واقعة تسليم مروة حسين الشمري من قبل والدها للسلطات المختصة عبر أحد الدعاة في لجنة «المناصحة» من التصرفات الناضجة فكريا لحماية هذه الفتاة من التحول إلى قنبلة بشرية ارتكازا إلى زيف ديني عميق يمارسه المتطرفون بحق من يتم اصطيادهم عبر المواقع الاجتماعية التي من إحدى سلبياتها السماح بتواصل شخصي مع مختطفي الإنسانية والدين. في واقعة مشابهة قبلها بحوالي أسبوع سلم إخوة في مدينة عنيزة أختهم «أم محمد» الطالبة بأحد المراكز القرآنية للشرطة، وذلك يعزز اتجاها مجتمعيا ضروريا ومطلوبا للتعاطي الإيجابي مع أي حالات اشتباه لزيغ وتضليل الأبناء، خاصة وأن من يبدؤون اتخاذ قناعات متوافقة مع التطرف يدخلون مرحلة كوما عقدية وتنويم مغناطيسي يصعب معها اقناعهم مع الأهالي بمدى الضرر العقلي الذي اعتراهم. التبليغ ينطوي على وعي مجتمعي لا ينعكس أثره الإيجابي على العائلات فقط والأمن بصورة عامة وإنما على الوطن بأسره في مكافحة قاتل إنساني يتراكم مثل الورم السرطاني في العقل، ومن أسوأ ما يمكن أن يحدث للفرد أن تموت إنسانيته، ويمارس حياته على أسس باطلة تنقلب معها الصور بحيث يرى الأسود أبيض، والموت حياة، والدماء مياها يتعطش لشرابها. بالطبع أثار خبر تسليم مروة وأم محمد حالة من الهيجان لدى مؤيدي تنظيم داعش فهددوا حسين الشمري وأبناءه، وفي مقابلة ذلك أظهرت حسابات لفتيات سعوديات مناصرات لتنظيم داعش، أنهن يتعرضن لتهديدات من قبل ذويهن بتسليمهن للشرطة كي يعدن عن الأفكار التي يحملنها، وفي اعتقادي أن مجرد ظهور عوارض «داعش» في حوار أو سلوك الفرد من الضروري المبادرة للتواصل مع الجهات المسؤولة دون تردد، لأن المؤكد أننا على وشك الدخول في متاهة يصعب الخروج منها وتقدير نتائجها. التطرف أفيون الدين، ومستوى التخدير الذي يصادر العقل الذي يتعرض لجرعات متطرفة يعادل تأثير مخدر عضوي ينتهي بتدمير قوة ومناعة الضحية، ولكنه في هذه الحالة يضر نفسه فقط، أما في حالة الذين يتم تخديرهم دينيا فإنهم يمتدون بضررهم إلى المجتمع والوطن، ويمكن أن ينظر المتطرف إلى والديه بنظرة افتراق وكأنه لا علاقة بينهما لأنه تحت تضليل عظيم يضع حجبا حاجزة بينهما. واقعة مروة وأم محمد نموذج لتطور الوعي الاجتماعي، وينبغي ألا يهدد الأهالي من يرون فيهم بذرة متطرفة بتسليمهم وإنما التعامل معهم بصورة فورية عبر دعاة المناصحة، ذلك يقلل كثيرا من الأضرار التي يتسبب فيها عدم الإحساس بتحولات الأبناء واتجاهاتهم الفكرية التي يتعرضون إليها في الظلام حيث صيادو «داعش» الذين لا يتورعون عن استغفال واستيعاب كل من يسهل خداعه.