البراك عندما أكد على أنه من أراد الإصلاح والتغيير فإنه ينطلق من النفس ابتداء، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، مشددا على أنه من رام صلاح الأمة والحال فليبدأ بإصلاح نفسه ومجاهدتها على طاعة الله. توعية الناس وحول رأيهم حول أدوار العلماء والدعاة والخطباء في توعية الناس في الفتن الحاصلة أبدى الدكتور سعد البريك رضاه عما يقدموه، مشيرا إلى أنها جهود مشكورة لكنه يأمل المزيد، معللا ذلك بأن المفسدين لا يزالون يحرضون على الفتنة، ولا يزالون يعملون على إيقاع الشباب البريء في حبال الفتنة للزج بهم في أتون مظاهرات تستفيد منها دول إقليمية معروفة. وكان رد الدكتور عبدالله البراك أكثر تأييدا لأدوار العلماء والدعاة وخطباء المساجد بقوله «إن الناس لم تسمع خلال الأزمات الحالية الخارجية، وحتى ماكان يراد منها بلبلة داخلية في المملكة إلا صوت العلماء والدعاة وطلبة العلم، وأرجع سبب ذلك إلى أنهم يركنون إلى أصول الشريعة وقواعدها في بيان أحكام الطاعة، وأهمية الاجتماع، وخطر زعزعة اللحمة الوطنية، ومآلات انفلات الأمن على الناس في دينهم ودنياهم، وانتقد البراك في التنقص من جهد العلماء بقوله «للأسف أن البعض لا هم له إلا التندر ببعض أخطاء الدعاة وطلبة العلم، والتفنن في رسم صور تهكمية سيئة عنهم». ولم يكن موقف الدكتور صالح المرزوقي ببعيد عن موقفي البريك والبراك عندما أثنى على جهودهم وطالبهم بالالتفات بشكل أكثر بالتعريف بحجم النعم التي أنعم الله على المملكة بها من خلال النظر إلى أمرين أحدهما «حال هذه البلاد قبل توحيد الملك عبدالعزيز لها رحمه الله، إذ كانت مسرحا مروحا للغارات القبلية، وكانت في أقصى درجات التخلف فلا أمن ولا علم ولا علاج، بل الفقر والجهل والمرض والبدع». وأضاف المرزوقي «أما الأمر الثاني فهو حال كثير من الدول القريبة والبعيدة في هذه العصور، حيث يعيش سكانها في قلاقل وفتن وحروب وفقر وسلب وغلاء معيشة، مشددا على أن هذه النعم يجب على الجميع وخاصة من يوسوس له الشيطان بالنكران أن يقابلها بالشكر والثناء لله ثم لولاة أمر هذه البلاد والدعاء لهم بالثبات على هذا المنهج القويم ويطلب لهم من الله المزيد من التوفيق قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، منتقدا في الوقت نفسه مواجهة النعم بالمظاهرات والهتافات والنداءات الباطلة، لأنه لا يقابل البر بالإساءة، والوفاء بالنكران للجميل. دور العلماء ولفت أمين مجمع الفقه إلى ضرورة أن يبين للناس بأنه من يشعر بنقص في شيء من أموره فإن بشائر الخير التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين أخيرا ستعالج ما قد يوجد من حاجة، مؤكدا على أن هناك خطوات جادة لتنفيذها، معتبرا أن من يزعم وجود بعض التقصير من الدولة في حقه وأمثاله فإن هذا بحسب ما يراه هو لا في حقيقة الأمر، وخلص المرزوقي إلى قاعدة يجب أن يوضحها أهل العلم للناس وهي أنه «لا يسوغ لمن تراءى له تقصيرا في مرفق من مرافق الحياة إثارة الفتنة بالمظاهرات ونحوها». وحذر المرزوقي كل شخص وسوس له الشيطان ودعاة السوء إلى التظاهر ونحوه من وسائل الغواية بأن في رقبته بيعة لولي الأمر يجب عليه شرعا الوفاء بها، مستدلا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني)، داعيا بضرورة أن تقف الأمة كلها صفا واحدا ضد من يريد الإثارة وإقامة المظاهرات التي لم تكن مألوفة أو معروفة في هذه البلاد منذ فجر الإسلام إلى هذا اليوم، مؤكدا بضرورة أن يقوم العلماء وأساتذة الجامعات والكتاب بدورهم في هذا المجال لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل منكم على ثغر من ثغور الإسلام الله الله لا يؤتين الإسلام من قبله)، ورأى المرزوقي أن علماء هذه البلاد بهيئاتها الشرعية ومجامعها الفقهية قد قامت بواجبها خير قيام إزاء ظاهرة الإرهاب، مشددا على مسألة المؤمل منهم وهي القيام بواجبهم بشكل أكبر نحو دعوات المظاهرات وما يرافقها من فوضى ومحرمات. لكن الكاتب الدكتور تركي الحمد خالف آراء البريك والبراك والمرزوقي عندما هاجم الدعاة وخطباء المساجد مشددا على أن دورهم ضعيف ولا يحظى بثقة الناس، مشيرا إلى أن الخطاب الديني بعيد عن هموم الناس وبالتالي لا يحظى بالتأثير بشكل كبير