عُقد في مقر الأمانة العامة بمدينة الرياض الخميس الماضي (13 أكتوبر) الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا، وذلك بعد انقطاع دام أربع سنوات بسبب الخلاف في وجهات النظر في بعض الملفات السياسية، وهذا بحد ذاته مؤشر ايجابي في اتجاه العلاقات التركية الخليجية نحو مزيد من التفاهم والتقارب ورغبة الجانبين في تعزيز العلاقات في كافة المجالات. فمن خلال البيان المشترك الذي صدر في ختام الاجتماع، يظهر مدى توحد رؤى الطرفين تجاه معظم القضايا الاقليمية. وبالتالي فأساس هذا التعاون والتقارب بين الطرفين موجود، ودوافعه السياسية والامنية قائمة، والمصالح الاقتصادية المشتركة متوافرة. لا شك ان انعقاد هذا الاجتماع يأتي في ظل التطورات السياسية والامنية الحرجة التي تعصف بالمنطقة سواء على صعيد الازمة السورية وانسداد الأفق لأي حل في المستقبل القريب، او التطورات السريعة على الساحة العراقية او تطورات الصراع في اليمن او الازمة الليبية وكيفية الخروج منها وغيرها من الملفات التي استوجبت هذا التقارب والعمل بشكل سريع من اجل استقرار المنطقة حتى لا تنزلق نحو مزيد من الصراع، مما قد يشعل المنطقة بأكملها بحروب طائفية وعرقية. فتركيا وسط هذه الازمات اصحبت مهددة ومحاصرة من كل الجهات من سورياوالعراق وايران. ودول الخليج اصبحت كذلك محاصرة بدول مشتعلة تهدد امنها واستقرارها، فهي كما جاء في توصيف معالي الأمين العام عبداللطيف بن راشد الزياني: «دول مجلس التعاون تشبه اليوم حدائق في وسط حرائق»، وهو توصيف يجمل الحالة الامنية والسياسية للمنطقة. فالتغول الايراني في العراقوسوريا واليمن اصبح مهددا حقيقيا لأمن المنطقة واستقرارها، يتزامن هذا التهديد مع ترهل دولي في التعاطي مع هذه الملفات بحزم وخاصة الملف السوري، مما فتح المجال امام روسيا بالتمدد ومحاولة ملء الفراغ في المنطقة. نشرت فورين بوليسي مقالا للكاتبة جوليا إيوفي أشارت فيه الى أن «لعبة روسيا في سوريا بسيطة جدا»، موضحة أنها تعتمد على ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في المنطقة. وأشارت الكاتبة الى أن «نمو التأثير الروسي في المنطقة يتناسب طرديا بشكل مباشر مع غياب التأثير الأمريكي في المنطقة». فروسيا ما زالت ترى انها قوى عظمى تخوض صراعا لا نهاية له مع قوة عظمى أخرى، وهي الولاياتالمتحدة. وبالتالي فالتعاون التركي– الخليجي اصبح مطلوبا ويمكن ان يعمل على ترسيخ وتعزيز التوازن الاقليمي في المنطقة. اضف الى ذلك ان الاجتماع سعى الى تعزيز التعاون المشترك بين الخليج وتركيا عن طريق تمديد خطة العمل المشتركة الحالية بين مجلس التعاون وتركيا الى نهاية العام 2018م، وتكثيف الجهود من أجل تنفيذها. وقد تم تكليف الامانة العامة بإعداد تصور عن تطوير التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون وتركيا في جميع المجالات، بما في ذلك مفاوضات التجارة الحرة. اعتقد ان هذه الحالة من التقارب السياسي والامني، سوف تنعكس بلا شك في تعزيز المصالح الاقتصادية بين الطرفين. فالعلاقات الاقتصادية الخليجية التركية نمت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فخلال العقد الأخير زاد التبادل التجاري بين تركيا ودول الخليج من حوالي ملياري دولار ليصل الى 20 مليار دولار عام 2013، كما أن حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة من دول المجلس إلى تركيا بلغ 208 مليارات دولار ما بين الأعوام 2010 حتى 2014. وبالتالي اعتقد ان هناك رغبة حقيقية من الطرفين على انشاء منطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون وتركيا في الوقت القريب، من خلال استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة. واخيرا اعتقد ان تمتين العلاقات التركية– الخليجية، تمليه ضرورات المرحلة الحالية التي يتوقف عليها مستقبل المنطقة، فأتمنى ان تتوج هذه العلاقة باتخاذ مواقف اكثر جدية وفاعلية تجاه قضايا المنطقة الشائكة التي تهدد امنها واستقرارها. * محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية