المسؤولية المجتمعية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- في خطابه الأخير تجاه التحذير من الفكر الضال، والجماعات الإرهابية، تحتم على الجميع مؤسسات وأفراداً النهوض بمشروع وطني كبير للتصدي لمظاهر الغلو والتطرف والكراهية في المجتمع التي يحملها البعض جهلاً وربما اختطافاً لثوابت الإسلام وتعاليمه السمحة وسطية وتسامحاً واعتدالاً. وتترقب الأوساط المجتمعية من وزارة التربية والتعليم مع بدء العام الدراسي الجديد أن تتبنى بالتنسيق والتعاون مع الجهات الأمنية والمراكز البحثية في المجتمع ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حزمة من البرامج في المدارس لتعزيز الأمن الفكري، وتحصين الناشئة من الأفكار الضالة، وتطهير مجتمع التعليم من مظاهر التشدد والتطرف. وتتحمل المدرسة إلى جانب الأسرة العبء الأكبر في مواجهة ظاهرة الإرهاب الفكري الذي استغل تقنيات العصر في تغيير كثير من مفاهيم الناشئة، وسلوكياتهم، وهو ما يتطلب حضوراً نوعياً في توعية تلك العقول الشابة، ومخاطبتهم بلغة عصرهم، وتنويرهم إلى خطر التشدد والغلو وأيضاً خطر الانفلات والتغريب، وهو ما يعني أن تبذل المدرسة (إدارة، معلمين، مشرفين) دوراً أكبر في تبني حوار معتدل قائم على الثوابت ومحافظاً على وطنية الشاب وانتمائه، ومهذباً لسلوكه نحو تحمل مسؤؤلياته الدينية والوطنية. «الرياض» تحدثت إلى عدد من القيادات التربوية والتعليمية حول دور المدرسة في مكافحة الإرهاب الفكري، فكانت حصيلة الآراء ما يلي: أمن وطني وقال الأستاذ "عايض بن جلالة" -مدير ثانوية الشوكاني بالظهران- إن القاعده التي ننطلق منها لمحاربة الإرهاب الفكري في مدارسنا هو إشعار الطالب بأهمية العقل الذي يحمله، وتبيان مقاصد الشريعة الإسلامية بضرورة المحافظة عليه حتى من صاحبه الذي يملكه، مشيراً إلى أن أعظم مظاهر الإفساد لهذا العقل هو البعد عن عقيدته ومنهجه الرباني الذى ارتضاه لنا الشارع عز وجل. وأضاف: "نحن في مدارسنا نحقق مع طلابنا أول هدف من أهداف سياسة التعليم بالمملكة وهو ترسيخ مفهوم العقيدة الصحيحة لدى الطالب، ثم إشعار طلابنا بأهمية الأمن في الوطن، وعدم العبث به جراء الانزلاق خلف الأفكار الهدامة، والفُرق الضالة التى ننتظر دور وزارة التربية لتبني برامج نوعية مع بدء الدراسة بالتنسيق مع الجهات الأمنية ومركز «الحوار الوطني» تساوم على سلامته ووحدته"، داعياً إلى تفعيل حملات التوعية داخل المدارس بخطر الإرهاب، وتغذية الناشئة بأهمية الابتعاد عن الأفكار الضالة المنحرفة، وزرع حب الوطن والدفاع عنه في نفوس أبنائنا، مؤكداً على أن تلاحم الشعب مع قيادته هو سر قوتنا وأمننا، وسيبقى وطننا هو قبلة المسلمين ومهبط الوحي ودستوره كتاب الله وسنة نبيه وولي أمره خادم الحرمين الشريفين. تكامل الأدوار وأشار الأستاذ "سعود الفريح" -مدير ثانوية المتنزه بتعليم حائل- إلى أهمية تربية الأطفال تربية صحيحة وتوجيههم على الوجه الأمثل، مبيناً