تحقيق النجومية والعيش تحت الأضواء لم يعودا حلماً محصوراً بفئة عمرية دون أخرى في لبنان، فكما ان هناك شباباً وفتيات يتمنّون أن يكون هناك من يتبنّاهم ليصبحوا نجوماً، أصبحت هذه الظاهرة تطاول الأطفال والمراهقين الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد. والمحفّز الأول لشيوع ثقافة النجومية بين الأصغر عمراً هي البرامج التلفزيونية المخصّصة لاكتشاف المواهب على صعيد الغناء أو التمثيل وصولاً إلى عرض الأزياء وتصوير الإعلانات. فما أن يتمّ الإعلان عن تلقّي برنامج معّين طلبات الأهالي لأولادهم الذين يتمتّعون بمواصفات محدّدة مسبقاً، تتراكم مئات الملفّات ليتمّ اختيار العشرات من بينها. وشروط المشاركة غالباً ما تتضمّن التزام الأولاد من مختلف الفئات العمرية طلبات إدارة البرنامج، على رغم أنّها تخالف أحياناً الكثير من المبادئ الأخلاقية مثل طلب التعرّي بحسب شروط العرض أو تقديم مشاهد الإغراء. لكنّ البرامج التلفزيونية ليست وحدها في هذا المجال، فبعض وكالات عرض الأزياء اتّخذت خطوة مستقلة بالوصول مباشرة الى الأولاد عبر دخول المدارس، وتوزيع مندوبيها في المراكز التجارية حيث يقضي المراهقون أوقاتهم لجذبهم نحو الأضواء من دون توضيح الآثار السلبية لمثل هذا القرار عليهم. إستثمار لأغراض تجارية؟ إغراء الأضواء والشهرة والربح السريع أصبح جزءاً لا يتجزأ من محيط الأطفال والمراهقين في لبنان، خصوصاً في ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تدفع الاهل أيضاً إلى التمسّك بأي حبل نجاة لتأمين المدخول للأسرة. لكنّ تبعات دخول هذا الميدان تظهر تباعاً مع الإنخراط التدريجيّ للأولاد في أجواء العروض المباشرة ومتطلّباتها. فراكيل ريشا التي تبلغ من العمر ستة عشر عاماً وتعمل عارضة أزياء، تخبر عن المراحل العديدة التي مرّت بها قبل دخول العروض أمام الجمهور. والمرحلة الأولى تكون في التدريب بمساعدة متخصّصين من الوكالة اذ يتمّ تحديد طريقة السير وكيفية لفت الأنظار. ثم هناك مرحلة التصوير الفوتوغرافيّ والتقاط مختلف الصور لتقديمها للوكالات الإعلانية، ما يتطلّب إرتداء ملابس البحر أحياناً أو الثياب الداخلية. ولتكريس وقتها لعرض الأزياء، تركت راكيل مدرستها بعدما رفضت إدارة المؤسسة التعليمية تغيّبها المستمر. أمّا أهل العارضة الصغيرة فيجدون أنّ إبنتهم «موهوبة وهي تؤمّن دخلاً مالياً جيّداً على رغم صغر سنّها». وحتّى لو كان المجال مختلفاً مثل الغناء أو التمثيل، فهناك إلتزامات إجبارية لا بدّ من أن يأخذها الأهل وأولادهم في الاعتبار. وهذا تحديداً ما دفع زياد حريقة الى سحب طفله من ميدان التمثيل بعدما دخل إليه في عمر مبكر من خلال المسلسلات والإعلانات القصيرة. ويخبر زياد عن العقود التي يُطلب من الاهل توقيعها وتكون شبه احتكارية، ما يُشكّل حاجزاً أمام الطفل لاختيار مهنته لاحقاً ومتابعة تعليمه كما سائر الأولاد. كما يشبّه زياد ما يحدث حالياً بأنّه «إستثمار للأطفال لأغراض تجارية» في مختلف المجالات. ويضيف أنّه في العديد من الدول، باتت هناك تشريعات تنظّم عمل الأطفال في الاستعراض والتمثيل لكي لا يكون هناك استغلال لبراءتهم. وهم الشهرة ظاهرة «النجومية المبكرة» لا تقتصر على لبنان، إنما باتت تشمل العديد من الدول العربية أيضاً وتحديداً مصر التي برز فيها العديد من فرق الأطفال للغناء والتمثيل. لكنّ ذلك يطرح إشكالية تربوية أساسية، وهذا ما تلفت إليه المرشدة الإجتماعية كلارا فضل التي تحذّر من شيوع ثقافة النجومية بين الأطفال من دون وجود حدود واضحة وتشريعات تحميهم. فما تحذّر منه فضل أولاً العقود الإحتكارية التي يمكن أن تلزم الطفل أو المراهق بالعمل في مجال معيّن لمدّة 10 سنوات وأكثر، وترتيب مسؤوليات مالية عليه في حال أراد فكّ العقد. وعلى رغم أنّ فضل لا تعارض كلّياً عمل الأطفال تحت الأضواء، فهي تضع المسؤولية الأكبر على الأهل لأنّهم يجب أن يتنبّهوا الى سلوك أطفالهم ويحرصوا على متابعة تحصيلهم العلميّ، فيما تبقى أوقات الفراغ مقسّمة بين التسلية والعمل في مجالات عرض الأزياء والغناء والتمثيل. أمّا الخطورة الأكبر بالنسبة الى المرشدة الإجتماعية، فهي أن يعيش الطفل أجواء النجومية والشهرة، ما يصيبه بالغرور والسلوك السلبيّ ويمنعه من الإندماج في محيطه الطبيعيّ. وهنا تورد فضل مصطلح «وهم الشهرة»، وهي حالة يمكن أن يعيشها الطفل أو المراهق حين يكبر، إذ يمكن أن يُصاب بانهيار عصبيّ نتيجة فقدانه للنجومية التي تمتّع بها في الصغر، فيسعى الى إظهار نفسه بالطرق المتاحة كافة ويتوهّم الشهرة. أكثر من ذلك، فإنّ القلق الأكبر الذي يجب أن يساور الأهل هو حول الوكالة التي يتعاملون معها، خصوصاً أنّ هناك شكوكاً حول العديد من الوكالات وارتباطها بشبكات دعارة وعمالة للأطفال. وكلّ ذلك يجعل من قرار عمل الأولاد تحت الأضواء صعباً، ولا يمكن اختصاره بجني الأرباح المالية والشهرة.