الكفاءة أصلُها مِن الكُفْء، وتعني المساواة، فالكفاءة بين الزوجين مِن أهم أسباب السعادة الزوجية، فالتقارب بين الزوجين في أحوالهما الاجتماعية والماليةَّ والخِلْقيَّة والثقافيَّة وغيرها يورث مزيد أُلْفةٍ بينهما، بخلاف التفاوت وعدم التجانس في الطباع والعادات وغيرها، فهي مظِنَّة التنافر والتنازع، وحين كان صلاح الأسرة من أسمى مقاصد الإسلام، ناسب أن يراعي دينُنا في تشريع عَقْد الزوجية انتظامَ أمر الأسرة، وناسب أن يجعل من مُتمِّمات تقوية آصرة الأسرة، توافق الزوجين وسلامتهما مِن أن يكون بأَحَدِهِما وَصْفٌ يُنفِّرُ الآخرَ منه، الأوصاف المعتبرة هي التي تحدَّث عنها الفقهاء، وبسطوا القول فيها من حيث صحَّة انعقاد عقد الزواج في حال عدم التكافؤ بين الزوجين، ومن حيث جواز فسخ العقد إذا أجراهُ الوليُّ بدون رضا الزوجة، ويلاحظ أن الكفاءة حقٌّ للمرأة، فهي معتبرةٌ في الرجال دون النساء لئلا تَضعف المودَّةُ بينهما، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) فهذه الموافقة والملاءمة التي تورث مزيد محبَّة ومودَّة، وتُفضي إلى السكن، يسميها الفقهاء مبدأ «الكفاءة» أي التقارب الذي تَقْوَى بسببه الرابطةُ الزوجية وتشتد، وحقُّ الكفاءةُ مبدأ متَّفقٌ عليه بين الفقهاء، وأظهرُ مثال لذلك ندْبُ الشريعة إلى نظر الزوجين إلى بعضهما، فقد قال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن يَتزوج: (فانظر إليها فإنَّه أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بينكما) ويُؤْدَم مأخوذةٌ مِن الأَدْم وهو السكون، بمعنى أن يوفِّق بينكما فتسكُنا إلى بعض، فالمحبَّةُ والأُلفة بين الزوجين تكتمل بالتقارب والتوافق في الأوصاف، وحين كان عقدُ الزواج رابطةً بين طرفين، فقد جعلت الشريعةُ للطرفين حقَّ الرِّضا بالآخر، ثم إن التكافؤ يكون في أوصافٍ كثيرة، فمنها أوصافٌ لا تُعتبر، ولا يُعدُّ التفاوت فيها سبباً لعدم التجانس، لأن الكفاءة المطلقة في كل شيء متعذِّرة، فكلُّ شيئين متغايرين يجب أن يكون بينهما بعض الفروق، وهذا الذي يجعلهما متغايرين، فليس المقصود التوافق في كلِّ الأوصاف، بل ولا في معظمها، فاشتراط هذا متعذِّر لما فيه من المشقَّة، وإنما المقصود هو وجود أوصافٍ تزيد التآلف بين الزوجين، وتقلِّل من احتمالات التنافر والتباغض، فمن الأوصاف أوصافٌ معتبرة، فمنها ما لا يجوز التنازل عنها إلا برضا جميع الأطراف، وسيأتي تفصيل القول فيها في المقال القادم، ومنها ما لا يجوز التنازل عنها وإن رضيَ الطرفان، كاختلاف الدين، فهذه الأوصاف المعتبرة هي التي تحدَّث عنها الفقهاء، وبسطوا القول فيها من حيث صحَّة انعقاد عقد الزواج في حال عدم التكافؤ بين الزوجين، ومن حيث جواز فسخ العقد إذا أجراهُ الوليُّ بدون رضا الزوجة، ويلاحظ أن الكفاءة حقٌّ للمرأة، فهي معتبرةٌ في الرجال دون النساء، ففي الأوصاف المعتبرة في الكفاءة يَشترط الفقهاء في الرَّجل أنْ يكون مساوياً للمرأة أو أن يكون أعلى منها، ليكون كفؤا لها، فليس لأحدٍ من أولياء المرأة أنْ يَفرض عليها الزواجَ من غير كفءٍ لها، وليس له اجبارها على التنازل عن هذا الحق الذي كفله الشرع لها، بخلاف الرجل، فلا يُشترط أنْ تكون المرأة مساويةً له ولا أن تكون أعلى منه في أوصاف الكفاءة المعتبرة، فيتزوج الرجلُ مَن هي مثله، ويتزوج مَن هي دونه في الكفاءة، مثل مَن هي أقل منه مالا أو منصبا أو جمالا أو غيرها من الأوصاف، وليس له أن يجعل من عدم علمه بعدم مكافأة المرأة له سببا مشروعا لفراقها، ذلك انَّ العيب والعار يلحق بالمرأة إذا تزوَّجت بمَن هو أقلَّ منها، بخلاف الرجل الذي لا يعابُ عليه الزواج بمن هي دونه، وعليه فللمرأة أن تتنازل لتقبل بمن تشاء من الرجال ليكون زوجاً لها، فالكفاءة حقٌ لها، فقد ترضى ذاتُ المنصب بالزواج بمن هو أقلَّ منها مكانةً، وقد يكون هذا سببا يُضعف المودَّة بينهما، لأنَّ نفْسَها قد تشمخ ولا تسكن إليه، وقد يقع بسبب ذلك خلافات وبغضاء مع مرور الأيام، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن للزوجة بذلك، وجعل الحق لها في قبول هذا الزوج، فقد جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «إنَّ أبي زوَّجني من ابن أخيه، ليدفع بي خسيسته، ولم يستأمرني، فهل لي في نفسي أمر» فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فجعل الأمر إليها، فقالت: «قد أَجَزْتُ ما صنع أَبي، فما كنت لأرُدَّ على أبي شيئا صنعه، ولكنْ أرَدَتُ أنْ يعلم النساء أَلَهُنَّ في أنفسهن أمرٌ أم لا « وللحديث بقية .