أن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، ومن هنا يفترض أن تحمل المدرسة رسالة وطنية سامية بأهمية التكاتف مع رجال الأمن، وتقدير تضحياتهم، وسهرهم على راحة الجميع، بما يمنحهم السلامة والطمأنينة، ويحمي المجتمع من كيد الأشرار، وهذا لن يتحقق من دون تربية وتعليم. وقال:"دور المدرسة كبير في توجيه الطلاب وإرشادهم وحماية أفكارهم، وهو دور لن يتأتى من دون أن يتحمل المعلمين والمعلمات مسؤولياتهم، وتحديداً نشر ثقافة الوسطية والتسامح بين الطلاب والطالبات"، مؤكداً على أن المؤسسات التعليمية تتحمل العبء الأكبر في مواجهة ظاهرة الإرهاب الفكري، مبيناً أن هذا الدور يمثّل الخط الأول في المواجهة، وتحديد الكيفية التي يجب أن تكون عليها مخرجات تلك المؤسسات التعليمية، مشيراً إلى أن قياس الأثر لهذا الدور يتطلب الاستمرار والتحديث المستمرين للخطط والبرامج والحملات التوعوية في المدارس؛ لتوعية الطلاب والطالبات من خطر الغلو والتطرف والإرهاب. تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب يبدأ من الوعي بخطر الأفكار الضالة وتطهير مجتمع التعليم من مظاهر التشدد وأضاف أن المجتمع بحاجة إلى تنوير عقول الكثيرين تجاه الأفكار والدعوات الهدامة والمغرضة، وتبصيرهم بخطرها، وأثرها، وحجم تأثيرها على وحدة الوطن وأمنه واستقراره، ومن هنا يبرز دور المدرسة في تغذية نفوس الشباب والشابات بالمفاهيم الإسلامية المعاصرة التي تأخذ من الوسطية والحوار والانتماء والولاء سبيلاً لإمعان العقل نحو كشف زيف مثل تلك الدعوات والأفكار، مؤكداً على أن من أهم أسباب انتشار الأفكار الضالة هو الجهل بثوابت الإسلام وآدابه وسلوكه ومقاصده، والبعد عن شريعة الله، والتخرص على معانيها وقيمها بالظن من غير تثبت. وأشار إلى أن تحسين صورة الفكر الإسلامي التي يسعى الإرهابيون إلى اختطافها نحو التطرف والتشدد والتكفير والعنف لا تتم إلاّ من خلال ممارسة معتدلة، وهذا لن يتحقق ما لم يكن هناك استراتيجية علمية وعملية تصل إلى الأجيال من خلال المدرسة والأسرة معاً، وتحديداً استراتيجية تربوية تُعنى بالأمن الفكري، موضحاً أن الحد من تنامي الأفكار المتطرفة -التي قد تجد لها بيئة مناسبة في بعض المؤسسات التعليمية- لا يمكن أن يتحقق من دون تكاتف الجميع أمنياً وتربوياً وأسرياً ودعوياً ومجتمعياً، وهذا ما يمكن أن نؤسسه في نفوس الطلاب من الجنسين من أن التكاتف بين الجميع يضمن النجاح في التطبيق، والاستمرار في النجاح، وهذا يعني باختصار أن تحصين الفكر لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك رؤية مشتركة من جميع مؤسسات المجتمع، ولا يمكن تحميل المدرسة هذا الدور فقط، رغم أن هناك برامج تتبناها إدارات التعليم لدعم استراتيجية الأمن الفكري، ولكن هذه الجهود يجب أن تتكامل مع منظومة وطنية لمواجهة خطر الإرهاب والغلو في الدين، ولا تتوقف لأي سبب. حماية الشباب وقالت الأستاذة "صباح الشلاقي" -مديرة الثانوية الثانية