في كل مرّة أكون فيها في الأحساء «المحافظة» الأرض عبق التاريخ ورائحة الذكرى أشعر بأنني أمام متغيّر جديد.. حالة من المعاصرة لا تزال تعيش في جلباب الأصالة والسمو وكأن تمايل النخيل طرباً.. لا يمنع أبداً تساقط ولو شق تمرة. يوما الاثنين والثلاثاء الماضيان كنت قريباً من فرحة أهالي الأحساء باستقبال محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية «أمير المبادرات» وتدشينه بعض المشاريع التنموية ومنها أكبر نافورة تفاعلية في العالم في متنزه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمدينة الهفوف، كذلك رعايته تخريج أكثر من 3 آلاف طالب من خريجي جامعة الملك فيصل. تذوقت مع الأهالي والمواطنين تلك اللحظات، التي رأوا فيها هذا المشروع العملاق، وهو يضفي على أجواء الأحساء سحراً لا مثيل له، فالنافورة التي تعمل وفق نظام إلكتروني والنشيد الوطني هو المشغل الصوتي الرئيسي لها وتتحرك مع الأناشيد والأهازيج الوطنية.. جسدت إبهاراً مثيراً يستحق للأحسائيين أن يفخروا به وربما يعوضهم عن عدم محالفة الحظ للأحساء بالفوز في مسابقة مدن عجائب الطبيعة السبع في العالم، لكن الأحساء ستظل حاضرة بإنجازات مكنتها من الوصول إلى موسوعة جينس للأرقام القياسية، وها هي تعود الآن لتواصل حضورها بعد إنشاء هذا المعلم الجمالي والبيئي الذي يُصنف على أنه الأكبر عالمياً. لعلّ ما عطّر هذه الساعات تلك الكلمات الحميمة التي أيقظها الأمير محمد بن فهد بكل الروح المسؤولة حينما قال إن أي مسؤول لا يستطيع خدمة المواطن فعليه أن يتنحّى ليس هذا فقط لكن الفرحة امتدّت لتعانق كل بيت في المحافظة الهادئة، إذ كان حفل التخرج الرائع بجامعة الملك فيصل بمثابة هدية من الأبناء للأسر وللأهل وللوطن. ها هي 3516 فرحة تدوّي وتطلق صيحات النشوة والأمل والحلم الجميل ولتقدم الصورة المثلى عن وطن يحتضن أبناءه، كباراً كما احتضنهم صغاراً.. وسط حفل التخرج لا مكان للقلق ولا مكان لليأس، فقط الانتصار كان للمشاعر المتفائلة والأيدي الصلبة التي تدشن للوطن هذه الكتيبة الجديدة من أبنائه الطامحين لخدمته، والراغبين للتفاني من أجله. كانت عيون الجميع وفي مقدمتهم الأمير محمد بن فهد والأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء ومدير الجامعة الدكتور يوسف الجندان وغيرهم، ترقب المشهد الرائع وكأنها تقول إن طعم الفوز لا يتبدّل وهكذا وصلت الرسالة عبر العديد من الكلمات لكل الحاضرين من الآباء والأصدقاء والخريجين أنفسهم. ولعلّ ما عطّر هذه الساعات تلك الكلمات الحميمة التي أيقظها الأمير محمد بن فهد بكل الروح المسؤولة حينما قال إن أي مسؤول لا يستطيع خدمة المواطن فعليه أن يتنحّى ويفسح المجال لمن هو أكثر قدرة على العطاء. رسالة واضحة ربما تكون وضعت جميع المسؤولين في كافة الإدارات عند حدود مسؤوليتهم القصوى ذلك أن «الكرسي» ليس حكراً على أحد وليس مكافأة لأحد.. إنه فقط المقابل العلمي لمن يخلص ويستمر في عطائه، وهذا هو المعيار والأساس في دولة يقودها عبدالله بن عبدالعزيز. وقفة.. .. هذه السطور وصلتني عبر البريد من أحد الأصدقاء.. وهي تحمل نفساً صادقاً.. ومطالبة مشروعة أنقلها كما جاءت. ((لقد طلب مني عدد من الإخوة المرافقين للمبتعثات بجمهورية إيرلندا التحدث مع سعادتكم وكلهم أمل إيصال صوتهم للمسؤولين بأن يشملهم الأمر السامي بصرف راتب شهرين أسوة بالمبتعثين الآخرين خصوصاً وأن الأمر السامي الكريم لم يستثنهم من المكرمة ويأملون من المسؤولين بوزارة التعليم العالي سرعة العمل على صرف راتب شهرين لهم خصوصاً أن أكثرهم لديهم إجازة مقطوعة الراتب أو متقاعدون والحياة بإيرلندا غالية جداً وهم بأمس الحاجة إلى هذه المكرمة ويأملون من سعادتكم عرض ذلك عبر زاويتكم، وفقكم الله لعمل الخير)).. وهكذا فعلت. تذكر!! تذكر يا سيدي أن خير الناس من فرح بالخير للناس وتذكر أيضاً أن لا أحد أقوى من نفسك على إرشادها إلى الخير. وخزة.. من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك.