خلال متابعتي للتطورات الأخيرة للانتخابات الأمريكية وانتهائها بفوز مرشح الحزب الجمهوري الملياردير دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، كانت صورة ترامب تشخص في ذهني، على نحو متكرر، متجاورة مع صورة الأمير الإنجليزي هاري. لم يكن سبب ظهور الصورتين متجاورتين وجود أي نوع من التشابه بين الشخصين، بل كان بسبب الاختلاف بينهما، إلى حد التناقض، تجاه اللون؛ البياض مقابل السواد والألوان الأخرى. إن أمريكا التي وعد دونالد ترامب باسترجاعها لناخبيه، واسترداد عظمتها، هي أمريكا البيضاء، «بستان» الأمريكي الأبيض، وموئل هيمنته وسيادته، ومجال تأكيد تفوقه العرقي على الأمريكيين من الأعراق الاخرى. هذه هي أمريكا التي بح صوته من الصراخ بوعده باسترجاعها، أمريكا العنصرية والزينوفوبيا والإسلاموفوبيا والبطريركية، التي وعد ببذل كل ما في وسعه من أجل حمايتها من الغرباء بالجدران العازلة وبالقوانين والتشريعات التي تضع نهاية لتدفق المزيد من أفواج المهاجرين، خصوصا المسلمين. في المقابل، وعلى النقيض من ترامب، يجد الأمير الإنجليزي هاري نفسه مضطرا الى الانخراط في مواجهة مع بعض الأطراف في الصحافة البريطانية بسبب العنصرية الخافتة في بعض ما يُنْشر عن صداقته مع الممثلة الامريكية ميغان ماركل (مسلسل سوتس)، بالتركيز على كونها ثنائية العرق (biracial)، بيضاء/سوداء؛ من أب أبيض، وأم سوداء مائة بالمائة كما تقول. وعلى الرغم من أنه لم يصدر عن الأسرة الملكية ما يدل على عدم رضاها عن علاقة هاري وميغان، تبدو تلك الأطراف في حرصها على نقاء دم الأسرة الملكية الأزرق أكثر ملكية من الأسرة الملكية ذاتها. لم يكتف أولئك بالإشارة الى أمها السوادء -الحقيقة التي لا تخفيها ميغان- بل بذلوا جهدا في النبش في تاريخ أسرتها ليصلوا أو ليثبتوا حقيقة انحدارها من الجنوب الأمريكي وأن أسلافها كانوا مستعبدين. وذهبوا في تبريرهم تقبل الأسرة الملكية لصداقة هاري وميغان إلى التنويه بأن هاري لن يصبح ملكا، وبالتالي لن يكون من سلالته ملك بمزيج من دم أبيض وأسود في حال زواجه من ميغان. وهكذا سيبقي العرش الملكي الإنجليزي أبيض نقيا، كما سيبقى البيت الأبيض في مخيلة ترامب وناخبيه العنصريين حكرا على الرجل الأبيض بعد رحيل أوباما عنه، وإجهاض حلم هيلاري كلينتون بهزيمتها في الانتخابات. لكن هل كان العرش الإنجليزي نقي الدم طوال تاريخه؟ بالتأكيد لا، والدليل الملامح الأفريقية للملكة تشارلوت زوجة الملك جورج الثالث، والملكة فيليبّا زوجة إدوارد الثالث. ربما لوعيهم بهذه الحقيقة، يدل رضا الاسرة الملكية على ترحيبهم بالنصف الأسود من دم ميغان مايكل، في الوقت الذي يتمنى ترامب والعنصريون من حوله لو يملكون القدرة على كنس الملونين خارج الولاياتالمتحدة. بيد أنه الحلم المستحيل، فالملونون يزحفون الآن إلى جانب مواطنيهم البيض في شوارع المدن الأمريكية حشودا هادرة ترفع شعارات المناهضة والرفض للعنصرية والعداء للمهاجرين وللإسلاموفوبيا. لا يتطلعون الى «إسقاط النظام»، ولكن سيعملون، كما صرح أحد المنظمين، من أجل الحيلولة دون فوز ترامب بفترة رئاسة ثانية. أما عنصريو الصحافة البريطانية، واضح أن عنصريتهم لاقت آذانًا صماء من الأمير هاري والأسرة الملكية، وآخرين. تناقض غريب بين التاج البريطاني وتمثال الحرية!