لم يكف الناس أن رواتبهم لم تزد قبل العيد فجاءهم من يشفط جيوبهم إلى آخر هللة من خلال رفع أسعار السلع والخدمات المعتادة في مثل هذا الموسم، فقد تبارى بائعو الملابس والأحذية وبائعو حلوى العيد والشوكولاته والحلاقون والغسالون، وربما أيضا بائع الكبدة والخبز، ليرفعوا أسعارهم ضعفين وثلاثة أضعاف مستغلين حاجة المستهلكين الذين لم يعد لهم حيل ولا قوة لا في العيد ولا قبل وبعد العيد. وفي تجربة شخصية أثناء اقامتي في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد زرت أسواقهم في كل مواسم الأعياد، من الكريسمس إلى عيد الشكر وعيدي العمال والاستقلال، ولم ألحظ زيادة سنت واحد على الأسعار التي كنا نشتري بها قبل هذه الأعياد، بل إنني لاحظت سباقا كبيرا بين كل السلع والخدمات العادية والسياحية لجذب أكبر عدد من المشترين. بل إن هناك، وهذه من مفارقات ثقافات الشعوب التجارية الاستهلاكية، ما يعرف بالجمعة السوداء (Black Friday) وهو اليوم الذي يأتي مباشرة بعد عيد الشكر. ويعتبر هذا اليوم بداية موسم شراء هدايا عيد الميلاد. وفي هذا اليوم تقوم أغلب المتاجر بتقديم عروض وخصومات كبيرة، حيث تفتح أبوابها مبكرا لأوقات تصل إلى الساعة الرابعة صباحا بسبب الخصومات الكبيرة. ولأن أغلب هدايا عيد الميلاد تشترى في ذلك اليوم، فإن أعدادا كبيرة من المستهلكين، وقد رأيت طوابيرهم بالكيلومترات، يتجمهرون فجر الجمعة خارج المتاجر الكبيرة ينتظرون افتتاحها للاستفادة من خصوماتها. أما نحن فكل أيام السنة عندنا بالمقلوب، فكلها جشعة واستغلالية وسوداء بخلاف سواد جمعة الأمريكان التي يحبونها ويتسابقون إليها. لدينا مصيبة في ثقافة المتاجرة وفي ثقافة الاستهلاك. وأظننا سنحتاج إلى عقود حتى نصل إلى مستوى السوق الرابحة المحترمة، التي توفر كل السلع والخدمات للجميع في المواسم وغير المواسم وبأسعار في متناول الجميع، حيث تسود قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، وينقشع (الضرر) الذي يوقعه التجار جهارا نهارا على المستهلكين.