عانى خريجو الثانوية من "فجوة التناقض" بين نتائج الثانوية العامة ونتائج اختبارات القدرات العامة التي يعدها ويقدمها المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي، فكثير من الطلاب الحاصلين على نسب فوق 90% في الثانوية يصطدمون بمعضلة نتيجة القدرات التي غالباً ما يكون الفرق بينها وبين سابقتها شاسعاً. وترتفع أصوات الاحتجاج على هذه "النسبة المتدنية" حتى عدها بعض الطلاب وأولياء أمورهم ضرباً من "التعنت" وسعياً لزيادة "الدخل المادي" لمركز القياس، خاصة وأن هذه النتائج كثيراً ما تحول بين الطالب الحاصل على تقدير ممتاز أو جيدجداً في الثانوية العامة وبين الالتحاق في الجامعة أو الكلية التي يرغب فيها. وظلت هذه المشكلة لصيقة باختبارات القدرات إلى أن فوجىء عدد من أساتذة الجامعات ومسؤوليها بتدهور وضع كثير من الطلاب المتفوقين في نتائج الثانوية العامة عند التحاقهم بهذه الجامعات، خاصةً بعد أن تسرب عدد كبير منهم نتيجة عجزهم عن مجاراة مقررات الجامعات التي يدرسون فيها بل كثيرا ما لحظوا فشل هؤلاء الطلاب في مقررات الإعداد العام فضلاً عن مقررات التخصص، مع أن هذه المقررات التي احبطت طلاب السنوات الأخيرة هي نفسها المقررات التي كان يتجاوزها الطلاب المتوسطون والحاصلون على تقدير جيد قبل عقد من الزمن!. وهذا التفاوت يجعل عددا من الأسئلة الحائرة تلح على عقول مراقبي هذا الوضع، وأسئلة أخرى يطرحها كثير من المتخصصين وغير المتخصصين حول استمرار هذه الفجوة دون أن تدرس دراسة تستقصي أسباب هذه الفروق، وعلى ضوء ذلك تبنى الحلول الإيجابية التي تستهدف طلاب التعليم العام وتطوير مستوى تلقيهم ومن ثم مستوى عطائهم، خشية من أن نخرج من أمية الكتابة فنقع في أمية الثقافة. "الرياض" حاولت أن تبحث عن خفايا هذه المشكلة وحلولها من خلال لقاءات مع الطلاب والأساتذة. تعقيد لا داعي له في البداية تحدث الطالب خالد العنزي الحاصل على نسبة 94% في الثانوية العامة "علمي" وأقل من 60% في نتيجة اختبار القدرات العامة في العام الماضي، وقال: لقد فوجئت بتدني نتيجتي في القدرات وقد حرمتني بعد ذلك من دخول الكلية التي أرغب في الالتحاق بها وعلى الرغم من توسلاتي لمسؤولي تلك الكلية إلا أنهم لم يستطيعوا قبولي بسبب شرط نظام القبول المتمثل في حصول الطالب على أكثر من 60% في اختبار القدرات، وقد سمعت هذا العام أن هذا الشرط عدل فأصبحت النسبة "الموزونة" هي المقياس، والسؤال الذي أطرحه لماذا وضع اختبار القدرات العامة ؟ وما السبب في سحب الثقة من نتيجة الثانوية العامة؟ وإذا كان هناك خلل في الثانوية فلماذا لا يصحح مباشرة دون أن يكون ذلك على حسابنا بعد أن نمضي زمناً طويلاً ثم نخرج دون فائدة. وقال الطالب عبدالعزيز الظاهر: أنا أدرس في الثانوية وقد حصلت على نسبة مرتفعة ولكن نسبة القدرات منخفضة وحرمتني من تحقيق أمنيتي في الجامعة التي أرغب الانتساب إليها، فمثلاً جامعة البترول تجري اضافة إلى اختبارات القدرات العامة اختبارات قدرات خاصة مما يجعل نسبة الثانوية التي نمضي فيها ثلاث سنوات لا قيمة لها، والمشكلة أن عدداً من الزملاء الذين سبقونا من الحاصلين على نتائج مرتفعة في الثانوية العامة عادوا وهم يجرون "ذيل الإخفاق" دون أن ينالوا ما كانوا يحلمون به، وأمنيتي أنا وزملائي أن يوضع لنا حل، فنحن الآن محبطون وذلك أثر على عطائنا في دراستنا، وأغلب الطلاب يرى أن هذه الاختبارات التي بعد الثانوية ضرب من "التعقيد" الذي لا داعي له. اختبار القدرات ضرورة من جهة أخرى تحدث الأستاذ متعب بن زعزوع أستاذ طرق تدريس الرياضيات بكلية معلمي عرعر ومنسق المركز الوطني للقياس والتقويم في مدينة عرعر وقال: ان اختبار القدرات العامة ليس بديلاً لاختبارات الثانوية العامة بل هو معيار آخر يضاف لها كما أنه معد من قبل أساتذة متخصصين في المركز الوطني للقياس والقويم لتستخدمه الجامعات بديلاً لاختبارات القبول التي كانت تجريها في السابق والتي قد لا تكون معدة بالشكل المأمول بسبب اختلاف المعايير من جامعة إلى أخرى، كما أن هذا الاختبار يعتبر معياراً موحداً لجميع الطلاب، ولذلك لا يمكن أن يكون الخلل في هذه الاختبارات لأنها اختبارات مقننة وتقيس مهارات الطلاب بدقة متناهية، ومن وجهة نظري أن هناك خللاً في نسب الثانوية العامة والتي لا تعكس المستوى الحقيقي للطلاب فأصبحت الثانويات تتنافس وتقاس بنسبها المرتفعة بغض النظر عما استفاده الطلاب حقيقة من دراستهم خلال سني الثانوية. وأضاف: أن المبلغ الذي يحصله المركز يعتبر رمزياً جداً وهو من جانب آخر يعطي هذا الاختبار جدولة وترتيباً وكذلك يجعل الطالب يعطي اهتماماً خاصاً لموعد الاختبار فلا يفرط فيه. أما الدكتور سعود بن فرحان رئيس قسم الاجتماعيات بكلية المعلمين بجامعة طيبة تحدث بحسرة عن مستوى التعليم العام ومخرجاته وقال:طالما شاهدنا عبارة "وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة" تزين جدران مدارسنا مما يوحي بالثورة العلمية الهائلة من خلال أسلوب تربوي راق وبأعلى معايير الجودة العالمية، ولكن الحقيقة المرة- والتي يعرفها الجميع- تظهر من خلال المخرجات الضعيفة جداً وغير القادرة على الاستمرار في التخصصات الجامعية.. واضاف أن تلك المخرجات "مهلهلة" من الناحية العلمية، أما الشهادة فهي كثيرا ما تكون ب"امتياز" ودرجات مبهرة، مشيراً إلى ضرورة دراسة اسباب الضعف العلمي لدى الطلاب قبل التشكيك بأهمية اختبار القدرات وأهميتها في هذه المرحلة. وفي هذه المناسبة تذكرت قصة لأحد أقربائي، فقد تخرج هذا الشاب في العام الماضي -وهو طالب ذكي- وقد حصل على تقدير ممتاز - وقبل في كلية الطب ولكنه لم يستطع الاستمرار منذ بداية الفصل الدراسي الأول- وقد سألته عن السبب فأجابني: "بأنه لا يستطيع استيعاب الدروس البديهية التي مرت عليه في الثانوية العامة؛ بسبب تساهل المعلمين - خلال المرحلة الثانوية - في الأداء وعدم شرح المنهج بطريقة شاملة وتجاوز بعض الدروس من باب "التخفيف"، يقول قريبي: بعد ذلك مازلت أعاني قلقا وتعبا نفسيا بسبب الخوف من الفشل وقتل الطموح" وهذا الطالب ما هو إلا عينة من كثير؛ وقد مرَّ علينا في أثناء المقابلات الشخصية للطلاب الجدد عدد كبير من الحاصلين على درجات ممتازة سواء أكانوا في التخصص العلمي أم الأدبي وهم في أسوأ حال من الناحية العلمية حتى إن بعضهم يرسب في اختبار الإملاء. وأضاف: آمل من المسؤولين في التربية والتعليم تدارك الأمر والتخطيط والمتابعة لإنقاذ الأجيال القادمة من التردي والجهل، فلا بد أن يكون تعليمنا قوياً ومناهجنا متوافقة مع متطلبات العصر، وأن نحصن أبناءنا بالعلم النافع والفهم الصالح ونغرس في نفوسهم الانتماء والغيرة حتى يشاركوا في بناء هذا الوطن الغالي المعطاء، وحتى لا يقعوا فريسة لكل فكر منحرف أو عدو متربص!! وقال الدكتور زيني طلال أستاذ التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز ان هناك تباينا بين تقدير الطالب في الثانوية العامة واختبار القدرات، وهذا راجع إلى عوامل عدة، أهمها : @ قصور دور الأسرة منذ البداية في التربية، واتكالها على المدرسة في هذه المهمة بجميع جوانبها . @ طرائق التدريس العقيمة المتبعة في التعليم العام، التي تجعل من الطالب مجرد آلة لتسجيل المعلومات بدلاً من أن تعلمه التفكير الخلاق الذي يتطلبه اختبار القدرات يؤازر ذلك ضعف في المناهج التي تقدم للطالب في المدرسة . @ اقتصار اختبار القدرات على السنتين : الثانية والثالثة من المرحلة الثانوية، في حين أنه من الأفضل أن يشمل السنة الأولى أيضاً. @ قصور الجامعات عن أداء دورها؛ لأنها تخرج معلمين يفتقدون أصلاً للإعداد الجيد من حيث المهارات كالتي يتطلبها اختبار القدرات . @ يضاف لذلك افتقاد مدارس التعليم العام للتجهيزات الأساسية والمعينة على نجاح العملية التعليمية بشكل عام. واضاف: من هنا يتبين لنا أن أغلب الآراء تعلق شماعة القصور على التعليم العام، ولعل شعور المعلم بفقدان دوره التربوي والأبوي وقيمته الفاعلة من أبرز الأسباب التي حولت قاعة الدرس في بعض مدارسنا إلى قاعة محبطة تعاني من الضجر والسأم، لأن بعض التربويين عندما حاولوا معالجة قسوة العقاب الجائر ضد الطلاب أخطأوا في المقدمة فلم يصيبوا في النتائج؛ فبدلا من الحلول الوسطى في العلاج التربوي الفعال أخطأوا خطأ تربويا فادحا فلم تقتصر قراراتهم المتلاحقة على منع الضرب؛ بل شطحوا في ذلك وغلوا في ذلك غلوا تصور الطالب معه أنه أمام خصم مستبد لم يحجم استبداده إلا القرارات الصارمة التي تصدرها وزارة التربية والتعليم لتهدئة هذا المعلم العدواني!! واشار إلى أن هذا الجو الذي ألقى ثقله في أروقة المدارس،من خلال التعاميم المتلاحقة، وما تبثه بعض وسائل الإعلام، استقبله الطالب بقناعة فلم يستقبل من المعلم شيئا؛ لأنه ند له - كما يوحي بذلك الجو العام- ومن جهته شعر المدرس بفقدان الثقة به؛ فجاءت ردة فعله دون أن يشعر محبطة، وكانت النتيجة هذه المخرجات التي يحتاج وضعها وعلميتها المهزوزة إلى إعادة نظر بدلا من تكثيف الاختبارات التي تتبع تخرج الطالب من الثانوية، والتي هي بالفعل تقيس مستوى الطالب، وتثبت أن درجات الثانوية في أحايين كثيرة غير دقيقة؛لكن نهاية المطاف سيكون الطالب ضحية لهذه الاختبارت؛ فالضعف ليس خطأه في الأصل!!