عشر بحائل- إن مجتمعنا يتعرض لغزو فكري متطرف وغالٍ، ويحمل في أحشائه منهجية تدعو إلى العنف والكراهية والتكفير، ويستهدف بالدرجة الأولى شباب الوطن، ومحاولة التغرير بهم، وجرّهم إلى مواقع الصراع والفتنة، داعية كل مؤسسة تعليمية أن تعكف بالدرجة الأولى على حماية الشباب من أي فكر ضال، وتنقيتها من أي شوائب هدّامة عالقة بها، داعية وزارة التربية والتعليم إلى تبني حملة وطنية مع بداية العام الدراسي الجديد؛ لمواجهة ظاهرة الغلو في الدين، خاصة الأفكار الضالة والسبل الكفيلة بالتخلص منها، والحث على الوسطية والاعتدال، وغرس حب الوطن والانتماء إليه، والولاء لقادته، وتكوين أرضية صلبة يقف عليها الشباب ضد أي عاصفة فكرية ضالة، مؤكدة على أنه من خلال هذه الروح الصافية النقية نستطيع -بإذن الله- حماية شبابنا وتنقية أفكارهم وتحويلها إلى أفكارٍ نيرة وبناءه. توازن فكري وأضافت الأستاذة "بهية علي الحفظي" -مديرة وحدة تطوير المدارس بمنطقة عسير- أن مواجهة الإرهاب الفكري وتحصين المؤسسات التعليميّة من خطره؛ خاضع لمدى درجة الفلترة ونوعية المعايير المستخدمة في اختيار منسوبي التعليم وأخص بالذات المعلمين، مؤكدة على أنّ المعلم هو نقطة التماس بين الوزارة والشريحة المستهدفة خدميّاً وهم الطلاب والطالبات، داعية إلى إخضاع المعلم لمعايير عالية تقيّم توازنه الفكري، ومدى وسطيته، وقدرته على تعزيز مظاهر الانتماء والولاء، بالإضافة إلى تحصيله العلمي وقدراته التربويّة، لا سيّما أنّ المعلم في الواقع التربوي الذي نعيشه الآن في التعليم العام لديه مجالات واسعة في تشكيل ضمير الشباب وطريقة تفكير الأجيال الناشئة. وأشارت إلى أنّ خطاب خادم الحرمين الشريفين يعدّ نبراساً لابد وأن يستلهموا منه الكثير في مدى جديّة التعامل مع هذه القضية المفصليّة، وأعتقد جازمة أنّ مستوى الطموح والآمال لدى القيادات السياسية والتربوية في المملكة يفوق بمراحل الجهد المبذول من قبل التربويين في هذا الشأن؛ لذا نتطلع من أنفسنا أن نضاعف الجهود، ونواصل السير في سبيل التطوير في كافة جوانب العملية التربوية بهدف اجتثاث الإرهاب الفكري بمؤازاة الجهود المبذولة لتطوير التعليم بشكل عام. وسائل الإعلام وطالب الأستاذ "حمود الحماد" -المشرف التربوي المتقاعد بتعليم حائل-بوضع حدود ومعالم واضحة لمفهوم الإرهاب الذي أخذ بالتمدد طولاً وعرضًا، وأخشى أن يكون أداة لشق صف أبناء الوطن، من خلال إلصاق التهم بشكل عشوائي ضد كل من يختلف معك في الرأي؛ فيحدث الضرر على البعض دون مبرر واضح. وقال:"لا ننسي دور الإعلام في تبصير المجتمع واستضافة العلماء والمفكريين والتربويين للنهوض بفكر الأمة، وتوضيح المخاطر"، مشيراً إلى أن النصوص الشرعية مليئة بالرد على أصحاب الأفكار الضالة وفضح زيغهم وأكاذيبهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:"تركتكم علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك". احتواء الأفكار وكشف الأستاذ "حسين الفريدي" -مشرف التوعية الإسلامية بتعليم حائل-عن الجهود المبذولة حيال قضية الإرهاب الفكري، واصفاً إياها بأنها جهود لا بأس بها، خصوصاً البرامج والمسابقات التي تتم طيلة العام وكلها تصب في تعرية هذا الفكر ومحاربته. وقال:"يفترض إعادة النظر في البرامج التي طُبقت من قبل سواء من إدارة التوعية الإسلامية أو النشاط الطلابي بأسلوب أكثر جذباً وتنوعاً يغري الطالب في المتابعة والمشاركة"، مبيناً أن الإنفاق علي هذه البرامج بسخاء أمر ضروري، وتحديداً إقامة المعارض وتقديم الجوائز ونحوها. وأضاف:"يجب المبادرة إلى وضع خطط البحث عن الأساليب الناجحة لمعالجة هذه الظاهرة، كما ينبغي أن تتسع دائرة الإصلاح لمعالجة أوضاع الشباب وحفزهم للمشاركة في العمل الاجتماعي، وإعطائهم الفرص المناسبة للحياة الكريمة وتشغيلهم وتأهيلهم عبر مؤسسات رسمية أو خيرية، وملء فراغهم بالنافع والمفيد والأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب". تأهيل المعلمين وقال الأستاذ "عبدالهادي الشمري" -مشرف الإرشاد بتعليم حائل- إن الإرهاب الفكري هو استخدام السلطة المعنوية والمادية لفرض رأي واجبار الآخر علي سلوك يعتقد صاحبه أنه صائب، مشيراً إلى أن مدارسنا حاضنة لنسبة كبيرة من الشباب؛ الأمر الذي يتوجب أن يكون هناك وقفة جادة لتحصين هذه البيئة من المتطرفين والمتشددين، وحمايتهم من كافة مصادر الإرهاب التي تستهدف التأثير علي تماسك النسيج الاجتماعي. وأضاف أن هذا لن يتحقق إلاّ باختيار الجيد من المعلمين، والتأكد من سلامتهم الفكرية والسلوكية، مع ضرورة تأهيلهم، والاهتمام بدور المرشد الطلابي وإمداده بالأدوات التي تساعده علي أداء دوره علي الوجه المطلوب، وتمكينه من القدرة علي إدارة الحوارات التي تستهدف تنمية مهارات الطلاب الفكرية والسلوكية والتحصين الذاتي للطلاب، وضرورة أن ينتقل المعلم من ملقن وناقل للمعلومة إلى كونه مصمماً للبيئة التعليمية المثالية ومشاركاً في إنتاجها، إضافة إلى تفهم ظروف الطلاب والتعامل معهم كسلوك متغيّر، والعدل والانصاف بين الطلاب ومدّ جسور التعاون بين المؤسسة التعليمية وكافة الجهات ذات العلاقة؛ بهدف الإفادة وتنفيذ البرامج الحوارية التي ترفع من مستوي الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والقيام بالدور الصحيح، وأن يكونوا أعضاء صالحين بالمجتمع. تنسيق الجهود وأشار الأستاذ "ناصر البكر" -معلم في ابتدائية الخماشية بتعليم حائل- إلى أن مواجهة الإرهاب الفكري تتطلب وضع برامج جادة من أهم أهدافها، نبذ الفرقة، وتعزيز فرص العمل التطوعي الجماعي في شتى المجالات الاجتماعية والتي تنهض بنا نحو التقدم والرقي، والابتعاد عن سفاسف الأمور والأفكار الهدّامة، موضحاً أن رجال التربية فيهم الخير والبركة، فهم أهل خبرة وثقة وعمل جاد وصادق، وهو ما يضاعف من مسؤولياتهم تجاه تنفيذ تلك البرامج، داعياً إلى متابعة الطالب سلوكياً من حيث ميوله وتوجهاته وهواياته، والتنسيق مع بعض الجهات الحكومية خارج إطار التعليم لتعزيزها، وأن لا نقف صامتين تجاه تنامي الأفكار الضالة في المجتمع، بل يجب علينا تكريس الجهود والتعاون لكشف ومواجهة تلك الأفكار خدمة للدين والوطن. الأمن والتربية وأكد الأستاذ "نايف المهيلب" -معلم بابتدائية الإمام الشوكاني بقرية الشنان بتعليم حائل- أن من أهم عوامل نشوء الفكر المتطرف في أي مجتمع هي الظروف المحيطة به، والتي تحتاج إلى بحث مستفيض عن مسبباتها، ومنها الافتقار للوعي الثقافي وقلة النتاج الفكري الإيجابي الذي يتلقاه الطلاب في المدارس والمعاهد التعليمية والتربوية، مطالباً بترسيخ أصول الحوار والتجذير المعرفي وقبول الآراء الايجابية بين الناشئة. وقال:"لا تزال الكثير من مؤسساتنا التعليمية والتربوية بحاجة الى وضع مناهج علمية واضحة لتفعيل علاقات القطاعات الأمنية بالمؤسسات التعليمية، حيث لا يمكن الفصل بينهما، فرجل الأمن لا يستغني عن التربوي في تعزيز مظاهر الاعتدال في سلوك الناشئة للحد من العنف لديهم، والتربوي بحاجة إلى رجل الأمن في إظهار قوة المجتمع وتماسكه وانضباطه وسلامته، وبالتالي لا يمكن فصل تلك الجهود، ولا يمكن أن تكون بمعزلٍ أيضاً عن العنصر النسائي في مؤسسات التعليم". المرحلة الثانوية وطالبت الأستاذة "رقية الزامل" -مرشدة طلابية بالابتدائية الثالثة والثلاثين وعضو المجلس الاستشاري للمعلمين والمعلمات بحائل- بدور أكبر لوزارة التربية والتعليم تجاه التوعية بخطر الفكر المتشدد، خاصة في المرحلة الثانوية، من خلال إدراج مواضيع عن الإرهاب في المنهج الدراسي تأخذ جانب الوقاية والعلاج، وإعادة النظر في بعض المناشط وتغيير نمطها وتوجهها، كذلك دراسة وتقويم المرحلة الماضية وآلية التنفيذ، إضافة إلى انتقاء المعلم القدوة الصالح لهذه المرحلة، كما يجب إشراك الأسرة؛ فهي العنصر الأقوى في هذه العملية كون الابن بين يديها وتراقب توجهاته وزملائه ومع من يقترن به، خاصة الأكبر منه سناً وأماكن توجهه وغيرها من الأمور. تحصين التعليم وأوضح "عايد حبيب الشمري" -ولي أمر- أنه يجب علينا ايقاف الممارسات التي تغذي العنف والتطرف بين الناشئة، ولن يتم ايقافها إلاّ بتضافر الجهود الأمنية والتربوية والتعليمية معاً، مشيراً إلى أن تحصين التعليم وحفظ ابنائنا من الانضمام للجماعات المتطرفة واجب ديني ووطني لا نتخلى عنه. وقال إن خطاب خادم الحرمين الشريفين هو خير دليل على اهتمام ولاة الأمر بشبابنا، وتبصيرهم من خطر الأفكار والجماعات المتطرفة، داعياً إلى وضع استراتيجيات وخطط لمكافحة الإرهاب الفكري، خاصة داخل مدارسنا، مطالباً القيادات التعليمية مع بدء العام الدراسي الجديد إلى تحصين الشباب والشابات في المؤسسات التعليمية من الأفكار المنحرفة فكرياً وسلوكياً. مدارس لم تواكب متغيرات «النت و الإعلام الجديد» طالب الأستاذ "فهد الموكاء" -مدير إدارة التوجيه والإرشاد بحائل- بإعادة النظر في استراتيجيات وبرامج تعزيز الأمن الفكري في المدارس بما يتناسب مع متغيرات الإعلام الجديد، وعصر الإنترنت، وسرعة نقل المعلومات، والعالم الافتراضي الذي يعيشه الشباب من الجنسين على شبكات التواصل الاجتماعي، وما نتج عنه من تغيير لأفكار بعضهم وسلوكياتهم نحو العنف والتشدد والغلو في الدين، وهو ما انعكس سلباً على مجتمعهم. وقال إن الأسرة والمدرسة هما المحضنان الرئيسان لنمو النشء روحياً وفكرياً، فهما يؤديان دوراً متكاملاً لتعزيز القيم النبيلة والأخلاق الحميدة وتنمية المهارات والقدرات الفكرية والبدنية وصياغة فكر الناشئة، مشيراً إلى أننا مقبلون على عام دراسي جديد يتطلب الأخذ بجملة من الإجراءات التي تعزز من جهود محاربة الفكر المتطرف داخل مؤسساتنا التعليمية والتربوية، من خلال تكثيف الدراسات والبحوث والرصد والمتابعة من قبل المتخصصين لرسم استراتيجية مناسبة للعمل التربوي والتعليمي. وأضاف أن تعاون جميع القطاعات ذات العلاقة في بناء استراتيجيات وبرامج خاصة بالأمن الفكري سيعزز من انحسار الظاهرة مجتمعياً، مناشداً وزارات التربية والتعليم والداخلية والتعليم العالي، ورئاسة الإفتاء، ومراكز البحوث، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني إلى تبني استراتيجية عمل جديدة تواكب تداعيات ظاهرة الإرهاب الفكري، خاصة مع متغيرات الإعلام الجديد، إضافة إلى الاهتمام بالتثقيف الفكري للكادر التعليمي في المدارس، ومساعدتهم على دور أفضل وأجدى في تنشئة الطلاب، إلى جانب إعادة النظر في بعض المناهج الدراسية بما يتناسب مع متطلبات أمننا الفكري، وتطوير وتحديث مقرر التربية الوطنية، وتفعيل البرامج الإرشادية المعززة للأمن الفكري، ومنها برامج الإطار العام لرعاية السلوك وتقويمه في المدارس، والحد من المشكلات السلوكية لدى الناشئة، وتوظيف مضمون تلك البرامج ومخرجاتها في جانب الأمن الفكري للطلاب. وأشار إلى أن الانفتاح الإعلامي والتقني وتعدد مصادر المعلومات ساعدت بشكل كبير على سرعة الغزو العقدي والثقافي والفكري من أعداء الاسلام، موضحاً أن المهمة ليست سهلة، ولا يمكن أن تكون مستحيلة، ولكن المطلوب إرادة وطنية تحافظ على هذا الكيان موحداً متلاحماً عزيزاً بالله ثم بقادته. برامج وندوات متخصصة لكشف «الفكر الظلامي» دعت الأستاذة "بهية علي الحفظي" وزارة التربية والتعليم إلى عقد برامج متقدمة وندوات متخصصة مع بداية العام الدراسي الجديد؛ لكشف ما يتعمد المتأثرون بالفكر الظلامي تجاهله عن الإسلام، مثل قيم التسامح والوسطيّة، ونبذ العنف، ومبادئ الانتماء للوطن، والولاء لقادته، وإبراز دور الإسلام في حفظ الأنفس والأموال والأعراض والعقول، والأخلاق، بما يعزز من استقرار المجتمع وتماسكه. وقالت إنّ من أهم أسباب وجود بعض هذه الأفكار الضالة في نفوس الناشئة هو إيراد بعض المواضيع في المناهج الدراسيّة التي لا تتناسب مع أعمار الطلاب في التعليم العام، وتحتاج إلى مرحلة متقدّمة من النضوج الفكري لفهمها، وضعف الرقابة على المناهج الخفيّة التي قد تمرر عبر بعض