سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سلوك التدين في المجتمع.. شكلي «متناقض» ويخشى من التغيير! عشنا تحولات فكرية متشددة من زمن «إخوان من طاع الله» مروراً ب «جهيمان» و«الصحوة» وانتهاء بفكر الخوارج
الدين بثوابته ومبادئه وقيمه لا يقبل التشكيك أو التقليل أو حتى المزايدة، ولا يصح من عاقل مسلم أن ينال منه، أو الإساءة إليه؛ فهو دين الله الذي ارتضاه لعباده إيماناً واحتساباً، وطمعاً في رضوانه وجنته، ولكن التديّن كسلوك بشري لتطبيق تعاليم الدين هي التي تختلف من شخص إلى آخر؛ بحسب العقول والعواطف والمرجعيات الدينية والثقافية لكل زمان ومكان، وهذا الفارق بين الدين والتديّن جعلنا نراجع "مسيرة التديّن" في مجتمعنا والتحولات الفكرية التي واكبتها من زمن "إخوان من طاع الله" مروراً ب"جهيمان" و"الصحوة" وانتهاء بفكر الخوارج، إلى جانب العلاقة بين التديّن والنفاق، وتحديداً التمظهر بشكل الدين بينما النفس متناقضة بين ما تؤمن به وما تفعله خوفاً من الآخرين، وربما أسوأ من ذلك تضليلهم بالكذب والغش والخداع باسم الدين. لا شك أن مسيرة التدين في المجتمع كان لها جوانب إيجابية كثيرة، وتحديداً ما له علاقة بمنظومة القيم والأخلاق والتعامل داخل المجتمع، والتحصين الداخلي للفرد من الفتن، إلى جانب الإنتاج العلمي ومشروعات المؤسسات الخيرية، ولكن في الجانب السلبي أظهرت مسيرة التديّن في المجتمع خطاباً أممياً وليس وطنياً، وانتهت بنا إلى تقليديين ومتطرفين ومنقسمين بين تيارات وتصنيفات فكرية!. "ندوة الثلاثاء" تناقش هذا الأسبوع سلوك التديّن في المجتمع. «نقد الدين» من أجل النيل من ثوابته «خط أحمر» ولكن «مناقشة الدين» حق.. وننقد المتدين قبل غيره لأنّه يسيء للدين ولا يستحق القداسة لوازم واقتضاء في البداية أوضح "د. عيسى الغيث" أن بين التديّن والدين لوازم واقتضاء، نقول مثلاً يلزم من هذا الماء، بمعنى يلزم أنني أرتوي وأشرب من هذا الماء، لكن يقتضي أن يكون الماء في أداة معينة تحفظه وليس منساباً في الأرض، وبناءً على ذلك الدين يلزمنا نحن المسلمين أن نكون متدينين، ويقتضي كوننا مسلمين أيضاً أن نكون متدينين، مبيناً أن مصطلح النفاق مغاير لمصطلح التديّن، وهو أن يكون هناك تناقض بين النظرية والتطبيق، ذاكراً أنه إذا جئنا إلى تقسيم النفاق نجده الى نوعين؛ اعتقادي: وهذا لا يعلمه إلاّ الله، وعملي ولنا فيه أحاديث نبوية، ومن ذلك علامة المنافق ثلاث، وأربع في روايات أخرى؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، واذا عهد غدر، مشيراً إلى أنه بناء على ذلك نحن في مجتمعنا لدينا التديّن، ونفتخر أننا (100%) مسلمون بفضل الله، وأكثر من (95%) من طائفة واحدة، وبالتالي ينبغي أن يكون التديّن جامعاً بيننا، وليس مفرقاً. وقال إنّ هناك فرقا بين نقد الدين ومناقشته، فنقد الدين من أجل النيل من ثوابته هو خط أحمر، وأما مناقشة الدين هو حق، كما أنّ هناك فرقا بين نقد الدين ونقد المتدين، معتبراً أنّه يجب أن ننقد المتدين قبل أن ننقد غيره؛ لأنّه حينما يخطئ في أخلاقه وسلوكياته يسيء للدين، وبالتالي لا يعطي قداسة. د. الغيث: مسيرة التدين انتهت بنا إلى تقليديين ومتطرفين ومنقسمين بين تيارات وتصنيفات فكرية! تديّن شكلي وتساءل بعد أن تحدث عن المنطلقات: ما هو الواقع؟ وما هي الأسباب؟ وما هو العلاج؟ مضيفاً أن واقع تديننا يختلف بشكل كبير عن النظرية، وما يجب أن يكون عليه التديّن، إمّا أن يكون في طقوس، أو في أشكال بعيداً عن الأخلاقيات والسلوكيات، حتى إذا جئنا إلى علماء العقيدة وجدناهم يتحدثون في موضوع بين الخوارج والمرجئة، مبيناً أن التديّن السعودي كثيراً منه شكلي، وله علاقة بالطقوس، ويمكن أن أُعطي نموذجاً واحداً يقربنا إلى هذه الصورة، فالله عز وجل يقول: "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر"، على ذلك نجد الواحد منّا يمارس الصلاة لكنه لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر، وهذا دليل على أننا لم نمارس الصلاة بشكل حقيقي، ولا أقصد بذلك أن لا نصلي، أيضاً حينما ندرّس أو نقول في خطابنا الإعلامي والوعظي والأكاديمي فإن ما نقوله يختلف عمّا نمارسه غالباً، لافتاً إلى المسائل الفقهية الخلافية وهذا نوع من أنواع التديّن، مثل مسألة الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة، حيث تشمل قضايا المرأة -فضلاً عن مسائل الحرية وغيرها من الممارسات الشخصية التي يجب ألاّ يتدخل فيها أحد-؛ نجد أن ما ندرسه في جامعاتنا ويدرّسه علماؤنا في الجامعات -بمجرد ما نبدأ في تطبيقه- يقفون ضدنا، وهذا دليل على أن التديّن عندهم هو نسخة تقليدية لا تقبلّ التغيير. د. العقيل: نحن من هيأ شبابنا ليكون مختطفاً وسمحنا ل «موجة النقد» الجارح أن تنال من أمن وطننا ثالوث أسود وأضاف "د. عيسى الغيث" أن واقعية التديّن في مجتمعنا تستلزم مكافحة الثالوث الأسود، الأول: التقليدية -بمعنى التقليد-، حيث يكون التدين عبارة عن طقوس، مثل أن يكون ثوبه قصيرا، ومن دون عقال، وذو لحية، وعنده مسواك، أمّا أخلاقياته وسلوكياته وعلاقاته