رغم أن الجامعات الحكومية تستوعب أكثر من 91 % من خريجي الشهادة الثانوية للسنة الدراسية المقبلة 31/1432 ه، إلا أن الكثير من الخريجين والخريجات يحرصون على الاتجاه للجامعات الأهلية، ما يضع العديد من التساؤلات حول إذا ما كان استيعابهم في التعليم الخاص يحقق لهم التخصص المطلوب، والذي حتما لن يطالوه إذا دخلوا بوابة الجامعات الحكومية. الشيء المحير هو هل يستطيع طالب التعليم العام مواصلة الدراسة في التعليم الأهلي في المرحلة الجامعية، أم تغير الطابع والنهج والمسار، يجعله يفقد قدرته على السير في التخصص المطلوب، ولا يجعله يستطيع تحقيق ذاته؟ ولماذا يهرب الكثير من الطلاب من البوابة الحكومية في الجامعات، هل لأنها لا تحقق المطلوب في سوق العمل، أم لأنها في الأساس غير قادرة على توفير مخرجات تستطيع المنافسة عبر تعلم الجانب العملي؟ وإذا كان الكثير من المختصين يشدد على تناغم التعليم الخاص والأهلي، فما الذي يمنع الطالب أو الطالبة من مواصلة المسيرة سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة؟ سؤال عن المناهج منيف المطير - 27 عاما- أحد المواطنين الذين يحيرهم معرفة السبب في عدم اهتمام المناهج لتوجهات المستقبل وعدم توافقها مع المستقبل العلمي أو المهني من خلال سوق العمل، والسبب من وجهة نظره أن: «السياسات المتبعة في وضع المناهج لا تزال بعيدة عن التطور والتعديل، ويجب تطويرها من خلال المتخصصين التربويين من ميدان العمل وليس من خلال الأكاديميين البعيدين عن واقع العمل التعليمي». مقابل مادي ويعتقد المعلم بمدرسة عمر بن عوف سعد الغشام أن الدراسة في المدارس الثانوية تحدد اتجاه الطالب في مرحلته الجامعية: «لا أؤيد دراسة الطالب في المدارس الخاصة في المرحلة الثانوية لكي يواصل المرحلة الجامعية في الجامعات الحكومية، لأن دراسة الطالب في المدارس الخاصة تعتمد على المبلغ المالي الذي يدفعه ولي أمره، وبهذا يحصل على أكبر عدد من الدرجات ثم إذا انضم لجامعة حكومية سيتخرج في الجامعة دون حصيلة علمية». إعادة تأهيل ويرى المعلم بمدرسة سمرة بن جندب مساعد الغامدي، أن 90 % من الطلاب الذين يجتازون المرحلة الثانوية بحاجة إلى إعادة تأهيل حتى يكون بإمكانهم الاستمرار في المرحلة الجامعية: «التعليم الجامعي أمامه مسؤولية كبرى تحتم عليهم العمل بكل إمكانياتهم حتى يساعدوا جيل المستقبل لعبور هذه المرحلة الانتقالية الشائكة بسلام، ويكونوا أكثر قدرة على التأقلم مع وضعهم التعليمي الجامعي الجديد، وذلك من خلال القيام ببعض الخطوات والإجراءات العملية العاجلة، وطبيعة الدراسة في المرحلة الثانوية تعتمد على تلقين الحقائق لا على تنمية المهارات المعرفية، أو زرع بذرة التفكير الخلاق الناقد، ومن هنا نجد أن درجات الطالب ترتفع بزيادة تطابق أجوبته مع نصوص الكتاب المدرسي التي حفظها عن ظهر قلب وفرغها على أوراق إجابات الاختبارات، والتحول المفاجئ من هذا النمط إلى نمط تعليمي جديد يقود إلى مشكلات تعليمية تقود في نهاية المطاف في معظم أحوالها إلى تجربة تعليمية جامعية فاشلة، أو ضعيفة، وعملية اختيار التخصص تشكل مشكلة كبيرة لدى طلابنا وطالباتنا». ودعا