المتأثرين بالفكر الضال، وذلك داخل الفصول الدراسية أو عبر الأنشطة اللاصفيّة، إضافة إلى إصرار بعض الأشخاص على ترسيخ مفهوم التبعيّة الفكريّة المطلقة على حساب مفهوم التقدير والاختيار الفردي، وعدم فهم الكثيرين أنّ مصادر المعلومات في العصر الحديث أصبحت كثيرة ومتعددة ومتاحة، مما يتطلب مستوى أعلى من المصداقيّة؛ حتى نستطيع التأثير في السلوك والتصرفات، إلى جانب عدم تقدير الطاقة والنشاط الفكري والجسدي لدى الطلاب في التعليم العام، وعدم إيجاد سبل مناسبة لتفريغ مجموع هذه الطاقة، والقصور الشديد في أساليب الحوار والتواصل بين الطلّاب والهيئة التربوية والتعليميّة. أين «فتنة الخوارج» من المناهج؟ أوضح الأستاذ "إبراهيم الجنيدي" -مدير إدارة الإعلام التربوي والمتحدث الرسمي للإدارة العامة للتربية والتعليم بحائل- أننا مازلنا في أول الطريق لبناء منظومة الأمن الفكري في المناهج التعليمية، كمفهوم يجب أن يتكرّس في أذهان الناشئة في وقت مبكر، وبالتأكيد علينا أن نستند على ما تمليه الثوابت الدينية، ثم بعد ذلك ما يترتب على استحقاقات المواطنة الحقيقية، مشيراً إلى اهتمام التربويين بشكل كبير بموضوع الأمن الفكري؛ لأن قطاعات التعليم هي الحاضن الأول لبذور الفكر الصحيح والقويم، ومتى ماحدث خلل في ذلك سينشئ الفكر الضال. وقال:"نحن بحاجة إلى إعادة صياغة العديد من المقررات الدراسية وتطويرها منها مادة التربية الوطنية؛ لتسهم في تعزيز الانتماء الوطني، إلى جانب تعزيز المواد الدينية، وتوضيح صورة الخوارج -وهذا أمر مهم للغاية- دينياً وتاريخياً وفكرياً بشكل أكبر للطلاب، على اعتبار أن هذه الفئة هي سبب الفتنة في كل زمان ومكان، ومصدر اختطاف الإسلام، وتضليل الشباب برفع الشعارات. وأضاف أن وضع الخطط التربوية لتجفيف منابع الفكر الضال، ليست بهذه السهولة والسرعة، موضحاً أنه قبل تطبيق الخطط العلمية لمواجهة الفكر الضال علينا تأهيل المعلمين والمعلمات وفقاً للمراحل الدراسية التي يدرّسون فيها، ومن ثم العمل على إعادة صياغة المقررات الدراسية لتتناسب مع المرحلة التي تعيشها السعودية من انتصارات لمكافحة الفكر الضال على مستوى وزارة الداخلية، موضحاً أن الحلول الوقتية البسيطة مفيدة لمعالجة الوضع، من خلال المعلمين ذوي العلم والدراية الذين يسعون منذ زمن طويل لمحاربة هذا الفكر الضال داخل القاعات المدرسية، مطالباً بتشكيل لجنة "تعزيز الأمن الفكري" في إدارات التعليم؛ لمواجهة هذا الفكر الضال وتجفيف منابعه، وتأهيل القائمين عليه. وأشار إلى أن الاحصائيات التي قدّمها بعض المتخصصين كشفت لنا أن 72 في المائة من المديرين والمعلمين لم يتلقوا دورات في الأمن الفكري، -وإذ كانت هذه الاحصائيات صحيحة-؛ فإن علينا واجباً كبيراً بالبدء بمشروع وطني مهم وحسّاس لتدريب القيادات التربوية على الأمن الفكري ومواجهة الفكر الضال، كما يجب أن يعرف الجميع أن القضايا التربوية قضايا جيلية، ونتائجها لا تظهر إلاّ بعد سنوات طويلة.