تحدثنا في المقال السابق عن أركان جريمة تزوير الموظف العام للمحررات الرسمية وهما: الركن المادي، والركن المعنوي اللازمان لقيام ووقوع هذه الجريمة، وتطرّقنا للعديد من الجوانب النظاميّة المتعلّقة بهذين الركنين، كما أشرنا إلى أن ارتكاب هذه الجريمة لا يُشترط فيه أن يكون التزويرُ متقناً يتعذّر اكتشافه، أو أن يكون غير متقن يسهل اكتشافه. ونستأنفُ الحديث اليوم حول أحكام الاشتراك في جريمة تزوير الموظّف العام للمحررات الرسمية. فالاشتراك في الجريمة يعني تعدّد الجُناة الذين ساهموا في تحقيق جريمة واحدة، إذ إن الجريمة لم تكن نتاج نشاط إجرامي لجانٍ واحدٍ، وإنما هي حصيلة تعاون عدد من الأشخاص، يكون لكل واحد منهم دوره الماديّ وإرادته الإجرامية. ويقع الاشتراك في الجريمة بالاتفاق أو بالتحريض أو بمساعدة الفاعل الأصلي للجريمة، فبموجب الاتفاق يتفق شخصان أو أكثر على ارتكاب جناية أو جُنحة، أو يتفقان على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكاب الجريمة. ويُعدّ شريكاً كلّ من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة الحاصلة بناءً على هذا الاتفاق، ويعد شريكاً كذلك كل من حرّض على ارتكاب الفعل المكوّن للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناءً على هذا التحريض، إذ يعني التحريض دفع الغير إلى ارتكاب الجريمة سواءً عن طريق خلق فكرة الجريمة لدى البعض الذي لا وجود لفكرة الجريمة في نفسه أصلاً، أو عن طريق حثّه وتشجيعهِ على تحقيق فكرةِ الجريمة الموجودة في نفسه مسبقاً. فالمحرّض هو شخص يحملُ أو يحاول أن يحملَ شخصاً آخر على ارتكاب الجريمة عن طريق استغلال نفوذه أو مركزه الوظيفي، أو بتقديم هدية له، أو بالتأثير عليه بالتهديد، أو بالحيلة والخديعة، أو بالنقود. كما يُعدُّ شريكًا كذلك كلّ من ساعد الفاعل الأصلي في ارتكاب الجريمة بأية وسيلة من وسائل المساعدة التي تتعدّد صورها وأشكالها. وتقوم جريمة الاشتراك على ركنين هما: الركن المادي، والركن المعنوي. ويتجسّد الركن المادي للاشتراك في مساعدة ومعاونة الفاعل الأصلي بكل الوسائل والأدوات والإمكانيات التي تساهم في تهيئة الأجواء لوقوع الجريمة، وإزالة العقبات أو التخفيف من حدّتها التي يمكنُ أنْ تقفَ عائقًا أمام وقوعها. أما الركن الثاني للجريمة فهو الركن المعنوي المتمثل في قصد الفاعل في ارتكاب الجريمة جنبًا إلى جنب مع غيره من الشركاء الآخرين، وهو ما يُعرف بقصد التداخل في الجريمة. وقد نصّ النظام الجزائي لجرائم التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/11) وتاريخ 18/2/1435ه على عقوبة للاشتراك في جريمة تزوير المحرّرات الرسمية أو غيرها من جرائم التزوير. حيث نصّت المادة الحادية والعشرون من هذا النظام على أنه: «من اشترك - بطريق الاتفاق أو التحريض أو المساعدة - في ارتكاب أيّ من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام يعاقبُ بالعقوبة نفسها المقرّرةِ لتلك الجريمة». وهذا الحكم ينطبقُ على الموظّف العام وعلى غيره، فلا يفرّق النص هنا بين الموظف العام، وأيَّ جانٍ آخر من غير الموظفين العموميين، لأن النص جاء مطلقًا، والنصّ المطلق يُحمل على إطلاقه ما لم يقيّده قيد. وبالتالي فإن العقوبة التي تطبّق بحقّ الفاعل الأصلي لأيّ جريمة من جرائم التزوير التي نصّ عليها هذا النظام تطبّق ذاتها أيضا بحقِّ الشريك في الجريمة، سواء أَوَقعَ الاشتراك عن طريق التحريض، أو الاتفاق، أو المساعدة. وجديرٌ بالذكر أنَّ النظام الجزائي لجرائم التزوير قد نصّ على انقضاء الدعوى الجزائية في جرائم التزوير، حيث نصّت المادةُ السابعة والعشرون على أنّه: «فيما عدا الجرائم المنصوص عليها في المادتين (الثالثة) و (العاشرة) تنقضي الدعوى الجزائية في الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام بعد مُضيّ عشرِ سنوات تبدأ من اليوم التالي لوقوع الجريمة». ويُفهم من ذلك أن الدعوى الجزائية في جرائم التزوير الواردة بهذا النظام تنقضي بمضيِّ عشرِ سنوات تُحتسبُ من اليوم التالي لوقوع الجريمة. ولكن استثنت هذه المادة بعض الجرائم وعدَّتْها من ضمن الجرائم التي لا تنقضي بانقضاء الدعوى الجزائية. وهذه الجرائم المستثناة قد وردت في المادة الثالثة؛ وهي تزوير خاتم الدولة، أو الملك، أو ولي العهد، أو رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو الديوان الملكي، أو ديوان ولي العهد. والشريحة الأخرى من الجرائم المستثناة وردت في المادة العاشرة من ذات النظام؛ وهي تزوير محرّر منسوب إلى الملك، أو ولي العهد، أو رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه.