كما جرت العادة من كل عام لا حديث يعلو هذه الايام فوق نسب النجاح في جميع المراحل الدراسية وخصوصا في الثانوية العامة ولا عجب فالموسم موسم حصاد لدى البعض، اما البعض الآخر فانه يرقى الى درجة تحديد المصير. هناك ظاهرة انتشرت في السنوات الاخيرة تتمثل في نسب النجاح المرتفعة جدا في كافة المراحل الدراسية. هذه الظاهرة لم تكن معروفة من قبل. هذا لا يعني انخفاض نسب النجاح فيما مضى لكن ارتفاع نسب النجاح وحصول اكثر من نصف اعداد الطلاب في الصف الدراسي الواحد على اكثر من 90% يضع علامات استفهام حول هذه النسب وهل هي فعلا تعكس الواقع التعليمي الذي تعيشه مدارسنا وطلابنا. يجب أولا التمييز بين التعليم الحكومي المجاني وبين التعليم الخاص. يلاحظ بداية ان ارتفاع نسب النجاح في التعليم الخاص تفوق بمراحل مثيلاتها في التعليم الحكومي. وهنا يطرح التساؤل الكبير. لماذا يتوجه كثير من الناس الى التعليم الخاص؟ هل هو نتيجة لقصور في التعليم الحكومي، وما هي اوجه الخلل فيه وكيف يمكن اصلاحها؟. المبرر الوحيد المقنع هو غياب مادة اللغة الانجليزية وبعض اللغات الاخرى التي يتم تدريسها في بعض المدارس الخاصة عن مدارس القطاع الحكومي اضافة بالطبع الى طرق التدريس الحديثة التي يفترض توافرها في المدارس الخاصة وقلة اعداد الطلاب في الفصل الدراسي مما يتيح استيعابا اكبر للطالب. يجب أولا التمييز بين التعليم الحكومي المجاني وبين التعليم الخاص. يلاحظ بداية ان ارتفاع نسب النجاح في التعليم الخاص تفوق بمراحل مثيلاتها في التعليم الحكومي. وهنا يطرح التساؤل الكبير. لماذا يتوجه كثير من الناس الى التعليم الخاص؟ هل هو نتيجة لقصور في التعليم الحكومي، وما هي اوجه الخلل فيه وكيف يمكن اصلاحها؟ غير ان هذه المبررات قد لا تبدو مقنعة بالرغم من وجاهتها. فاللغة الانجليزية وان تأخرت كثيرا على الطالب الا ان مناهج الوزارة الحديثة اذا ما تم توفير مدرسين مدربين تدريبا جيدا على تدريسها فسوف تسد نقصا كبيرا في هذا الجانب. انه بالطبع لايصل الى حد الرضا، لكنه افضل من ذي قبل. ومازالت اللغة الانجليزية على اي حال المعضلة الكبرى والعقبة الكؤود امام السواد الاعظم من الطلاب. انها ترتقي فعلا لان تكون مشكلة وطنية كبرى. اما طرق التدريس وتكدس الطلاب في المدارس الخاصة فان الوضع لا يختلف كثيرا عن مثيله في القطاع الحكومي، فطرق التدريس مازالت تقليدية تعتمد اسلوب التلقين، ومعظم المدارس ليست مجهزة بالمعامل والمختبرات، وان توفرت في بعضها الا انها لا تستخدم لسبب او لآخر. لماذا اذن يرسل الناس اولادهم الى المدارس الخاصة لقاء مبالغ مادية تثقل كاهل اولياء الامور؟. الجواب الاقرب الى الحقيقة هو الحصول على نسبة عالية والتخفيف على الطلاب - بحجة ان المنهج الحكومي مثقل بالمواد - والتميز الاجتماعي. اما الجودة العلمية والمردود الاكاديمي والتعليمي التي يفترض ان يوفرها التعليم الخاص لقاء المبالغ الباهظة التي يتكبدها اولياء الامور فانها لا تستحق كل ما يصرف عليها من اموال. وليس هناك من دليل اوضح على ذلك من نتائج اختبارات القياس. وحسنا فعلت وزارة التعليم العالي عندما قلصت نسبة الثانوية العامة الى 30% فقط. اذ ان مقياس الثانوية العامة وخصوصا في مدارس القطاع الخاص غير دقيق. اختبار القياس هو اختبار علمي مجاز ومتبع في كثير من دول العالم. انه يختبر القدرة الفكرية وطرق التحليل والتعامل مع المعطيات التي تواجه الطالب في كافة المجالات المعرفية. كما انه يختبر المهارات الذهنية والمعارف والثقافة العامة. ونظرا لموضوعية اختبار القياس وعلميته ومصداقيته فان نتائج اختبارات القياس دائما تأتي اقل بكثير جدا من الاختبارات الاعتيادية غير القياسية التي يغيب عنها الوقت التي تجريها المدرسة لطلابها. غير ان تدني نسب الطلاب في اختبارات القياس مؤشر بالغ الدلالة على وجوب اعادة النظر في مناهج وطرق التعليم. فيما يتعلق بالتعليم الحكومي فمازالت الكلمة الفصل في جودة المناهج للخبراء والتربويين، وان كنت اعتقد ان المناهج الحالية تؤهل الطلاب تأهيلا اكاديميا مناسبا، وتبقى المهمة جسيمة على عاتق المعلمين والتربويين لكي يتم توصيل هذه المناهج الى الطلبة كما خطط لها من قبل واضعي هذه المناهج. اما التعليم الخاص فانه بحاجة ماسة الى اعادة النظر فيه جملة وتفصيلا من حيث الاعداد والادارة والمخرجات. ولعل اهم مايمكن ملاحظته في هذا السياق هو غلبة الاعتبارات المادية على الاعتبارات العلمية والتربوية، فقد اصبحت المدارس الخاصة مشاريع تجارية اكثر منها مؤسسات تعليمية تساهم في بناء الوطن. ومالم يتم موازنة طرفي هذه المعادلة، والا فان تكاليف مخرجات هذه المدارس باهظة الثمن على الوطن والمواطن. [email protected]