إلى معالجة تربوية تصاحب عملية التحول من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، تشارك فيها أطراف عدة من أجل جعل النقلة النوعية الكبرى أكثر سلاسة، وجعل الفجوة بين المرحلتين أقل اتساعا، وجعل الطالب الجامعي المستجد أكثر جاهزية لخوض غمار الحياة الجامعية. تناغم موجود ويربط مدير مكتبة أبها العامة والمشرف على مكتبات عسير فيصل المرغاني بين مسيرة الطالب في الجامعات الأهلية، وبدايته في التعليم الأهلي: «من الضروري دراسة الثانوية بمدارس خاصة حتى يستطيع الطالب المواصلة في جامعة خاصة، ولا يوجد أي تناغم بين التعليم الخاص والعام وذلك من تجربة شخصية لابني وابنتي، وأعتقد أن الدراسة من المرحلة الابتدائية تحدد اتجاه الطالب في مستقبله كاملا، ولكن في مدارسنا فكل مرحلة لها اتجاهها ولا ترتبط بالمرحلة الأخرى أبدا». ويعتبر معلم الثانوية جمال الغامدي، التوافق والتناغم بين التعليم الخاص والحكومي كبيرا، وإن كان الأول يتفوق من حيث تطبيق طرق حديثة في التعليم، والسعي لجودة التعليم في بعض المدارس والحرص على تفوق الطلاب علميا ومهاريا إلا أن الجانب المهني لا يزال غائبا كليا. غياب الدور ولا يجد طالب الثانوية بدر السناح، أي دور للمرحلة الثانوية في تحديد اتجاهات الطلاب للمرحلة الجامعية: «المناهج ونمط التعليم فيها لا يرسم حسب اتجاهات الطلاب وميولهم، ولا يشجع مواهبهم بل يتعامل مع الجميع سواسية في كل شيء، مما يزيد من حيرتنا في تحديد مستقبلنا العلمي والمهني». ويتفق معه زميله فهد: «التعليم الثانوي في بعض المدارس الخاصة قد يكون أفضل قليلا من حيث الاهتمام بالنواحي الإبداعية والعلمية للطلاب ودعمها لميولهم ورسم اتجاهاتهم المستقبلية، لكن في إمكان طالب الثانويات الحكومية دخول الجامعات الأهلية والسير فيها بخطى ثابتة». تحديد الاتجاه ويشترط طالب الثانوية عبدالله المثمي نوع الدراسة في المرحلة الثانوية لتحديد اتجاه الطالب في مرحلته الجامعية: «هناك فرق شاسع بين التعليم في المدارس الحكومية والخاصة، فالحكومية تأخذ الحصص على أنها تأدية واجب وليس للتعليم الحقيقي بينما في المدارس الخاصة يكون التعليم على الوجهة الصحيحة، ومناهجها وطريقة التعليم فيها أفضل بكثير، والطالب عندما يذهب إلى المدارس الخاصة يذهب برغبته وحبا في التعلم». ويرى طالب الثانوية محمد الحمدان، أن الثانوية العامة هي التي تحدد مسار الطالب الجامعي: «مستواي ضعيف جدا في بعض المواد العلمية، وذلك لأسباب التعليم وعدم التركيز عليها في المدارس الحكومية، وأن تعليم المواد العلمية المكثفة يبدأ متأخرا في ال12 من العمر تقريبا في الصف الأول المتوسط، وأغلب المدارس الخاصة يكون التعليم فيها منذ المرحلة المبكرة». ضعف المستوى وأشار طالب الجامعة عبدالرحمن حمودة إلى أنه اضطر للتوجه إلى المعاهد الخاصة لتعلم بعض المواد العلمية وخاصة اللغة الإنجليزية بالشكل الصحيح، نظرا إلى ضعف مستواه فيها بعد تخرجه في الثانوية الحكومية، وبين أنه يجب تعلم اللغة في المرحلة الابتدائية بشرط ألا تكون بنفس الطريقة الحالية التي يتبعها مدرسو وزارة التربية والتعليم: «المشكلة تعود لعدم ثقافة بعض المعلمين وتخصصهم في التربية ووضعهم في الميدان، وغياب الأنشطة اللاصفية لدعم المناهج الدراسية مثل النشاط المسرحي الذي له دور فيما يعانيه الطلاب من جهة تحصيلهم للغة الإنجليزية، لو أن الطالب حفظ نصوصا مسرحية أو بدأ يتخاطب مع زميله ويتحاور معه فإن الكلمات والجمل المتبادلة بينهما ستبقى مع الطالب لفترة طويلة، وكذلك المسابقات، والقصة القصيرة والتعبير، وهذا كله لا تجد له داعما في المدارس الحكومية، التي تعاني أيضا مشكلات كثرة المواد النظرية البعيدة عن الجانب التدريبي والتي تعتمد على الحفظ والتلقين، بدلا من إشراك الطالب في العملية التعليمية، وغياب الورش العملية في التدريب بل إنه لا يوجد بالمدارس مختبرات لغوية، ومن المفترض على الأقل توفير بعض الأساسيات المطلوبة لدعم طرق التعليم. موجهات الطلاب وحدد طالب الثانوية صالح جمال القرشي عدة موجهات تحدد اتجاه الطالب بعد التخرج من الثانوية منها المعدل، واختبارات القياس والتقويم: «أهم شيء الواسطة فنحن توجد لدينا رغبات وميول ونتمنى لو تتحقق، ولكن للأسف الشديد لا يوجد هناك جهة معينة تعنى بطموحاتنا ورغباتنا، فنحن بحاجة إلى التوجيه والإرشاد أكثر من حاجتنا إلى المذاكرة والاختبارات، فتجد الطالب منا يقدم في أكثر من جامعة وفي أكثر من قسم مع اختلاف تخصصاتها وتنوعها». ويرغب طالب الثالث الثانوي عبدالله باصرة في الالتحاق بقسم إدارة الأعمال: «المدرسة لا تهتم برغبات الطلاب، فأنا أدرس في مدرسة حكومية وعند تخرجي سألتحق بالجامعات الحكومية، وفي القسم الذي أريده تحديدا، ولو لم أقبل فسألتحق بالجامعات الأهلية في القسم الذي أجد فيه نفسي وهو إدارة الأعمال، وأعرف كثيرا من زملائي التحقوا بجامعات أهلية بعد تخرجهم من المدارس الحكومية، وذلك بسبب عدم قبولهم في الجامعات الحكومية، كما أن هناك بعضا من أقاربي كانوا يدرسون المرحلة الثانوية في مدارس خاصة رغبة منهم في الحصول على مجموع جيد وبعد تخرجهم استطاعوا الالتحاق بالجامعات الحكومية، ومن وجهة نظري أن الالتحاق بالمدارس الأهلية وبعدها بجامعات حكومية أوفر من الدراسة في مدارس حكومية وبعدها نلتحق بالجامعات الأهلية وكل ذلك بسبب المعدل». موطن الداء ويحدد الكاتب الصحفي عبدالعزيز السويد، موطن الداء في التعليم بشكل عام: «التعليم العام ران عليه التقليد والرتابة والبيروقراطية فهو كالسلحفاة، لا يزال يهتم بشكل الكتاب وحجم المنهج دون الاهتمام بنوعية المنهج، ومدى مناسبته لعصر التحولات، فلن تجدي التنقية في التعليم العام أو الخاص شيئا، لأن ذهنية المستخدم والمتلقي لا تزال مجرد وعاء للتلقي السلبي». ويشير إلى أن توفير التقنية دون توفير مقدماتها وشروطها الاجتماعية ومناهجها الثقافية، يعد جهدا ضائعا، أو في أحسن الحالات لا يوصلنا إلى مرادنا العام، ولنر كيف يتعامل الطلاب مع التقنية داخل وخارج المدارس، لا بد قبل وسائل التعليم التقنية من حداثة العقل والمنهج: «وتأثير وسائل التعليم الحديثة ضعيف، ذلك أن تأمين الأجهزة ومختبرات اللغات قبل تأمين العقول القادرة على تقبل الحداثة سواء من قبل المعلمين أو المتعلمين مجرد استهلاك مواد، وهدر مالي» .