مع ربه فالمفترض أن تُبنى على المسامحة وعلاقاته مع العباد على المشاحاة، والضلع الثاني هو التطرف والغلو، حيث نجد لدينا تكريس لغة أن تكون متديناً بمعنى أن تكون متشدداً، وكلما حرّمت أكثر أصبحت في المجتمع متديناً أكثر، والضلع الثالث هو الحزبية، وتعني الحزبية التنظيمية الحركية، وقد تكون حزبية قبلية، أو أقليمية، أو طائفية، أو مذهبية. وأشار إلى أن التديّن في المجتمع السعودي عبارة عن تديّن شكلي له علاقة بالطقوس، وننظر إلى الأشكال، بل حتى ممارساتنا تكون شكلية، في حين أن الحرام والممنوع والعيب التي تشكّل هي الأخرى ثالوثاً آخر غائباً عن مجتمعاتنا، بمعنى أن المجتمع إذا جئنا له بموضوع التحريم نجده محرماً ومُجرّماً، مبيناً أن المجتمع يهتم بالعيب أكثر من المُحرم، ويهتم بالممنوع أكثر من المُحرم، في حين أنه يتظاهر بالاهتمام بالأمور الدينية أكثر، وأكبر دليل على ذلك نكتة لها مغزى وتقول: "لو وضعنا للمجتمع السعودي تصويتاً، هل تريد دولة مدنية أم دينية؟ لصوّت الأغلبية إلى دولة دينية، وراح يعيش في دولة مدنية"، متأسفاً على أن ذلك دليل على أن المجتمع لديه حالة انفصام بين تديّنه وواقعه، فكل ما نُريده أن نكون مسلمين حقاً وحقيقة. الخطاب الديني وذكر "د. عيسى الغيث" مثالاً آخر حول الخطاب الديني في المجتمع، حيث نجد التيار الإسلامي كلما أصبح الشخص فيه متشدداً أكثر ومغالياً؛ فإنه يصبح في النظرة الاجتماعية متديناً أكثر، والآخرون دينهم "نص، ونص"، مُشدداً على أهمية إعادة النظر في الموضوع، وأن نمارس النقد على أنفسنا، مبيناً أن هناك مثالا آخر عن النفاق؛ فالمتابع للخطاب الديني من بعض الرموز الدينية لدينا؛ سواءٌ في تغريداتهم ومقالاتهم وخطب الجمعة ومحاضراتهم ودروسهم كلها عن النفاق؟ حتى أعطوا المتلقي انطباعاً أن كل الناس منافقون إلاّ المتحدث مؤمن كامل الإيمان، متأسفاً على أن المختلف معنا نُصنفه بأنه منافق وليبرالي، مع أن الليبرالية في منشئها لا يلزم أن تكون مخالفة للإسلام (100%)، ناصحاً بأن ينظر الناس في البحث العلمي الذي وضعه "د. عبدالوهاب المسيري" في كتابه (العلمانية الكلية والجزئية)، فهذا يُعد البحث العلمي الموضوع البعيد عن العاطفة والمزايدات، ويوضح الفرق بين العلمانية الجزئية والكلية فما بالك بالليبرالية. وأضاف: البعض يقول ان الاعلاميين منافقون، ولو رجعنا إلى أصل التشريع الإسلامي والتديّن الحقيقي في عصر النبوة، نرى أن سيدنا "عمر بن الخطاب" -الفاروق- يأتي إلى "حذيفة بن اليمان" وهو حافظ سر رسول الله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم أسماء المنافقين، حتى جاءه الوحي وبلّغ "حذيفة"، فجاءه سيدنا "عمر" وسأله إلى نهاية القصة، مبيناً أننا نخرج من هذا بأمرين؛ الأول: أن "عمر بن الخطاب" لم يزك نفسه مثل ما يزكي الجماعات الحالية أنفسهم، بل شك في نفسه تورعاً، وهذا دليل على مزيد من الإيمان، الثاني: هو عدم المزايدة على الآخرين؛ إذ لا نجد أحداً من الصحابة قال: "إن فلاناً منافقاً"، أو "فلاناً نافق"، متأسفاً على أننا نجد من يكذب ويفجر في الخصومة، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وهؤلاء هم من نجد فيهم الصفات الأربع منطبقة عليهم، وهم من يسوقون للآخرين ويتهمونهم بالنفاق! د. الداود: متدينون ظنوا أن مواجهة التشدد تعني محاربة الدين ولذا اتهموا المجتمع بالفسق والتكفير قضية ثابتة وقال "أ. د. سليمان العقيل": إن التديّن أو الدين بشكل عام هو قضية ثابتة غير متحركة، ولها علاقة مباشرة بالإيمان بالله عز وجل، فالدين عند الله الإسلام، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى)، مضيفاً أن هذا إذاً هو محور الدين، لذلك نجد كل البشر كائناً من كان وفي أي مكان يعلم هذه القضية التي تعد جزءاً أساسياً من ذاكرة الإنسان التي يبحث عنها حينما يأتي إلى الواقع، مبيناً أن الذين تكلموا عن الدين أو ممن هم في بدايات كل الثقافات؛ كانوا يبحثون عن الطريق إلى الله؛ إذاً ما هو التديّن؟.. هل هو غريزة؟ هل هو فطرة؟ هل هو علاقة؟ ولماذا؟، لأن البحث في هذا الطريق هي من ضمن تكوين الانسان، والله تعالى أشهده على نفسه بقوله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى)، لذلك نجد أن كل البشر شهدوا على أنفسهم أن الله جل وعلا هو خالقهم، حيث بدأ البحث عن الله منذ أن خُلق الانسان وحتى نهاية الكون، مشيراً إلى أن التديّن ينقسم إلى قسمين: الأول: رحلة البحث عن الدين، وتحديداً عن الله عز وجل من خلال مراحل متعددة، الثاني: طقوس الدين، أي العلاقة بين الواقع والفكرة، ذاكراً أنه تحدث كثيرون عن المتدين المتحرر والمتشدد والوسطي، لماذا؟ لأن الفكرة هي فكرة الدين وعلاقتها بالواقع. وأضاف: من هنا نجد افتراق كثير من الناس في مسائل التديّن، فلو ذهبنا إلى القرى السعودية والبوادي أو في المناطق الثقافية المنعزلة البعيدة عن مناطق التواصل الثقافي والحضاري؛ نجد فيها نوعاً من التديّن، ذاكراً أن هناك علاقات بين الثقافات الأخرى من خلال نوع التلاقح الفكري والثقافي، مبيناً أنه وُجد بعض الطوائف اقتبست بعض الأفكار؛ لأنها تعيش في المناطق الحضارية ذات الصلة بينها وبين المجتمعات، إمّا عبر التواصل المكاني أو الزماني أو الفكري، مما أدى إلى نوع من الاقتباس، فتكونت لديها رؤية جديدة للنظرة إلى الدين وإلى نوعية التديّن والطريق له. د. النملة: الوازع الديني علاج نفسي ولكن مع «حوكمة العقل» بالوعي والانفتاح واحترام الرأي الآخر ثلاث فئات وأشار إلى أن الفئات الاجتماعية التي تعيش في مجتمعنا ثلاث؛ الأولى: منغلقة على نفسها عاشت واقعها الثقافي والجغرافي والاجتماعي المنعزل، وبالتالي تكونت لديها رؤية ومفهوم أن هذا هو الدين، وهذا ليس عيباً، إذ يدخل ضمن علاقة الواقع بالفكرة، مضيفاً أن الفئة الثانية هم المتدينون، حيث يرون أن هناك نقصاً في المعلومة، لذلك نجد مرجعياتهم خارج الوطن، والتي تبحث عن الدسائس في ثقافة المجتمع عبر التاريخ، ذاكراً أنه من هنا وجدنا العديد من النماذج التي تظهر علينا باسم الدين وتقاتلنا باسم الدين في حين نحمد الله أننا متدينون ونعيش في بلاد الاسلام والفطرة، لافتاً إلى الفئة الثالثة من النوع الذي يطرح على نفسه سؤالاً وله علاقة بفكرة التحرر والانسانية، فنجد المسيحي يعبد الله، كذلك هناك من يعبد النار ويعبد الشمس ويعبد القبر، ولو سألت أي شخص منهم وقلت له: "هل هذا إله؟"، رد مسرعاً بالنفي: "ليس إلهي، وإنما هي وسيلة إلى الله"! حالة إيجابية وتحدث "د. عبدالعزيز الداود" عن مفهوم الدين والتديّن، والفرق بينهما من مجتمع إلى آخر، قائلاً: في اعتقادي هناك ثلاثة مفاهيم ينبغي أن نفصل بينها وهي الدين والتديّن والمتدين، فالدين هو شرع الله تعالى، والتديّن حالة اجتماعية تظهر في زمن ثم تختفي ثم ترتفع مرة أخرى، أما المتدين فهو الذي يمارس المبادئ والمثل حسب فهمه، مضيفاً أن التديّن ظاهرة لها بداية ولها نهاية، ويُعد حالة إيجابية على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأسر والمجتمعات، مبيناً أن التديّن ليس موجة خاصة للمجتمع السعودي، ولا الإسلامي، بل يشمل كافة المجتمعات في الشرق والغرب، باعتبار أنه محفز وحافظ على المنزلقات، وأنه قيمة اجتماعية يحتاجها المجتمع في مكافحة المخدرات، وكذلك إقامة علاقات أسرية ممتازة للحفاظ من الفساد الخلقي والمالي، مشيراً إلى أنه من إيجابيات التديّن على مستوى الأفراد أنه أنتج جيلاً متميزاً علمياً، وعلى مستوى الأسرة نجد أن التديّن أعطاها في العصر الحاضر عناية ممتازة بحيث تعرف واجباتها الدينية والاجتماعية والعلمية، وعلى المستوى المجتمعي برهنت مسيرة التديّن أهمية إيجاد وجود مجتمع متماسك، حيث عزز منظومة القيم في المجتمع التي تمثلها الأجيال الحاضرة. إنجازات علمية وقال إن من إيجابيات التديّن الإنجازات العلمية، حيث حققت مسيرة التديّن إنجازات متمثّلة فيما نشهده ونقرأه في كثير من المؤلفات التي تحفل بها المكتبات، وتمخض عنها إنشاء مكتبات ومجامع للفقه، وهذا يُعد إنجازاً لمسيرة التديّن، مضيفاً أنه على المستوى التعليمي والتربوي فقد تم إنشاء جامعات وأقسام علمية، وكذلك اقتصاد إسلامي وإعلام إسلامي واجتماع إسلامي، وتم إنشاء جمعيات علمية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، مبيناً أنه على المستوى الاقتصادي طرحت مسيرة التديّن بدائل عن الربا مثل المصارف الاسلامية وبنوك إسلامية وغيرها، ذاكراً أنه على المستوى المجتمعي الخيري تم بناء مؤسسات خيرية كثيرة وجمعيات المساعدة على الزواج وهيئات عالمية إسلامية مثل رابطة العالم الإسلامي، الندوة العالمية للشباب الإسلامي والبنك الاسلامي للتنمية، مشيراً إلى أنه على المستوى الإعلامي تم اصدار مجلات تغطي العالم بلغات متعددة، ومواقع بحث علمي عبر الانترنت، إضافةً إلى إذاعات اسلامية ومحطات تلفزيونية، هذا باختصار مسيرة التديّن من الناحية الايجابية. صياغة التفكير وتحدث "د. عبدالرحمن النملة"، قائلاً: موضوع التديّن يُعد حيوياً في ظل ما نعيشه من صراعات مختلفة سواء على المستوى الفكري أو على مستوى الجماعات، مضيفاً أن الدراسات النفسية تزخر بربط الدين والتديّن بالحالات النفسية المختلفة، وهو ما يُعد سائداً ومألوفاً في الدراسات الغربية، مبيناً أنه قد يظن البعض أن حديثنا يقتصر فقط على المجتمعات الإسلامية، ذاكراً أن الباحث في العلوم النفسية يسعى إلى إيجاد أي تفسير للسلوك الإنساني، وفي الواقع اتضح لنا أن الدين هو أحد الضوابط العامة في السلوك البشري؛ لأن الدين فيه من المعايير والمبادئ والمثاليات والأشياء الكثيرة التي يُربط بها السلوك الإنساني، مؤكداً أن الصحة النفسية ارتبطت بالتديّن، حيث استخدم الوازع الديني في حالات العلاج النفسي، مشيراً إلى أن ما يهمنا في الطرح الحالي هو كيفية نشوء سلوك التديّن لدينا، ولا شك أن الدين أمر ثابت، أمّا التديّن فهو السلوك الفردي والاجتماعي، ومعلوم في الدراسات النفسية أن العمليات العقلية العليا التي تتوج بالتفكير والفكر هي نتاج للممارسات الاجتماعية والثقافية عبر سلسلة ممتدة من نمو المجتمع ونمو الفرد أيضاً. وأضاف أن تفكيرنا هو نتاج لهذه الممارسات الاجتماعية والثقافية التي كانت ولا تزال موجودة، حيث ساهمت بعض الأدوات في صياغة التفكير، سواء الأسرة، أو الإعلام، أو التربية، مما أدى إلى فهمنا للتدين بالصورة التي هي عليها الآن، مبيناً أن التديّن يتأثر بالمناخ السياسي السائد في أي مكان سواء في ذات البلد أو خارجه، خاصةً في ظل وجود وسائل التواصل الحالية، فالمناخ السياسي يعد احدى الأدوات الثقافية المهمة في التأثير والتغيير. ضحايا التشدد وتساءل "د. عبدالرحمن النملة": لماذا التشدد في مجتمعنا رغم أن أساس الدين هو التسامح؟ ولماذا اتجه البعض إلى المجتمعات الغربية وقدموا أنفسهم باعتبارهم يحملون الدين المتسامح ونحن نمثّل الدين المتشدد،؟ مُؤكداً أهمية تحليل القضية، ففي لحظة من اللحظات ارتفع منسوب التشدد ولم يستطع الفرد العادي أن يتكيّف معه، مما جعله يعيش شعوراً بالذنب، مبيناً أن مجتمعنا أنتج فئات من الشباب الذين يميلون إلى التشدد، ووقعوا ضحايا في يد من يوجههم توجيهات مختلفة، حتى أصبحنا نعيش واقعاً ظهر بسبب ذلك الفكر، متأسفاً على أن هؤلاء الشباب لم يجدوا ما يشبعهم من التشدد المحلي، فاتجهوا إلى من ينادون بإقامة الدولة الإسلامية، وهذا يعود إلى نزعة التفكير الأُممي بعيداً عن المعطى الوطني، مشيراً إلى أنه يقع اللوم في ذلك على السياقات الاجتماعية السائدة، وأدواتها من تربية وإعلام وغيرهما، حيث لم يكن هناك تأصيل لمفهوم الوطن في السياق الثقافي لدينا منذ الصغر، ولم يتم تثبيت مفهوم الوطنية إلاّ لاحقاً وبطريقة غير متأصلة. التحولات الفكرية وعن التحولات الفكرية للتديّن ومسيرته في المجتمع من زمن "إخوان من طاع الله" مروراً ب"جهيمان" و"الصحوة"، وانتهاء بفكر الخوارج، أوضح "د. عبدالعزيز الداوود"، قائلاً: "التحولات الفكرية في الجانب السني أدت إلى التشظي، وزاد هذا التشظي بعد مكافحتنا القوية للإرهاب، والتفسيق، والغلو، ولكن لم ننتبه إلى حماية مسيرة التديّن، حيث نواجه -ما نراه الآن- من تراشق وتصنيف للمجتمع فكرياً، مثل: هذا إخواني، وهذا سروري، وهذا جامي"، مشيراً إلى أنّ محاربتنا للغلو والتشدد جاء على حساب دعم مسيرة التديّن في المجتمع، ولذلك ظنّ الشاب الناشئ أنّ الناس كلهم لا يريدون الدين، وأصبح يتهم المجتمع بالفسق والتكفير. توصيف لا تصنيف وعلّق "د. عيسى الغيث" على ما ذكره "د. عبدالعزيز الداوود"، مبيّناً أنّ الحديث عن هذا الموضوع قد يطول، ولكن هناك فرق بين التوصيف والتصنيف، وبكل تأكيد حينما تتحدث عن المجتمع السعودي ونقول انّه مكون من (140) قبيلة و(13) منطقة، وأنّ هناك طوائف وجماعات إنما نحن نصف الواقع ولا نصنّفه، موضحاً أنّه يجب أن يكون الوصف عاماً ووفقاً للسنّة وليس وفقاً للتخصيص أو التعيين، وبالتالي ليس عيباً أن يتعرّف المجتمع على سر بعض الأمور. وأضاف أنّه إذا أردت أن تعرف شيئاً عن جريمة "الدالوة" ومن أين جاءت؛ فالمطلوب أن تكون خبيراً في الحركات الإسلامية والجماعات السرية والتنظيمية، ولا يمكن أن تُكتشف الجريمة البشعة خلال ساعات من تنفيذ العملية إلاّ حين نكون واقعيين في وصف مكونات المجتمع، ومؤمنين أنّ الحل العلمي والعادل والمتسامح هو أن نصف الواقع، ونعرف حقائق مكونات المجتمع دون أن نصنّف ونقول "فلان فيه كذا"، حيث انّ المجتمع فيه إخواني، وسروري، وتبليغي، وتحريري، وفيه ما يقال انّه جامي، بمعنى أنّ أي شخص يدافع عن الدولة يتهم أنّه جامي! رغم أنّ الجامية نوعان: نوع من المنهج السلفي، ويدافع عن ولي الأمر دون أن يعتدي على الآخرين، ونوع آخر من المسيئين يزايدون على الآخرين، لافتاً إلى أنّ هناك مكونات في المجتمع تملك أجندة، وضمن تنظيمات قوية تستطيع بضغطة زر أن تحرك حملة ضد أي شخص، مطالباً بالمكاشفة بكل شفافية، وعدم وصف شخص دون دليل. نقد ذاتي وتداخل "أ. د. سليمان العقيل"، موضحاً أنّ التحولات الفكرية أو أي قضية من قضايا المجتمع تقرأ من خلال مستويين: مستوى "ماكرو" ومستوى "ميكرو"، المستوى "ميكرو" هي نماذج صغيرة نتكلم عنها، وهذه النماذج الصغيرة قد تنطبق هنا وقد لا تنطبق هناك، معتبراً أنّ التحولات في القضايا الفكرية مرتبطة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وبالانفتاح على الثقافات الأخرى. وأضاف أنّ هناك الكثير من المدخلات على المجتمع، أهمها قضية نقدنا الذاتي من دون تقديم البديل، حيث نتكلم عن أنفسنا بأننا منافقون، ومتشددون، ومتناقضون، ولا نملك شيئاً في هذه الدنيا، متسائلاً: إذاً ماذا بقي لشبابنا؟ ومن يسمعنا ماذا سيقول عنّا؟ وهل لديه احترام للمجتمع ولرموزه؟ لافتاً إلى أنّ هناك مؤسسات كثيرة اشتركت في ذلك، مثل المؤسسات الاجتماعية الرسمية التي لم تساعد المجتمع على تخطي هذه المرحلة، منوهاً بأنّ المجتمع في مرحلة تحول بين واقع وواقع، ويعيش حالة انعدام التوازن، هذا على مستوى "الماكرو" في التحليل وقراءة المجتمع، أما على مستوى "الميكرو" فالنماذج متناقضة، كما تجد مجموعة من الشباب المنحرفين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، نجد كذلك هناك طابور هائل كبير جداً من المجتمع يقدس المجتمع، ويحب رموزه، سواءً الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والدينية، وغيرها. حوكمة العقل فيما رأى "د. عبدالرحمن النملة" أنّ التحولات الفكرية على مستوى الفرد أمر طبيعي، حيث يتأثر الإنسان في فترة من فترات نموه العقلي، والفكر بمتغيرات سائدة سياسية، أو دينية، أو اجتماعية أو ثقافية قد يؤمن في يوم من الأيام بفكر معين، وفي فترة عمرية معينة، ثم لا يلبث أن يغيره، سواءً ذاتياً أو بمؤثر خارجي، منوهاً بأنّ الأهم أن يتم بناء على الحوكمة العقلية، بأن اسأل وأتساءل، معتبراً أنّه هنا يبرز دور المؤسسات المجتمعية بأن تساعد الشاب، حيث يحاكم نفسه والمذهب الذي يعتنقه فكرياً، خصوصاً وأنّ المجتمع يساعد على أن يشعر الشخص بأنّه أحادي الطيف، بينما الواقع يختلف، والإنسان يؤثر ويتأثر، وليس من السهل أن تفصل الإنسان من مناخه السياسي السائد، وهناك أشخاص تعرفهم مروا بهذه التحولات، ومنهم من تعذب نفسياً من أجل التخلص من فكر إلى فكر آخر، معتبراً أنّه ضمن السياق الاجتماعي الصحي والعادي ليست هناك مشكلة في أن يتحول الإنسان فكرياً، وإنما المشكلة تكمن في الصراع الفكري وفرض الرأي والرأي المخالف، مطالباً بأن يكون دور الحكومات والدول أن تظهر ذلك في العلن، وأن يتم حوار ومناظرات في المجتمع دون فرض، وأن تكون هناك قناعة بوجود هذه التغيرات. وعلّق الزميل "عبدالرحمن الناصر" على ما ذكره "د. عبدالرحمن النملة"؛ قائلاً: "أعتقد أنّ بداية التحولات الفكرية ليست جديدة؛ بسبب دخول التقنية الحديثة، ولكن هناك اضطراب نفسي في المجتمع حينما نجده يحرم الشيء وهو يفعله"، متسائلاً: ما دور المساجد في هذه الناحية من حيث إصلاح ما أفسده السابقون؟ وأجاب "د. عبدالرحمن النملة"؛ موضحاً أنّ نظرته للأمر على مستوى الفرد ليست أمراً مقلقاً؛ لأنّ ذلك من طبيعة الإنسان بشكل عام، وهذا ليس لدينا فقط، بل في جميع المجتمعات، خاصةً الغربية، حيث تجد شخصاً كان إلى اليمين أقرب ثم تحول إلى اليسار، مطالباً بأن نبتعد في المجالات التربوية عن المبالغة في التلقين، وتربية الشخص على المفهوم العقلاني المناسب، وليس المخالف حتى يتم قبول الفكرة عن قناعة تامة. ثقافة مجتمع وتساءل الزميل "علي الموسى" عن مدى استغلال البعض للدين والتصنيفات الفكرية من أجل المحافظة على مكانتهم الاجتماعية؟ وأجاب "أ. د. سليمان العقيل"، موضحاً أنّ الدين له قيمة في حياة المجتمع، وأنّ من ارتبط بالدين أعطاه الدين أو التديّن نوعاً من المكانة الاجتماعية، فهذا من ثقافة المجتمع وعمقه التاريخي، مضيفاً: "أعطني أحد القيادات الفكرية أو الثقافية ينقد الدين بشكل مباشر؟ ليس هناك أحد يفعل ذلك؛ لأنّه حينما ينقده مباشرة يفقد قيمته كفعالية اجتماعية، حيث أنّ المجتمع قائم على أساس الدين الإسلامي، وتم توحيده بكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن خرج عن ذلك أصبح شاذاً"، معتبراً أنّ التصنيف هو التخريب، وفي أصله في اللاوعي عند المجتمع هو محاولة إفراز قيادات اجتماعية جديدة لقيادة المجتمع. ورأى "د. عيسى الغيث"، أنّ التصنيف لم يكن منشأه بالأساس في المملكة، معتبراً أنّه جاء كرد فعل لتصنيف الآخر، حيث كان المجتمع في الماضي فطرياً، معتدلاً، متسامحاً، وحتى في حالة التشدد كان يمارسه؛ لأنّه مخالف للعادات، وليس إضافة المشروعية على التحريم، فمثلاً يمكن أن تسمى الدراجة الهوائية "حصان إبليس"، ويأخذ الرخصة من الهيئة وليس من المرور، إذاً نلاحظ التحريم بالنظر إلى المستوى العقلي والعادات، لافتاً إلى أنّ مشكلة الحركة الإسلامية حينما ظهرت لم تأت لمكافحة هذه السلبية، بل جاءت لاضافة المشروعية الدينية على هذه السلبية، فبدلاً من أن تكون رهاناً لمصلحة المجتمع ودعمه في التحولات نحو الفكر المتقدم، إذ بها تؤصل ذلك الأمر. وقال إنّ الذين جاءوا بهذا الفكر هم الطائفة السنّية من جمهورية مصر، أو من سورية، وهم جميعاً "إخوان"، أما الطائفة الشيعية لدينا كانت في السابق عبارة عن انتماء عقدي بعيداً عن الأجندات، ففي الاحساء كان هناك تسامح كبير، وتزاوج، وتداخل، وكذلك في القطيف -إلى حد ما-، وعندما جاءت الثورة الخمينية بدأت حينئذ التنظيمات والحركات تصدر الثورة، مثلما جاءت الصحوة -مع فارق كبير بين الأمرين-، إذ جاءت الصحوة بأمور ايجابية مع وجود بعض الملاحظات عليها، حيث أنّ الصحوة مشكلتها تكمن في أنّها لم تأت من أجل النظر في الجانب الايجابي بالمجتمع، أو تدخل في هذا الجانب وتنميه، وإنما جعلت نفسها خياراً بديلاً. وأضاف أنّ القنوات الإسلامية، والتسجيلات الإسلامية، والمواقع الإسلامية، وربط العالم الإسلامي، كلها شيء إيجابي، ولكن حينما تسعى إلى ترسيخ هذا العمل في جميع التخصصات وتجعله كأنّه مخالف للطرف فإنك تعطي انطباعاً أحياناً بأنّ عملك هو الطريق الإسلامي، وذاك ليس طريقاً إسلامياً؛ مما أوجد بيئة تصادمية بين هذين الأمرين، مستشهداً بدولتي "ماليزيا" و"تركيا"، باعتبارهما نموذجين إسلاميين يفرح بهما الجميع، إذ نجد أنّ الجميع دخل المجتمع وأعطى الانطباع الإسلامي المعتدل، متسائلاً: لماذا أصحاب الأفكار لدينا لا يستنسخون مثل تلك الأفكار الايجابية وتلافي سلبياتها؟ أفيون الشعوب وتداخل الزميل "عادي الشمري"، متسائلاً عن وجود جانب سياسي للتدين في المملكة منذ البداية إلى مرحلة ظهور الحركات الجديدة، إلى جانب العودة إلى التديّن من أجل حفظ ماء الوجه وإعادة الوجاهة الاجتماعية؟ وأجاب "د. عبدالرحمن النملة"، موضحاً أنّ السياسة لها دور كبير في مستوى التديّن، وتغذية التديّن، واستخدامه كوسيلة، وفي الوقت ذاته نجد أنّ التديّن محرك أساسي في كثير من السياسات، حتى لو كان الأمر ضده، مثل المجتمعات الشيوعية التي مارست دور إلغاء الدين على اعتباره "أفيون الشعوب"، فإنّ منطلقهم أيضاً هو منطلق ديني، ولا بد أن نعترف بأنّ التديّن كمنتج فردي أو مجتمعي وثقافي متأثر جداً بالمناخات السياسية السائدة. وأضاف إنّ بعض المشايخ والدعاة كانوا ينظرون إلى أنفسهم كأنّهم نجوم في المجالات الرياضية والفنية والإعلامية، ولهم تأثير كبير على المجتمع، ومرغوب فيهم؛ لما لديهم من قبول اجتماعي، ولعلكم ترون أنّ المجتمع لدينا ما زال يقدم الشيخ والمتفقه في الدين في المجلس على غيره من الناس، وأنّ له أهمية اجتماعية يجب علينا احترامها. تحول «الانتكاسة النفسية» إلى تديّن ثم إلى قتال..! قال الزميل "عماد العباد": قد يمر على الإنسان أحياناً انتكاسات نفسية من قلق أو نوبات اكتئاب، وهذه الانتكاسات تفقد الإنسان إمكانية السيطرة على حياته، وبالتالي يفزع الكثير منهم فجأة إلى التديّن كوسيلة للخلاص والبحث عن الأمان، وبعضهم يقف عند هذا الحد، والآخر يذهب إلى مدى أبعد، حيث يذهب إلى جبهات القتال بحثاً عن التخلص من حياته بطريقة شرعية -من وجهة نظره أو من وجهة من غرر به-، متسائلاً: ما مدى جهود المؤسسات العامة مثل المدارس والجامعات في الالتفات إلى هذه الانتكاسات التي يمرّ بها الشباب؟. وأجاب "د. عبدالرحمن النملة"، قائلاً:"الإنسان العادي حينما يصاب بقلق وبهموم وخوف يلجأ إلى الدين سعياً للشعور بالأمان وإعادة التوازن والتكيّف، وهو أمر جيد وموجود في مجتمعنا وبعض المجتمعات الأخرى"، مضيفاً أن ذلك يعد شيئاً أساسياً في الصحة النفسية، مبيناً أن مجمل الشباب يمكن تصنيفهم على هذه الحالة، لكنهم قد يشعرون أنهم لم يقدّموا شيئاً للدين؛ مما يدفعهم إلى البحث عن الجهاد؛ لأن مثل هؤلاء لا يعترفون بمفهوم الدولة، ذاكراً أن تفكيك البنية الفكرية لا يتوقف على الفرد نفسه، وإنما يحتاج إلى المجتمع ككل، لافتاً إلى أننا بحاجة إلى إيجاد نموذج فكري يساعد تلك المؤسسات سواء المجتمعات أو المدارس أو بعض الهيئات دون الحاجة إلى اجتهادات وفتاوى من هنا وهناك. وتداخل "أ. د. سليمان العقيل"، مؤكداً على أن العلاج في رأيي لمثل هذه الظواهر المجتمعية كان فردياً وليس جماعياً، ومن هنا كانت الانتكاسة متوقعة لما هو أسوأ في كثير من الشباب. ضيوف الندوة «من اليمين»: د. عبدالعزيز آل داود، د. عيسى الغيث، د. سليمان العقيل، د. عبدالرحمن النملة ظاهرة اختطاف العقول باسم الدين.. صراع بين الأيدلوجية والأجندة والبحث عن البديل تساءل الزميل "د. أحمد الجميعة" عن ظاهرة اختطاف العقول باسم الدين، وأجاب "د.عبدالعزيز الداود"، مبيناً أنّ هذه حالة تاريخية أزلية وليست مقصورة علينا، ولكنها الآن أكثر وضوحاً؛ بسبب شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبحنا نرى الكثير من الشباب الذين ذهبوا إلى الاقتتال بمسمى الجهاد في العراق أو سوريا أو مناطق الصراع، متسائلاً: ما الذي حوّل عقول هؤلاء الشباب أن يتوجهوا إلى المناطق الشائكة إلاّ رغبات فكرية في نفوسهم؟، لافتاً إلى أنّ ظاهرة اختطاف العقول يجب أن ترصد لها مشروعاً وطنياً، لا معالجات وقتية، ولا جلسات فكرية يسيرة للمقبوض عليهم داخل السجون، بل لابد من مشروع وطني يحمل تصورات منهج المملكة، باعتبارها بلداً راعياً للمقدسات، مضيفاً: "للأسف الشديد قبل سنة أو سنتين أصبحنا نناقش قضايا القيم الوطنية، حيث لم تكن هذه القيم موجودة في السابق ضمن رصيدنا الثقافي، والآن أصبح أمراً ضرورياً أن نطرح مشروع القيم الوطنية بقوة، حتى نضع منظومة القيم الوطنية لحماية شبابنا من الانفلات". ولفت "د. عيسى الغيث" إلى أنّ هناك فرقاً بين الايدلوجية والأجندة، وأنّ المشكلة تكمن في استغلال الايدولوجية عبر اختطاف ليس فقط العقول، بل الأرواح، والأعراض، والأموال، وحتى الدين لمصالح أجندات، إما شخصية لمزيد من الشهرة والمصالح المادية، أو بناء على أجندات جماعية على هذا النحو، موضحاً أنّ هناك من يدّعون خدمة الإسلام ولكنهم في الحقيقة يستخدمونه، مستغلين الوضع الاجتماعي، حيث أصبح المجتمع يميل إلى التديّن بالفطرة، والتربية، والتاريخ، وجاء هؤلاء ليدغدغوا مشاعرهم، منوهاً بأنّ الله -عزّ وجل- قال في محكم تنزيله: "عبس وتولى"، وهو يخاطب رسوله، بل يعاتبه أمام من أُرسل إليهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، لماذا؟ ليربينا على أنّ العصمة هي فيما يبلغه عن ربه، حتى لو أخطأ، فلا يتحمل المُرسِل خطأ المُرسَل. ورأى "أ. د. سليمان العقيل" أنّه ليس هناك شيء اسمه اختطاف العقول، وإنما هناك اختطاف للإنسان، واختطاف للشباب بكل ما يملك، ثم اختطافهم بلحمهم، وشحمهم، وسلوكهم، وذلك نسبة لعدة قضايا منها: التسطيح للمجتمع بكل محتوياته، فحينما ننقد المجتمع علناً فإننا ننقد ونعي ما نقول، ولكن المستمع لا يدرك عمق ما تقول، وبالتالي يعطي انطباعاً سلبياً على أننا في مجتمع لا خير فيه، مستشهداً بما قاله "د. عيسى الغيث" أنّه جمع حوالي (100) مسألة كانت حراماً ثم أصبحت حلالاً، معتبراً أنّ هذه لها قراءة اجتماعية وهو أنّ من كانوا يحرمون تلك المسائل كانوا متوافقين على ما يقولون، ثم عند تحول المجتمع تبدلت الرؤى وأصبحت هناك مجموعة من المعطيات؛ مما جعلهم يتخلون عن تحريم تلك القضايا. وأضاف أنّ من ذلك جعل الشباب يبحث عن البديل، مستشهداً بأحد البرامج الفضائية الرمضانية التي رمت بتاريخنا في سلة المهملات، وجعلت دولاً أخرى أفضل في كل شيء، منوهاً بأنّه لا يشك بأنّ ما فعله شيء صحيح، ولكن هناك رسالة خاطئة وصلت للناس من هذا البرنامج، محذراً من الانفتاح والحرية غير المنضبطة تجاه نقد القضايا المجتمعية، حيث هناك انفتاح على العالم بشكل غير مسبوق وحرية غير منضبطة، ونراها في شبكات التواصل الاجتماعية، إلى جانب التقليل من شأن المجتمع؛ إذ صرنا ننقد مجتمعنا في كل مكان، ونجلد ذواتنا جلداً شديداً، ونقول عن أنفسنا أسوأ مما يقوله أعداؤنا علينا، مشيراً إلى أنّ المؤسف أنّ المؤسسات الرسمية في وادٍ، والمجتمع في وادٍ آخر، والمثقفين في وادٍ ثالث، والذين ينادون بالتجديد في وادٍ رابع، متسائلاً: من الضحية؟، مجيباً بأنهم الشباب الذين أصبحوا فريسة للاختطاف؛ إذاً نحن بجميع مؤسساتنا نهيئ شبابنا لأن يكونوا مختطفين!. وشدد "د. عبدالرحمن النملة" على أنّ التديّن له جوانب معرفية ووجدانية وعاطفية، ثم تترجم إلى سلوك، معتبراً أنّ مشكلتنا في الجانب العاطفي الانفعالي، حيث نجد أنّ البعض لديه عاطفة دينية شديدة، ولكن في الجانب العقلي ليس لديه المحصول الفكري الديني الذي يميزه ويجعله راسخاً؛ لذلك نجده سهل الاختطاف فكرياً، وعقلياً، ويسهل ترسيخ الفكر الأممي في عقله!، لافتاً إلى أنّ السياق الاجتماعي هو سياق ديني للجميع، مضيفاً: "أرى أنّ النساء أكثر تشدداً في الدين من الرجال، حتى لو كان عدد الملحدات أكثر من الرجال!، ولعلكم تذكرون من ينادون بتحرير المرأة السعودية، فليس من الصالح إذا تم تحرير المرأة السعودية، حيث سيصبح المجتمع أكثر تشدداً، والمرأة هي التي تتولى تربية الأجيال من الشباب، وقابليته بأن يختطف عقلياً أكثر!". المشاركون في الندوة أ.د. سليمان العقيل أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة الملك سعود د. عيسى الغيث عضو مجلس الشورى د. عبدالرحمن النملة أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبدالعزيز آل داود باحث في قضايا الأمن الفكري والإعلام خطر «موجة الإلحاد» بين جيل لم يجد أجوبة وحطمناه بالسكوت.. ثم جعلناه تقليدياً كشف الزميل "إبراهيم الوافي" عن ما هو مسكوت عنه في المجتمع، وتحديداً موجة الالحاد التي نكاد نلمسها بين بعض الشباب من الجنسين في شبكات التواصل الاجتماعي، متسائلاً: كيف يمكن أن نقاوم هذه الموجة في ظل هذا الانفتاح الفكري العام؟. وأجاب "د. عيسى الغيث"، قائلاً:"نعم لدينا موجة إلحاد في المجتمع، ولا يُفترض السكوت عنها، وهناك آلاف من الشباب والفتيات انخرطوا في هذه الموجة بلا دين"، مؤكداً على أن الأمر أكبر من مجرد موجة، وأن العدد كبير، خاصةً في الجانب النسائي. وقال إن سبب انتشار مثل هذه الموجة يعود إلى أمرين؛ الأول: الجهل، والثاني: رد الفعل، ذاكراً أنه إذا جئنا إلى الجهل يحتم علينا أن ننظر في طريقة تربيتنا وتعليمنا وثقافتنا التي تُبنى على الحفظ دون الفهم، والتطبيق دون السؤال، ذاكراً أن الطفل يولد بميول فطرية متوافقة مع السنة الشرعية، لكنه بطريقتنا التربوية نحطم السنة الكونية الموجودة فيه، وهو روح التساؤل الذي يجعله تقليدياً ويعيش بقية حياته مقلداً دون اقتناع، بل ويصبح إسلامه إجباراً وليس اختياراً، ودون أن يكون لديه قناعة، وبالتالي حين تأتيه أي موجه تحرك أساس إيمانه لا يجد أجوبة؛ لأننا في الأصل حطمناه وجعلناه تقليدياً، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالسبب الثاني وهو رد الفعل لا سيما لدى فئة النساء، وذلك بالنظر إلى ما يحصل تجاههن أو ما يحصل تجاه الشباب، والمقصود بذلك أن الله عز وجل خلق هذا الإنسان سواء الرجل أو المرأة ولديه حاجات ورغبات، وإذا لم يعط حقه في ممارسة هذه الحاجات بشكل شرعي؛ فإنه سينتكس على هذه الثوابت. وأضاف أنه لابد من الانطلاق في العلاج من الحديث النبوي الشريف الذي يصف المشكلة ويقدّم الحل: "يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا"، ولو أخذنا أول الجملة يسّر ولا تعسّر، وبشّر ولا تنفّر فحينما تيسّر فأنت تبشّر، وحينما تعسّر فأنت تنفّر، مضيفاً الجيل الجديد يعيش بفكر مختلف عن الجيل السابق؛ لأن الجيل الماضي لم يكن يعرف التلفاز ولا الطائرات، ناهيك عن وسائل الاتصال الحديثة مثل "الانترنت" و"تويتر"، وحينما يأتي للتساؤل يواجه مرة بالتحريم ومرة بالتجريم ومرة بالعيب، وكرد فعل على هذا الأمر أصبح لا يجد حلاً إلاّ أن يترك هذا الدين ويذهب إلى دين آخر، في حين أن المشكلة ليست في الدين، وإنما المشكلة في تدينه الذي لم يكن على مستوى هذا الدين، مبيناً أنه بعد فترة لا يجد إجابات مما يجعله يتصل على أحد من الشيوخ ويرد عليه بقوله: "إتق الله لا تدخل في هذه المسائل"، ويتصل على آخر ويأتيه الرد كذلك بقوله: "هذه مسائل مشكوك فيها، ولا يسأل فيها إلاّ شخص في إيمانه ضعف"، وفي آخر المطاف يصل إلى مرحلة الإلحاد، حيث يؤمن بالربوبية ولا يؤمن بالألوهية، مشيراً إلى أن هناك أعداداً كبيرة تواصل معهم من الجنسين والحمد لله أن منهم عاد إلى الإيمان، حيث أعطيناهم تصوراً حقيقياً عن الحياة؛ لأن الله الذي خلق السنة الكونية أعطى سنة شرعية تتعامل مع هذا الأمر، ذاكراً أنه لو انطلقنا من قوله تعالى: "أحلّ الله البيع وحرّم الربا"؛ لوجدنا أن المنهج الرباني لا يحرم إلاّ إذا وضع بديلاً في المجتمع. وتداخل "أ. د. سليمان العقيل"، مبيّناً أنّه في جيله كان هناك أناس عندهم مجموعة من التساؤلات الكبرى ولكنهم يسألون من؟ حيث كانوا يرون أنّ فكرتهم وسؤالهم أكبر من هؤلاء العلماء، ولذلك كانوا يكتبون أسئلتهم؛ مما جعل تلك الأسئلة تخرج في شكل سلوك منحرف، وليس فكراً منحرفاً، والآن بعد الانفتاح الكبير على المجتمعات الأخرى صار هناك الكثير من الأدوات التي يستطيع أن يعبّر بها الإنسان عن ذاته، وبالتالي لا يستطيع أن يرفع صوته بما لا يستطيع أن يرفعه أمام أحد، ولكنه يستطيع أن يرفع صوته أمام النت، ويكتب ما يريد أن يقول؛ لأنّه لا يملك غيرها. 100 مسألة كانت محرمة وأصبحت اليوم حلالاً.. لأن العقل تغيّر! أوضح «د. عيسى الغيث» أنّ الكثير من الممارسات في التديّن هي أمور تقليدية بعيدة عن كثير من القناعات، معتبراً أنّ المشكلة في الأعمار التي ضاعت في ممانعات عبثية عبر دورة زمنية كانت تطول، وأصبحت قصيرة؛ بسبب أنّ كل شيء يأتي جديداً في مصلحة الدين والدنيا يمر على جمرك المحرم أولاً. وأضاف «لدي مشروع جمعت فيه قبل عدة سنوات أكثر من (100) مسألة كانت محرمة، وأصبحت الآن مباحة، فمثلاً العنب في بلاد يعصرونه خمراً يحرم، وفي بلاد يأكلونه حلالا، أنا لا أقول إنّ الحكم تغيّر لأنّ المعطى تغيّر، بل لأنّ العقل تغيّر، وليس الواقع هو الذي تغيّر»، مشيراً إلى أنّ هذا الواقع الذي نعيشه وما زلنا إلى الآن نحكم على كل شيء يأتي جديداً أنّه محرم، وفي السابق كنّا نجلس عشر سنوات حتى يصير الحرام حلالاً، والآن مع الدورة الزمنية السريعة تغيرت الأمور، متسائلاً: إلى متى سوف نمر على هذه البوابة ونحرّم كل شيء رغم أنّ الأصل هو الاباحة؟. وتساءل الزميل «راشد السكران» في هذا الخصوص عن تأثير المكان في تديّن الفرد؟، وأجاب «د. عيسى الغيث»، موضحاً أنّ هذا السؤال له علاقة بدراسات ومسوحات واقعية، مبيّناً أنّ الجواب يجعلنا نركز على أهم مكانين هما مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، حيث نجد التديّن فيهما وسطياً ومعتدلاً ومتسامحاً، وهذا دليل على أنّ من يأتي متديناً من أماكن أخرى وهو أكثر محافظة من هذين المكانين فإنّ ذلك مزايدة!. خطاب المتدين لا يزال أُممياً وليس وطنياً..! أوضح "د. عبدالعزيز الداود" أن من سلبيات مسيرة التديّن في المجتمع السعودي العجز عن إيجاد منظومة قيم وطنية، مشيراً إلى أن خطاب التديّن لدينا يُعد أُممياً، وليس له علاقة بالوطن، مؤكداً على أنه لا يوجد مشروع وطني لمسيرة التديّن. وقال إن المتديّن لا يكترث بالشأن الوطني قدر اهتمامه بقضايا الأمة كافة، وهذا منشأه التربية التي تلقاها، أو المحاضن التربوية سواء المدرسة أو الجامعة أو المسجد أو خارجه، لافتاً إلى أنه يبرز في تصريحات المتدينين أن هناك خروجاً عن الأدب الشرعي، كما تبرز العاطفة الجامحة في البرامج الحوارية التلفزيونية المباشرة في الفضائيات ومجالات النقد الاجتماعي واتباع المسلك الاتهامي المتوتر نحو تصعيد المواقف والحشد النفسي، وتكثيف الجانب المظلم سواء الموجه نحو وسيلة إعلامية أو مؤسسة اجتماعية، أو حتى الدولة وانجازاتها، ذاكراً أن مسيرة التديّن لم تستطع التصدي لما يعيشه المجتمع في بعض نواحيه من فساد إداري ومالي أو رقابي. وأضاف أن مسيرة التديّن أفرزت جماعات إسلامية متساهلة في التكفير والتبديع والتفسيق لكل ما هو سائد، مما أدى إلى نشوء جماعات إرهاب وعنف وقتل وتطرف، واستخدام الدين لصالح التديّن من الجماعات المتطرفة، وكذلك التواطؤ والتعاون مع كل من يسهّل لهم أمراً، مثل التساهل في أمر الجهاد والانحراف به إلى غير أهدافه بحجة تكفير المجتمع وتفسيق علمائه وقادته السياسيين، إضافةً إلى الاخفاق في تكوين مجتمع مسلم على المستوى السياسي، مبيناً أن الحركات الإسلامية التي تولت السلطة في العالم العربي فشلت في تقديم الحلول لأي مشكلة. حضور ((الرياض)) د. أحمد الجميعة عماد العباد علي الموسى عبدالرحمن الناصر إبراهيم الوافي عادي الشمري راشد السكران علي الزهيان طلحة الأنصاري حنيف السبيعي