جمع لقاء نظمته «الحلقة المعرفية» بالدمام مساء يوم الجمعة الفائت كلا من الأستاذ الجامعي يونس البدر والدكتور مبارك الخالدي، حيث قدّم البدر ورقة بعنوان «مفاهيم حديثة في السرد». أدار الأمسية الكاتب علي المطرود، في حين قدم الخالدي مجموعة ملاحظات على ورقة البدر، وأجاب الضيفان عن أسئلة الحضور حول السرد. وقال البدر في بداية ورقته «هذه الورقة ستعطي نبذة مختصرة جدا عن هذا الجهاز المفاهيمي الذي تولى علمنة السرد في نصف القرن السابق، وتنبع أهمية هذه الورقة من كونها محاولة لإيقاظ المكنون اللاشعوري الذي يجعلنا نستمتع عند قراءة قصة جميلة أو رواية مثيرة، تلك النماذج الجمالية المتجلية في المظاهر الداخلية للنص السردي، من خلال استقراء الخطاب القصصي بوصفه علامات لغوية أكثر من كونه أحداثا تُروى». كما عدد البدر المحاور التي شكلت السردية الحديثة مع بعض التطبيقات على بعض النصوص السردية متمثلة في العناوين التالية: - أدبية الأدب. - الشكل والمضمون وثنائية المتن الحكائي والمبنى الحكائي. - من هي الشخصية في النص السردي. - زاوية النظر. - المحتوى والخطاب والدلالة في النص السردي. وأضاف عن أدبية الأدب: من الشكلانيين الروس بدأت تظهر إرهاصات علمنة السرد – تحليله بطريقة علمية- وتحديداً عند فلاديمير بروب في كتابه «مورفولوجيا الحكاية» الذي حلل فيه تراكيب القصص الشعبية الروسية وقسمها إلى أجزاء ووظائف، والوظيفة عنده هي «عمل الشخصية». واستمرت المحاولات النظرية البنيوية حتى صاغ تودوروف مصطلح علم السرد في سنة 1969م، وتواصلت بعده الأبحاث لتحويل هذا المصطلح إلى مشروع علمي حقيقي انبرى له مجموعة باحثين غربيين منهم بارت وجينيت وغريماس وغيرهم. وعن ثنائية المتن والمبنى الحكائيين يقول: بنيت المنهجية التقنية الحديثة لقراءة النصوص السردية على تقسيم القصة إلى قسمين رئيسيين هما: المتن الحكائي أو الحكاية وهي الأحداث في مظهرها الوقائعي قبل أن ينظمها الراوي ويصوغها في شكل بصرف النظر عن وقوعها أو عدم وقوعها (بمعنى العالم التخيلي)، والآخر هو المبنى الحكائي الذي يعني التصرف الذي يدخله الراوي على نظام الأحداث عبر تناوله إياها بالسرد. وحول قراءة الشخصيات في الأعمال الأدبية يقول البدر: اختلفت المدارس النقدية الغربية في معالجتها للشخصية في النص القصصي، فبعضها يجد علاقة بين النص الأدبي والواقع المادي الذي نشأ فيه (المرجعية الاجتماعية للنص)، والبعض الآخر ينفي عن النص كل ما هو خارج عنه بما في ذلك المبدع نفسه. وعن أهمية زاوية النظر يقول: في قراءة الشخصيات يجدر النظر إلى مسألة التبئير، وهي انتقاء للمعلومة السردية أداته بؤرة واقعة في مكان ما لا تمر المعلومة إلا من خلالها، وبالتالي تأتي القصة ذات وجهة نظر، فمن الممكن أن تصدر عن راو عليم فتكون قصة غير مبأرة أو درجة تبئيرها صفر؛ لأن الراوي فيها يكون من خارج شخصيات القصة ويورد معلومات تتجاوز طاقة إدراك شخصية موجودة في القصة، كأن يتحدث عن معلومات تخص دواخل الشخصية تجهلها الشخصية نفسها، كما نرى في قصة فضلة الديك ليوسف المحيميد. أو تكون وجهة النظر من إحدى شخصيات القصة ويكون الراوي قارئا للمعلومات من الداخل ولا يكشف منها إلا بمقدار ما ينكشف للشخصية كما نجد في قصة دموع الشيطان لهيفاء البيطار. وهنا ألفت النظر إلى قصص ناصر الحسن، وتلك الوسيلة التي ينتج بها السرد بقصد الإمتاع مما يحقق أدبية القصة وجمالها. وكان من تعليقات د. الخالدي على الورقة تأكيده على أن موضوعات الورقة تحتاج إلى مساحة أكبر، حيث تناول البدر مدرستين نقديتين هما الشكلانيون والبنيويون وكان من الممكن أن يكتفي بمدرسة واحدة. ونبه الخالدي إلى ضرورة إعادة النظر في مصطلح «علمنة السرد»، موضحا أن الصواب هو علمنة مناهج السرد. وختم بالقول: التنظير السردي صعب بدون أن يتوسع البحث ليصبح كتابا، وضرب على ذلك بأمثلة لكتب تنظير سردي أعيدت كتابتها وأضيف لها الكثير في طبعة لاحقة. واختتمت الأمسية بمناقشات ومداخلات ثرية وأسئلة أجاب عنها الضيفان.