يمتلك كثيرون الموهبة التي تنقلهم إلى الصف الأول جماهيرياً ويصبحون نجوماً لامعة في مجالهم إن كان ذلك المجال ثقافياً أو دعوياً أو إعلامياً أو رياضياً أو فنياً، تلك النجومية التي تكتسح الشباك وتحرك الرقم تصاعدياً بشكل لافت. إلا أن الموهبة ليست - بالطبع - كل شيء أو ليست ذات ديمومة وبقاء وتأثير إن لم يرفدها الذكاء الاجتماعي، فكثير من المواهب كانت حديث الناس وملء السمع والبصر بيد أنها أضحت بعد فترة وجيزة أثراً بعد عين. وبالتأكيد فالعديد من المواهب رغم أصالتها إلا أنها أشبه ما تكون بالفقاعات التي تتبلور وتتصاعد وتنتفش ثم يكون مآلها التلاشي والاختفاء. في المقابل فإن المتأمل للسر في بقاء الشخصيات الموهوبة واستمرار بقائها وحضورها هو اقتران الموهبة بالذكاء الاجتماعي الذي يحول الموهبة من قيمة مجردة إلى قيمة مضافة في المجتمع وعلى المستوى الجماهيري. ومن العجيب أن الشخصيات الموهوبة الباقية قد لا تكون الأفضل في مجالها من ناحية الموهبة، لكنها استطاعت استثمار موهبتها العالية نسبياً بالذكاء الاجتماعي. وليس ثمة تلازم بين أن يكون شخص ما موهوبا حد العبقرية في مجال معين وبين افتقاره للذكاء الاجتماعي الذي يفقده إدارة تلك الموهبة ويجعله يستثمرها بطريقة سلبية باهتة. وحين نستعرض في المشهد الثقافي والدعوي والإعلامي والرياضي والفني سنجد - حتماً - أسماء بقيت وتنامت شهرتها وتزايد أعداد متابعيها في الوقت الذي لو قارنا هؤلاء الذين يمتلكون الحضور في المشهد مع أسماء موازية لهم كل في مجاله لرأينا أن من بقي ليس الأفضل موهبة، بل الأذكى اجتماعياً وهنا يكمن السر. والأكيد أنه منصف وغير متجن ذلك الذي يصف أولئك الموهوبين الحقيقيين الذين أضاعوا البوصلة وانحرفوا عن المسار من يصفهم بافتقاد الإدارة الحياتية لشؤونهم ما جعل الكثير منهم يضيع في متاهة ليس لها قرار وفي نفق ليس له نهاية. ومما يتابعه الإعلام بين وقت وآخر نماذج من الموهوبين والمبدعين الذين كانوا من فئة ( السوبر ستار ) وكيف وصل بهم الحال إلى نهايات محزنة حين ابتعدت عنهم الأضواء وانصرف عنهم الجمهور ونسيهم أقرب المقربين منهم ذلك أنهم كانوا السبب أولاً وأخيراً في الوصول إلى مصيرهم الذي آلوا إليه، حيث الزوايا المعتمة والحق أنهم في الغالب يلومون الناس والإعلام ويسقطون خيبتهم على الأصدقاء وزملاء المهنة والواجب أن يلوموا أنفسهم قبل أن يلوموا غيرهم. وكم يعجبني بعض الأسماء المشهورة التي كافحت كل في مجاله وبقي وهجها في السماء رغم مضي السنوات الطويلة ورغم المنافسة العنيفة من الجيل الصاعد، تلك المنافسة التي لا تتثاءب ولا تخبو، لكنهم ثابتون ولديهم المقدرة على التعامل والتماهي مع كل جديد وقبول التحدي مع كل حديث. إذاً الفرق بين نجم ابتلعته الثقوب السوداء ونجم يزداد لمعاناً وتوهجاً، الأول تعامل مع نجوميته بنزق واستهتار ولا مبالاة، والآخر استثمر نجوميته بعقل وذكاء وتدبير فسقط الأول، وحافظ الثاني على مركزه في القمة. للنجومية وللشهرة ضريبة ترفض الانزياح لا يعيها أولئك الذين أعمتهم الأضواء المبهرة فتعثروا في طريقهم ولم يجدوا حتى اللحظة من ينتشلهم من مصيرهم الذي ساقوا أنفسهم إليه، القمة والنجومية والشهرة لا يستثمرها إلا الأذكياء ولا تدوم إلا لهم.