لم تثن زخات مطر الرياض منظمي ملتقى النقد الأدبي بنادي الرياض الأدبي، عن انطلاق فعاليات الملتقى وسط الأمطار، بورقتين عن المكرم هذا العام القاص جبير المليحان، حيث قدم القاص والباحث خالد اليوسف ورقة بعنوان "جبير المليحان إنساناً وقاصاً" ثم الأكاديمي سلطان الخرعان الذي قدم ورقة بعنوان "النقد في موقع القصة العربية لجبير المليحان". وقال اليوسف: إن المليحان، لم يلتفت للمرجفين والمثبطين والكسالى، بل صاحب الأسماء التي تبحث عن النص الجديد، ليكونوا نواة لجيل جديد تولى زمام المبادرة لخروج القصة القصيرة من التقليدية إلى الحداثة الشكلية والمضمون والهدف؛ ثم تساءل: لكن ماذا جرى لجبير المليحان وبعض مجايليه ليلقوا أقلامهم ويبعثروا أوراقهم وكتاباتهم في الفضاء، ثم يغيبون لسنوات طويلة؟. وتحدث الخرعان عن النقد الأدبي في موقع القصة العربية، من خلال مبحثين هما، النقد الذاتي، وهو النقد التأثري/ الانطباعي غير المعلّل، ومدى وجوده في الموقع، وكان الحديث في هذا المبحث عن معظم القصص في الموقع؛ لأنه أكثر أنماط النقد الأدبي ورودا. أما المبحث الثاني: فكان لنقد الشكل، ونقد المضمون. وقد كان النقد الموجه للشكل بارزا مقارنة بنقد المضمون، فجاء الحديث في مطلب الشكل عن النقد الذي اتجه إلى عناصر البناء الفني- النقد الإنشائي- بشكل عام. أما نقد المضمون فكان للنقد الذي اتجه إلى نقد مضامين القصص من حيث واقعيتها، ومدى خلوها من المخالفات العقدية، وخاتمة كانت فيها أبرز النتائج، والتوصيات. وكان الملتقى انطلق مساء أول من أمس بحفل خطابي بحضور مدير عام الأندية الأدبية منصور الفايز. قال فيه رئيس أدبي الرياض الدكتور عبدالله الحيدري: هذا الملتقى في دورته السادسة بمشاركة أكثر من عشرين باحثا وباحثة، وهذا مؤشر على أن الملتقى أصبحت له قدم راسخة في المشهد الثقافي السعودي، وأصبحت بحوث الدورات الخمس الماضية مراجعا يُعتد بها. ثم تواصلت فعالياته من صباح أمس بتقديم عدد من الأوراق التي حظيت بنقاش بين الحاضرين حول عدة مفاهيم مثل "فوضى المنهجية في النقد، وإلى مدى يستعمل الناقد مطرقته في تقييم الأعمال الإبداعية". التلقي الأكاديمي بدأت الجلسة الثانية للملتقى صباح أمس بثلاث متحدثات هن الدكتورة ليلى شعبان رضوان والدكتورة زاهية جويرو ومنى الحضيف وبإدارة الدكتور سحمي الهاجري. حيث عالجت الدكتورة زاهية التلقي الأكاديمي للقصة السعودية القصيرة من خلال الإجابة على عدة تساؤلات منها: ما القضايا والأسئلة ذات الصلة بالقصة القصيرة السعودية التي أثارت اهتمام البحث الأكاديمي؟ ما المناهج والمقاربات المنهجية التي توسّل بها الباحثون في معالجة تلك القضايا وفي البحث عن أجوبة لأسئلتهم؟ إلى أي حد أسهم البحث الأكاديمي في القصة القصيرة السعودية في تأصيل القضايا النظرية ذات الصلة، فيما تحدثت الدكتورة ليلى شعبان رضوان عن "النقد التطبيقي للقصة القصيرة في المملكة في جامعة أم القرى. حيث رأت أن هذه الدراسة ستتيح فرصة الوقوف عند الدراسات التي أضافت إلى نقد القصة القصيرة دراسات يُعتد بها في تعميق المنجز النقدي من جهة، وتلك التي حامت حول القصة ولم تتجاوز أسوارها من جهة أخرى. وكان حديث منى الحضيف عن "أوعية النقد في القصة القصيرة السعودية" وقالت: إن النقاد السعوديون اتخذوا أساليب ومناهل متعددة لفحص القصة القصيرة واستخراج مكنوناتها الفنية والأدبية، ففي بداية ميلاد القصة القصيرة السعودية لم يهتم النقاد بها اهتمامهم ببقية الفنون الأدبية، فكان نقدهم لها موضوعاتيا مقتصرا على الوقوف على لغة الكاتب، موضوعات القصة وواقعيتها، بصورة لا تتجاوز النظرة الظاهرة لها. شهادات المبدعين كانت الجلسة الثالثة لثلاث متحدثين هم الدكتور حسين المناصرة ومحمد الراشدي والدكتور يوسف حسن العارف وبإدارة الدكتور سعيد يقطين حيث كان حديث الدكتور يوسف حسن العارف عن القصة القصيرة السعودية المعاصرة: قراءة في الوعي الفني والجمالي لدى نخبة من كتاب القصة القصيرة. ولاحظ الباحث أن القاصين السعوديين على وعي وإدراك لماهية هذا الفن السردي، وأنهم يكتبون القصة القصيرة حسب أصولها المنهجية وجمالياتها الفنية، وتقنياتها اللغوية والأسلوبية، وأنهم يستفيدون من التقنيات الحاسوبية والمواقع الإلكترونية وفضاءات التواصل الاجتماعي للتعريف بأنفسهم وإنتاجهم الإبداعي وإيجاد بيئات للمثاقفة وتبادل الرأي مما كان له أكبر الأثر. وفي الورقة الأخرى كان حديث الناقد الدكتور حسين المناصرة عن هاجس البدايات في كتابة القصة القصيرة. حيث اعتمد في مقاربته للمسألة على مدونة الكتاب النقدي الذي جمعه وأعده خالد اليوسف، بعنوان "القصة القصيرة السعودية: شهادات ونصوص" ( 2013). وقال تعمدت أن أستخدم كلمة (هاجس) في عنوان هذه المقاربة، بالنظر إلى أن الهواجس هي ما يخطر ببال الإنسان من أفكار وصور عن موضوع استرجاعيا أو استشرافيا؛ فالاسترجاعي الذي يهمنا في هذه المقاربة، لا يكون يقينيا بقدر كونه تخييلا أو تصورا لماض، لا يستعاد حرفيا أو بسهولة ويسر! أما ورقة محمد الراشدي فتناولت "القصة القصيرة في رؤى كتابها". حيث قال: إن الشهادات الإبداعية التي دأب كتّاب القصة القصيرة المحلية على تقديمها عن تجاربهم في المناسبات المختلفة، وصدر بعضها موثقا في كتب متخصصة، تعد عتبات ذات أهمية كبيرة في الإحالة على مضامين التجارب الكتابية في حقل القصة. فوضى قرأ في الجلسة الرابعة المسائية التي أدارها الناقد الدكتور معجب العدواني أستاذ الأدب المشارك بجامعة الملك سعود الدكتور أبو المعاطي خيري الرمادي: بحوث ندوة كرسي الأدب السعودي القصة القصيرة"، متحدثا عن بعض هذه البحوث التي قال عنها: 35 بحثاً، بعضها أضاف للنصوص القصصية، وكشف عن جوانب مجهولة فيها، وبعضها جاء عبئاً على النصوص، بسبب عدم الوعي بأهمية النقد، والفوضى المنهجية. ففي بعض هذه البحوث عوار نقدي، يمكن تلخيصه في الخطابية المباشرة، وتهميش القراءة، وقلق المصطلح، وضعف الوعي النقدي. أما الأستاذ المساعد بجامعة الملك خالد بأبها الدكتور محمّد الكحلاوي فتحدث عن أطروحة "القصّة القصيرة في المملكة للدكتور سحمي الهاجري" التي قال عنها إنها من أبرز الأعمال الأكاديمية المبكّرة في الدراسة، لكن اليوم وقد مضى على إعداد هذا العمل نحو 30 سنة، شهدت تطوّرا في مستوى التنظير للمنهج وآليات القراءة، وترسخّت تقاليد "نقد النّقد"، وظهرت بحوث حقّقت نقلة وتنوّعا في دراسة القصّة، وتحليل خطابها السردي. وفي الجلسة نفسها استعرض الباحث سعد الرفاعي "جماليات الشارع في القصة القصيرة السعودية لدى الناقد حسين المناصرة"، وحاول تلمس جماليات المكان (الشارع) من خلال ما طرحه المناصرة عن بعض القاصين السعوديين مثل فهد المصبح وعبد الحفيظ الشمري وعبدالعزيز الصقعبي ومحمد الشقحاء وجبير المليحان. مرحلة النضج في الجلسة الخامسة التي أدارها محمد المزيني، تحدث الأكاديمي بجامعة جازان الدكتور إبراهيم سعيد السيد في ورقته "تحليل السرد في القصة السعودية ونظرية التأويل" في 3 محاور نقد العناصر السردية وفضاءات التأويل، وتحليل البنية السردية وإمكانات التأويل، والمرتكزات السردية التأويلية في النقد القصصي. بدوره بحث الأكاديمي بجامعة الملك فيصل الدكتور عاصم محمد بني عامر في"آفاق تلقي الشخصية في القصة القصيرة السعودية" قائلا: بُنيت العديد من الدراسات النقدية على مجموعات قصصية لمبدعين سعوديين، وتم تناول شخصياتهم نقديا، وكل دراسة انتهجت وجهة نقدية خاصة نظرت للشخصية من زاوية محددة، وأبرزت عن طريق ذلك جانبا فيها وأضمرت جوانب، تم ذلك غالبا بوعي من هؤلاء النقاد وأحيانا دون وعي. كذلك تحدث أستاذ النقد الأدبي والبلاغة المشارك بجامعة الملك فيصل الدكتور سليمان علي عبد الحق عن "القصة القصيرة السعودية بين مطرقة الناقد وسندان المبدع" متسائلا: هل استطاعت القصة القصيرة السعودية أن تصل إلى مرحلة النضج الفني الذي يقوم على عناصر التكنيك السردي، وشمولية الرؤية والأداء، أم أنها قد قصرت عن ذلك، وأصبحت هي نفسها تعيش حالة أزمة. وفي ورقته "جيل التأسيس النقدي في دراسة القصة القصيرة السعودية" يرى الباحث السعودي قليّل الثبيتي أن النقد الأدبي عموماً، والنقد القصصي خصوصاً في المملكة، كان يئن تحت وطأة الأهواء الشخصية، والآراء النقدية المتعجّلة، والنظرة الانطباعية الانفعالية. فكان جيل التأسيس بما تحقق له من معرفة نقدية واسعة على أسس علمية تحصَّل عليها عن طريق البحث والقراءة المتخصصة، يحاول أن يؤسس لاتجاه نقدي تتجلى فيه الصبغة الأكاديمية (وهي العلمية والجدية والمتابعة المنظّمة والتوثيق والتأصيل والتخصيص). المليحان: شكرا لمن منع كتاباتي اكتفى الشخصية المكرمة القاص جبير المليحان بتقديم الشكر للعديد ممن حفزوه على خدمة فن القصة القصيرة من خلال إنشاء موقعه الإلكتروني الشهير القصة العربية، وقال " شكر لكل من علمني الحرف، والحكاية، وأولهما أمي وأبي، ثم معلمي. وشكراً للكتَّاب الرائعين الذين قلبت أوراقَ كتبهم، دون أن يعرفوا ذلك. إنهم كثيرون جداً، وشكر خاص جداً للمسؤول، الذي منع كتاباتي العادية من النشر في الصحف؛ مما اضطرني لإنشاء موقع القصة العربية في بداية عام 2000". وذكر أن الكثير من العرفان منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن لمبدعي السرد، (القصة خاصة) الذين حولوا موقعاً شخصياً إلى موقع بهذا الحجم. إن استمرارهم في مد الموقع بالنصوص الجديدة هو ما جعله يستمر، ويأخذ مكانته المميزة.