خصوصا في مثل هذه الأزمات، وتساءل الحمد هل تحدث العلماء عن البطالة أو عن هموم المجتمع أو الفساد؟! وأضاف الحمد «لا بد أن يكون للعلماء دور فاعل وذلك بحديث منطقي وواع يشعر معه الشباب بالتغيير في نوعية هذا الخطاب»، ولفت الحمد إلى مسألة خطيرة وهي عدم ثقة كثير من الشباب في المستقبل مما جعل تلك الجزئية مستغلة من قبل المؤسسة الدينية الخارجة عن إطار الدولة لتجييش الشباب ضد الدولة وهو أمر خطير ويجب الالتفات له. لكن الكاتب والباحث الدكتور حمد الماجد يخالف رأي الحمد عندما وصف دور العلماء والدعاة وخطباء المساجد والمثقفين والإعلاميين بالجيد وقال «حتى لا نغبط الناس حقهم هناك نسبة جيدة من طلبة العلم والعلماء والدعاة أدلوا برأيهم في المسألة بكلام جميل متوزان» واستدرك الماجد ليقف موقفا وسطا بين رأي الحمد وآراء البريك والبراك والمرزوقي عندما قال «لكني أعترف أن هناك قصورا لا يواكب المرحلة ولا تداعياتها وإشكالاتها خصوصا في دول الخليج والمملكة». الإعلام المهيج وحول طريقة التعامل مع وسائل الإعلام المهيجة للناس والتي تدعو إلى اتباع نهج تونس ومصر وليبيا بالتغيير ودور الإعلاميين في ذلك، انتقد الدكتور سعد البريك بعض القنوات التي تنفخ في نار الفتنة، وتصب الزيت فوق النار، مؤكدا أن هذه الأمور لا ينبغي أن تحدث ممن يدعي الحياد والموضوعية واحترام الرأي والرأي الآخر. مبينا أن الإعلام المنحاز لا يواجه إلا بالإعلام المتعقل، داعيا وسائل الإعلام أن تكون حريصة على وحدة الأمة واستقرارها، وأن تعمل على إخماد الفتن، وأن تكون شريكة في عملية الإصلاح على الكتاب والسنة وليس على طريقة التهييج والفوضى. وفي المقابل دعا الدكتور عبدالله البراك بتحرير المصطلحات الإعلامية المتداولة هذه الأيام مثل معنى الحرية، التغيير، المساواة، الحقوق، وغيرها حتى لا تفهم بشكل خاطئ، مشيرا إلى أن هذا الزمن هو زمن الإعلام الجديد والتعامل معه يجب أن يكون بحذر وعلم، مذكرا بأنه يجب على الإعلاميين استحضار المرحلة العمرية للشريحة التي تتعامل معه، وخصائص هذه المرحلة «من اندفاع وحماس وعدم حساب للعواقب». وعول البراك على دور أهل العلم وحملة الفكر المتزن الوسطي في ترشيد هؤلاء الفتية حول ما يشاهدون، ويقرأون وتحرير المصطلحات حتى لا تستخدم بشكل خاطئ ومضر بأمننا وأمتنا. ويرى الدكتور صالح المرزوقي أن خير وسيلة لمواجهة المد الإعلامي المهيج هو تجاهله وعدم الإصغاء لما يبثه من إثارة للفتن والقلاقل والنزعات في البلاد الإسلامية عامة وفي معقل الإسلام المملكة خاصة، مشددا على أن أعداءنا يدفعونها للنيل من وحدتنا وتماسكنا، داعيا إلى ضرورة أن نكون يقظين وأن نعلم أن هذه دسائس يراد منها أن نفترق بعد اجتماعنا، وأن نضعف بعد قوتنا إلى غير ذلك من المقاصد الخبيثة. مواجهة التحريض ودعا الدكتور خالد القاسم وسائل الإعلام إلى تقوى الله في الشباب من عدة نواح ومن ذلك ألا تدفعهم إلى الفتن وتكريههم لولاة الأمور أو التحريض عليهم أو التهجم على العلماء وأحكام الشريعة لأن هناك قصورا في ذلك. واختلف الدكتور حمد الماجد مع النداءات والدعوات لوسائل الإعلام بالاتزان مشيرا إلى أن وسائل الإعلام لن تغير سياساتها، مبينا أن الحل في صناعة الحصانة والمناعة خصوصا لدى النشء والأبناء، موضحا أن ذلك هو دور الأسرة في المقام الأول ومن ثم تأتي أدوار الإعلاميين والعلماء والمثقفين في تشكيل الوعي الذي يحصن المجتمع من الانسياق خلف هذه الدعوات. لكن الدكتور تركي الحمد حمل مسؤولية تقبل المجتمع للإعلام المهيج بسبب رداءة الإعلام التقليدي الذي يسير في درب التطبيل دون الالتفات لقضايا واحتياجات المجتمع، مشيرا إلى أن الإعلام غير الربحي يريد الإثارة ويبحث عن جذب الناس ولو كان ذلك على حساب عقل المشاهد، مؤكدا أن هذه النوعية من الإعلام تبث الإثارة الفاضحة. مبينا أن الإنسان العربي بين إعلامي حكومي مطبل وإعلامي مهيج دون وجود إعلام متزن إلا فيما ندر، وخلص الحمد إلى أن الحل يكون بإخراج الإعلامي الحكومي من حالته وصناعة إعلام متزن مضاد للإعلام المهيج بحيث يبحث أسباب حصول هذه الثورات والمظاهرات ويعالجها، ويوضح أن التغيير والإصلاح لا يكون بإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار.