ان الانسان المتكامل الصفات السمحة، يكون سهل الأخلاق في غير تفريط متجنباً للعظمة والكبرياء دون تساهل، ومتباعدا عن الخيلاء متدثرا بثوب الثقة بالنفس في غير تكبر، لابساً ثوب التعفف ومتدثرا بزينة العقل دون تكلف وفي تواضع جم، حتى يصبح التواضع عنده زينة يتحلى ويسمو بها على الصغائر، متجنباً الكبائر في طبعٍ رزين وقلب ينقاد في مودةِ دون تذلل حتى ينال كل مرغوب ومحبوب، ذلك انّ التواضع هو بمثابة روح الحكمة التي تجعل من الانسان مدركا لما يفعله، ماهرا حذقا لما يريد فعله حتى ينجح في فعله، بالتواضع تجتلب النفس مجدها ويصير حمدها إلى من يُقبل عنده الحمد دوماً. وليس المتواضع بعاطل ولا هو متكاسل خامل وهو بقدرته عاقل عارفٌ بالآخرين بقدر مظنته ومعرفته بنفسه، وهو قنوع في غير مطل عن الغنى وهو بالغنى إنما يستغني عن الكِبر والمتكبرين، ذلك أن التواضع هو بمثابة زهرة في بستان عريض وواسع كما عرض الحياة واتساع آفاقها النضرة، والمتواضع متنحٍّ بطبعه عن مواضع الذل والزلل ولا يؤدي به تواضعه الى مهالك ولا ملل من حالٍ حلّ به مهما كانت شدائده، فهو صابر في غير خنوع، أعماله العظيمة ينجزها في صبر وتأنٍ في غير تملقٍ ولا تعلقٍ إلا بالمعالي السامية، يتعلم من كل من حوله مهما تواضع شأنه، والعلم عند المتواضع خير من المال، بحيث إن العلم حارسٌ يبقى ولا يفنى، وانما يمتد كما قرار البحر في اعماقه حراك وحياة ذات اسرار، وهو يدرك أنّ العالِم لا يصيبه إفلاس مهما ضاقت به ذات اليد، على غير حال محب المال الذي ما زال في خوف وهلع وخشية، وهو لا يدرك انه يستعجل الفقر ولم يزل يكنز المال في تكدس ودس حتى تحول بكل جوارحه إلى حارس للمال وخادم له، بدلاً من أن يستغل المال لخدمته وخدمة فعل الخير وما أكثر أوجه الخير وما أيسر التوجه لذلك، وما أكثر من ينامون على ثراء المال وهم الفقراء إليه، ولا يدركون أنهم ضائعون مضيعون لحق انفسهم قبل ان يكونوا قد أضاعوا حق من حولهم. في التواضع بلسم للنفوس من جراحاتها المستمرة التي لا تبرأ إلا بالقناعة في تواضع به تطهر القلوب وهي نظيفة من أدران الحقد، ملتحفة بسماوات التسامح في غير تنازل عن عزة النفس وكبريائها، وشتان ما بين التكبر والكبرياء، حيث يخلط الكثيرون بين هذا وذاك فيقعون في خطأ التقدير وسوء التفسير لمعاني القيم الانسانية الرفيعة، في زمن مُسخت فيه معاني القيم النبيلة حتى ضاعت المروءة بين الناس او كادت. وكم من البشر وقد أخذت بهم مهازل الزمان، فضاعت منهم بسمة الحياة ومعانيها، فضاع الامس منهم وما استطعموا للحاضر من طعم ولذة، حتى أعيتهم النظرة للمستقبل بسبب ضيق النظر وعدم سعة البصر عندهم. وكثيراً ما تتوافر اسباب النجاح لدى البعض، الا انهم لا يعرفون كيف ينجحون وهم يستصغرون اشياء مهمة يترفعون عنها، وما أدركوا ان الجبال من الحصى. وكم من عالمٍ جليل ذاع صيته في الأصقاع وثريٍ يسابق دفق امواله سويعات الوقت، وقد بدأ صغيراً فقيراً ولكنه توسم جادة الطريق الى المجد وصبر، وقد بدأ ممتهناً مهناً صغيرة متواضعة في كرامة وعزة نفس بهية سوية حتى حقق طموحاته الكبيرة وما نسي ماضيه في يوم من الأيام. آخرون استجدت عندهم النعم فنسوا ماضيهم ووقعوا في حبائل جهالة التكبر فصغرت حواشيهم وزلت اقدامهم حتى هوت بهم إلى هوة سحيقة. وهم لم يزالوا في غيهم هائمين واهمين انهم قد صعدوا العلا، وما دروا ان العلا ليس على استقرار الا لمن وصل بحقه وتوطن على التواضع ذاكراً لماضيه الحاضر في وجدانه ابداً، وليتنا لو ندرك كم للإنسان من قيمة وهو لم يزل يتواضع ويتواضع ولم يزل يرتقي به تواضعه من رفعةٍ الى رِفعة.. فتعالوا نتواضع الى قيم نرتقي بها عن سائر الأمم ونحن أحق بذلك. *محامٍ دولي ومستشار قانوني