إطلاق مشروع «واجهة جدة» على مساحة مليون متر مربع باستثمارات تصل إلى 10 مليارات ريال    لاكروا: الأمم المتحدة ستعزز يونيفيل بعد التوصل لهدنة في لبنان    NHC توقع اتفاقيات وصفقات لتأمين سلاسل الإمداد ودعم توطين الصناعات بقيمة تتجاوز 5 مليارات ريال    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    وزير الإعلام يلتقي في بكين مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    أجواء شتوية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الاقصاء والاحلال في الرواية النسائية السعودية
نشر في اليوم يوم 21 - 06 - 2004

اذا كانت المعالجة السردية في بعض الروايات تتعامل مع المكان بصفته الخارجية, فانه هنا يحضر بصفته الداخلية. فالمكان المغلق المكنى عنه بجدة اصبح مكانا منتهكا باخراج المسكوت عنه من باطنه. وهنا يظهر الخطاب على انه خطاب رغبة في الادانة من ناحية, والتطهر من ناحية اخرى. فالرواية تنقض مسلمات الواقع بأفضلية المكان المغلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, على فرضية ان الثقافة قادرة على اشاعة روح الاطمئنان في نفوس اتباعها واقناعهم باعادة تدويرها دون ادنى شك في سلامة ابنيتها وكيفية اشتغالها معرفيا وسلوكيا. فما حصل لبطلة (الفردوس اليباب) ليس خطيئة امرأة, بل خطيئة مجتمع يحجب ويقصي, يعفي الرجل ويدين المرأة. فهناك مباعدة بين المكان بوصفه فرضية سردية, والمكان بوصفة مادة واقعية وسلطة اجتماعية. الكتابة السردية ليست مجرد زخرف سردي, رغم اهميته, بل انها خطاب متخف في قوالب السرد. فليس هناك كتابة بليدة من حيث الخطاب, بل هناك كتابة فقدت فرصة تعزيز وجودها جماليا.
والسؤال الآن: هل هناك رهاب حقيقي عانت منه الكاتبات في عدم التصريح بالمكان من ناحية او في اتخاذ المكان البديل بوصفه حلا لتمرير خطابهن من ناحية؟ ام هل هو الخروج من المكان المغلق بغرض الادانة من ناحية, او بغرض معالجة موضوعات تبدو معالجتها في ظروف المكان المغلق غير مواتية من ناحية اخرى؟ لا نملك الا فرضية الخطاب المتخفي الذي يدفع الى الرغبة في الخلاص من ناحية, والرغبة في تعزيز الحضور من ناحية اخرى. ان ربط السياقات بعضها ببعض قد يفسر دون ان يحسم الاجابة, قد يبرهن مرحليا, دون ان يكون هذا البرهان او ذاك نهائيا. لان النهاية بالمفهوم الفلسفي غير حتمية, بل متغيرة بحسب البدايات المختلفة. فكل نهاية تحمل بدايتها في احشائها, كما ان الولادة تحمل نهايتها في احشائها كذلك.
الخطاب والخطاب المضاد: الاقصاء والاحلال
ذرفت المرأة في هذه الروايات قطرات من الدموع بعد ان ادركت ان براءتها في عيني الرجل مفقودة. حاولت ان تنتزع بسمة من بين بحيرات الدموع, وان تصوب لعنتها وتستنطق الصمت الذي تعتقد ان الرجل قد فرضه حولها. لم تكن تعلم ان قولها يا سيدي لآدمها, ليس الا محاولة لتصويب سهم البوصلة تجاه الرجل.
فردوسها من يباب وعيونها على السماء, ومزاميرها من ورق, تحمل التوبة الى سليى حيث ترفع بوحها منادية مسرى يا رقيب الذي اوصلها الى كشف المخبوء في رماد السنين, مستبشرة بان فجرها الجديد سيكون يوم الخميس. لماذا الخميس بالذات؟ هل لانه يرمز للراحة, حيث تتوارى المسؤولية بمعناها الوظيفي, لتبدأ بعده رحلة المجاهدة والمكابدة في رحلتها مع اقصاء الرجل. ان اشكالية خطاب المرأة في هذه الروايات انها اختزلت القضية في الرجل, اختزلت مصدر شقائها في الرجل, واصبح العالم في نظرها الرجل, واصبح يقينها انها لا تستطيع ان تحيا في وجود الرجل. فلكي تكون ولكي يظهر دورها قررت اقصاء الرجل بلعب سردية بدت احيانا ساذجة, واحيانا متكلفة, وفي احايين اخرى بدت متسلطة. ان فهمنا لخطاب هذا النمط من الكتابة السردية يمكن ان نلجه من باب النظر الى العلاقة بين الرجل والمرأة على انها لعبة اقصائية, تسعى الى التغييب من اجل كسب الهيمنة والحضور, تأسيسا على مبدأ فرضية ان الخطاب (قوة منتجة للاختلاف طمعا في الهيمنة).
رواية المرأة في السعودية نمط من الكتابات السردية التي تتخذ من الفن السردي منطلقا للتعبير عن جدل الذات مع الواقع, هاربة من الكائن الى واقع ينبغي ان يكون حتى ولو في المتخيل السردي.
ان المرأة الكاتبة في هذه الروايات لا تشبه شهرزاد الا في كونها تريد ان تهرب من كونها ضحية الى الخلاص من واقعها.
ان اشكالية المرأة في هذه الروايات انها لا ترى من العالم الا الرجل, فهو خيبة املها, وهو شريكها المستبد, وهو قدرها الذي تهرب منه.
لقد تحولت بعض كتابات المرأة الى ذات ناقمة تفترض سوء الرجل مقدما. فالمرأة التي تستخدم السرد في هذه الروايات ليست شهرزاد التي اشاعت روح التسامح ونقلت الرجل من (التدمير الى التسامح, ومن القتل الى العفو بفعل السرد), بل انها امرأة واقعية عانت من تسلط ثقافة الرجل, وعن لها ان تأخذ بعض ادواته لتقهره بها.
معظم روايات المرأة المقدمة في هذا الملتقى تتسم بضعف فني بارز, مرده على الارجح الافتقار الى الموهبة لدى اغلب الكاتبات. ولعل منطلق بعض هذه الروايات لم يكن الفن في الدرجة الاولى, بل استغلال الكتابة لفرض هيمنة الحضور.
فالكتابة قادرة على حمل انتصارات متخيلة للمرأة في مقابل انتصارات الرجل الواقعية. ومن ثم فان الكتابة هنا تنتقل من صفتها الادبية الى صفتها الاجتماعية, ومن صفتها السردية الى صفتها الايديولوجية, بغية تأسيس خطاب مضاد لخطاب الرجل. فمثلما يمارس الرجل حرب الاقصاء في خطابه الواقعي, فان المرأة تمارس الاقصاء في المتخيل بعد ان عجزت عن تحقيق الاقصاء او استرداد حقها في المماثلة لخطاب الرجل في الواقع. غير ان اقصاءها للرجل عن هيمنته هو احلال لها في موقع الهيمنة والسيطرة. فاذا كان الرجل يقفل على هرم متعال من اخطاء الاقصاء والتهميش والتسلط, فان سلوك المرأة لنفس الخطاب هو مأزق وضعت نفسها فيه تحت طائلة الدفاع عن حقوقها. لقد بدا واضحا ان خطابها السردي يقدم نفسه بديلا لخطاب الرجل فالعالم وفقا لتصوير المرأة السردي, قد سئم من الرجل الذي قاد العالم الى الخراب. فهو خطاب يؤسس شرعيته على فرضية الاخذ بمبدأ الفرصة. فالرجل في نظر هذه السرود تسيد العالم ولم يفلح في اسعاد الانسانية, وتحولت المرأة الى سادنة القرابين, حيث ظلت تنجب الابناء ليجروا الى ساحات الحروب. ان الروايات تطرح السؤال التالي: ماذا لو حلت المرأة مكان الرجل؟ كيف سيكون حال العالم؟
قدمت رواية (آدم يا سيدي) لامل شطا فرضية الاجابة لخطابي الاقصاء والاحلال عندما اقصت الرجل حمزة من حبكة الرواية معترفة له بدور شهم, لكن عليه ان يعتزل الحضور, ان يتقاعد عن دوره, ان تحضر المرأة ويغيب الرجل حتى يظهر دور المرأة . لان من اساسيات الخطاب استبعاد الثنائي, وتأكيد فرضية الاقصاء. لقد جاء موت حمزة فعلا حاسما ليخلو مسرح الاحداث للام الارملة لتنهض بدور كان يقوم به زوجها. ولعل اول صدمة واجهتها هي اقرارها بانها لم تكن تعرف العالم الذي عاشت فيه سنوات طويلة, لان حمزة الرجل كان هناك دائما يقوم بدوره. اما هي فقد قابعة في شرطها البيولوجي القائم على العطاء دون المشاركة والمبادرة. اما بعد اقصاء حمزة فقد نجحت الام الارملة في تربية الابناء, حيث كشفت خطابا مناقضا للرجل وهو الحوار في حل كل المعضلات التي تواجهها دون اللجوء للقهر والتسلط والاستبداد, وهو ما نلحظه كذلك في رواية (امرأة فوق فوهة بركان). حيث تقوم الام بدور ترميم العلاقة بين الاب وابنائه. في هذه الرواية ظهرت الام شريفة قادرة على تأسيس قناة للتواصل مع ابنها في الوقت الذي رأى الاب ان الحوار مع ابنه فيه قدر من جرأة الابن عليه وتعويد له على تكسير اوامره. وهي اشارة الى تعطيل الرجل لعقله واستبداله بعضلاته لحل مشكلات العالم.
ولا تبتعد رواية بسمة من بحيرات الدموع لعائشة زاهر احمد عن تحمل الام اخطاء الرجل في ترميم العلاقة المنهارة بين الاب وابنائه. واذا كانت رواية آدم يا سيدي لا تنكر للرجل ولا تصمه بالتسلط, بل تمنحه من الصفات الكريمة ما يجعل هذا الوصف يخرج عن سياق كثير من الروايات المقروءة في هذا الملتقى. فان ذلك لا يبدو مختلفا في محصلة الخطاب العام الذي تشتغل عليه هذه الروايات وهو انه لا وجود للمرأة في حضور الرجل, وبالتالي لكي تحضر المرأة لابد ان يغيب الرجل. انها المفارقة بعينها. ففرضية انهما شريكان في السلطة - المسؤولية فرضية خارج الخطاب الذي لا يمكن ان يتسامح في دحر سلطة الهيمنة التي تتأتى للمفرد لا للمثنى.
واذا كانت رواية (آدم يا سيدي) اكثر دهاء في اقصاء الرجل, فان هناك روايات لم تحتمل لعبة الدهاء. من هذه الرواية (بسمة من بحيرات الدموع) و(وهج من بين رماد السنين) لصفية عنبر, حيث اقصت الرجل بطريقة بدت نزقة وغير مبررة سرديا. فالبطلة منى فتاة نذرت نفسها وقلبها لابن عمها امين, حقق نفسه علميا ومهنيا وهي منتظرة له.
وعندما ارادت ان تكمل تحصيلها العلمي على ان يتزوجا ويسافرا معا لتكمل دراستها خارج وطنها اعتذر لانه لا يمكن ان يترك حياته المهنية, وهو ما جعلها تقرر الا تنكسر. وسافرت للدراسة وحيدة, مقصية له, مثلما اقصاها من قبل, اقصاء باقصاء. واذا كانت الرواية بهذا الترتيب مفرطة في الخيال, فانها تسعى الى تأكيد قدرة المرأة على النهوض بنفسها والانتصار مثلها مثل الرجل. وتنتهي الرواية بانتصار متخيل لمنى, يكمن في ثناياه خطاب الهيمنة, الواحد بسلطته, والمشترك بعقلانيته.
واذا كان سفر منى بمفردها للدراسة للخارج غير ممكن في حالات اجتماعية ودينية وثقافية في خطاب الواقع, فان ذلك يؤكد جموح خطاب المتخيل في تعزيز اسبقية خطاب السرد على الواقع. فهناك فرق بين الكائن والممكن, فالكائن خطاب الواقع المعلن, بينما الممكن خطاب متخف يحرص على تحقيق ما ينبغي ان يكون وهو في الغالب ردة فعل للخطاب الكائن.
وفي رواية (قطرات من بحيرات الدموع) لسميرة خاشقجي, يلعب الخطاب الدور نفسه الذي لعبه في رواية وهج من بين رماد السنين. حيث لا تجد ذكرى حضورها الانساني والاجتماعي الا باختفاء الرجل من حياتها, الاب اولا, لكن بدرامية اظهرت قسوة الرجل وضعف المرأة الى اقصى مدى. ذكرى فتاة بدوية تصاب بالخرس جراء قتل ابيها لوالدتها بتهمة لم ترتكبها. تصاب ذكرى منذ اللحظة بالخرس بمعنى يحمل دلالة رمزية تتناسب مع خطاب الاقصاء الذي يمارسه الرجل في حق المرأة. انها خرساء امام الرجل, خرساء امام مواجهتها للعالم, خرساء امام قدرها. منذ هذه اللحظة يبدأ خطاب حضورها في التشكل. فهي نزيلة معهد الصم والبكم, المؤسسة التي ستقوم برعايتها, لكن تحت رعاية خاصة من قبل الرجل الذي يخرجها من ضيق الحياة الى رحابتها, يحبها وتبادله الشعور نفسه. انه الدكتور عاصم وهو رجل شبيه بحمزة في رواية آدم يا سيدي, ورغم ذلك, فوجوده عائق لوصل ذكرى الى ما تبتغيه اشتغالات الخطاب المتخفي الذي يلح انه لا مستقبل للمرأة الا في غياب الرجل طوعا او كرها. فكما يموت حمزة في حادث مفاجئ لتتألق الام الارملة, يموت الدكتور عاصم في حادث كذلك. ألم نقل انه الخطاب الذي يوحد بين هذه الحالات, يكشف الازمات ويقترح الحلول.
لقد مات عاصم لتتفوق ذكرى بعيدة عنه ولتبلغ اعلى المراتب, فتكتب معاناتها وتصبح كاتبة مشهورة تدور المطابع من اجل كلماتها التي تفضح عالم الرجل.
فاذا كان الاب قد قتل الام, ام ذكرى, بفعل سلطته المزدوجة كونه شيخ القبيلة وكونه رجلا, وهو قتل مادي صور المجتمع خاليا من القانون الذي ينتصر للمرأة, فان ذكرى تعاني, بعد ذلك, قتلا اكثر قسوة من الناحية المعنوية عندما يتدخل والد عاصم من اجل ان تظهر رفضا ونفورا من ابنه عاصم حفاظا على سمعة العائلة. وهو ما ترتب عليه وفاة عاصم في حادث سير تحت تأثر انفعاله الحاد.
ويشتغل هنا الخطاب المتخفي ليظهر عموم العلاقة بين المرأة والرجل في مستواها الواقعي, وهو خطاب الهيمنة. فالرواية هنا مجرد تمثيل رمزي للواقع في صورته الفظة, غير ان الرواية تنقل الخطاب من مستواه الواقعي الى مستواه التخييلي. حيث تظهر المرأة ذكرى مالكة لارادتها, قوية في تضحيتها, قادرة على التفوق والنجاح دون وجود الرجل. وهذا تأكيد على ان المرأة لا تنتصر الا في غياب الرجل لا في حضوره او في مشاركته. وهو خطاب الاقصاء الذي صور قدرية الظروف التي تضع المرأة امام نفسها, فاما ان تكون او لا تكون.
لقد حققت المرأة - ذكرى وهي بمفردها اكبر الانتصارات, حيث اصبحت كاتبة مشهورة يشار اليها بالبنان, ويصفق لها العالم كله رجاله قبل نسائه. هذا هو خطاب الاقصاء الذي ترى فيه الكاتبة مدخلا لتأكيد وجودالمرأة, حيث اظهر ان تفوقها يعود الى تخلي الرجل عنها, الاب من قبل, ثم والد حبيبها الذي طلب منها التضحية من اجل سمعة ابنه, ثم اخيرا موت حبيبها عصام. وهو ما يجعل خطاب الاقصاء حاضرا عند الكاتبات وفقا لرؤية استحالة حضور المرأة في وجود الرجل.
وتبدو رواية (امرأة فوق فوهة بركان) لبهية بوسبيت منسجمة مع نفس الرؤية. فالرواية منذ البداية وضعت الرجل والمرأة في طرفي نقيض, حيث يبدو العنوان الانسب للرواية (امرأة على فوهة بركان الرجل), لانه لا توجد حكاية الا من خلال الرجل القاسي المستبد. فالرواية كتبت بعد ان قالت شريفة راثية لحالها بعد ان زوجها والدها دون علمها (ان الكلام لم يعد له فائدة الآن).
غير ان الرواية لم تكتب الا لترميم صوت شريفة المهزوم وبناء خطاب العلاقة بين الرجل والمرأة من منظور يسمح بفضح سلوك الرجل سواء الاب او الزوج في حال هذه الرواية.
فالشابة المراهقة شريفة يقوم والدها الجاهل القاسي - حسب وصف الرواية - بتزويجها دون علمها, حيث تزف الى احمد الرجل الكهل الفظ القاسي الذي لم تره الا ليلة عرسها. ولا يظهر شيء جديد في الرواية من حيث الخطاب, فهو خطاب يخلو من الصراع, خطاب يعمل على تضخيم صورة الرجل العنيف, الفظ في تصرفاته مع زوجته الى حد انه لا يتنازل في ان تشاركه طعامه. جدار عال من القطيعة النفسية يزيده ارتفاعا انجابها ابنتين قبل فرحته بمولوده الثالث. غير ان فرحته هذه لم تغير من تعامله مع زوجته.
وتكاد الرواية تستمر في صورتها النمطية هذه حتى صعدت الرواية خطابها باقصاء عنفوان الرجل, حيث اصيب احمد بالعجز والمرض مما سمح لشريفة ان تتمرد في ظروف قهرية كأن تخرج لزيارة ولدها عمر في المستشفى دون اذن من زوجها.
لكن القفزة النوعية في حياة شريفة هي استغلالها للظروف الخارجية, لا لقدرتها الذاتية في الخروج للحياة. فمرض زوجها وعجزه وفقره وكبر سنه, سمح لها ان تبدأ رحلة البحث عن عمل لتعيل اسرتها.
غير ان سلطة المجتمع وبيروقراطيته بدت اكثر قهرية عندما رفض طلبها للعمل في احدى المدارس كمستخدمة لان وظائف مدارس البنات تشترط تعيين الزوج حارسا والزوجة مستخدمة.
وهنا يظهر حضورها مرتبطا بالرجل الزوج, لكن هذه المرة بدعم من ثقافة المجتمع التي ترى في الرجل الحارس الامين على المرأة في حضورها وغيابها.
غير ان هناك الماحة صغيرة في نهاية الرواية نحو امل في شيوع ثقافة توفر للمرأة حضورا معقولا, خاصة عندما ظهر صالح زوج ابنة شريفة اكثر تسامحا ودعما لزوجته ومشاركته اعباء تعليمها ومستقبل حياتها. لقد اختارت الرواية اسم صالح وعيا بان الرجل الذي لا يعطي المرأة حقها فليس جديرا بان يحظى برتبة الصلاح.
غير ان حقيقة الخطاب السردي في رواية المرأة يؤكد انه لا فرق بين رجل كريم مع المرأة مثل حمزة في رواية (آدم يا سيدي), او احمد الرجل العنيف في رواية (امرأة فوق فوهة بركان). فالقضية تتعلق برغبة جامحة في الخطاب السردي النسوي في تغييب الرجل لاجل حضورها المستقل من كل ذرائعية للرجل في دعمها.
فهو خطاب خفي لا يريد الشفقة ولا الاحسان من الرجل نحو المرأة, ولا يريد فرضية المشاركة بين الطرفين, انه يريد فقط ان يرى العالم امرأة.
كلمة اخيرة
تبدو خمس عشرة رواية قادرة على منحنا قدرا معقولا من بيان موقف ما من رواية المرأة في المملكة. لقد اتخذت المرأة من كتابتها السردية منبرا لتعزيز خطابها, غير مكترثة او غير متفانية في الاجادة السردية, مما جعل رواياتها تبدو اقرب لمناشير اجتماعية متوسلة بالسرد. غير اننا لا ننفي تميز بعض الكتابات سرديا خاصة رواية نورة الغامدي (وجهة البوصلة), ورواية ليلى الجهني (الفردوس اليباب) ورواية مها الفيصل (توبة وسليى), ورواية رجاء عالم (مسرى يا رقيب) مع ما في الاخيرة من التحذلق والتعالم.
ان اهمية قراءة رواية المرأة من منظور الخطاب يتيح فرصة الوقوف عند نقطة استخدام الجمالي لتبرير مواقف مسبقة او لجعلها الركيزة الاساسية في المقولة السردية النهائية في رواية المرأة. فالمرأة تكتب بحس الادانة المسبقة للرجل, بحس الرغبة في التجاوز وكسر القيود, فتتحول كتابتها الى نص مقاوم يفتقد احيانا مبرر وجوده الفني.
وربما يفسر ذلك ضعف اغلب هذه الروايات من الناحية الفنية. وهذا لا يعني الدعوة الى كتابة سردية خالية من القيمة الموضوعية, بل انه تأكيد على ضرورة تلازم الجمالي والفكري في اي عمل سردي. ويبدو ان السرد هو الصيغة الانسب في بث المرأة افكارها دون اثارة حفيظة المجتمع المحافظ, لان السرد في منظور المجتمعات المحافظة خيالات واكاذيب تدعو للسخرية اكثر من الاحترام او اخذها مأخذ الجد.
من هنا يتأكد اشتغال الخطاب في تعرية المخبوء وكشف اشكالية التعايش بين الرجل والمرأة.
لقد بدا وضع المكان في رواية المرأة استثنائيا, حيث سيطر حضور المكان البديل هربا من المكان المغلق الذي تراه مرادفا للواقع, لواقعها بكل ازماتها الاجتماعية. ومن هنا يتحول المكان البديل الى خطاب يحدد موقفها من المكان المغلق حتى وان عينت المكان فهو تعيين سردي غير واقعي, الغاية منه الادانة وليس تحويله الى حضور فاعل.
فالكاتبات وقفن بين مكانين, مكان معين ومكان بديل. فالمكان البديل يكمن في عدم التصريح به او التصريح بمكان مغاير لمكان انتماء منتجة النص.
وهو يبدو من الناحية السردية مقبولا, غير ان الخطاب يرى ان هذا التبديل في جوهر المكان غير محايد, بل اقصاء للمكان الواقعي بغية تسجيل موقف غير معلن. اما المكان المعين - جدة مثلا - فهو يحضر في الغالب لغرض الادانة كما في رواية ليلى الجهني (الفردوس اليباب), ورواية نداء ابو علي (مزامير من ورق).
والسؤال الآن: هل المرأة الكاتبة تعي حضور الخطاب عندما تكتب؟ ام انها تكتب وفقا لقناعاتها بعيدا عن التقرير المسبق لنسف خطاب الرجل؟ هل كاتبة (آدم يا سيدي), على سبيل المثال, كانت تعي ان موت حمزة سيقرأ على انه خطاب يقوم على مفهوم الاقصاء والاحلال؟
لاشك في انها اسئلة لا تلغي وعي الكاتبات بالتجربة على تفاوت فيما بينهن, لكنها ايضا تعمل وفقا لخطاب يجيد التخفي والاشتغال بطريقة ماكرة. ان دور المتلقي في كشف آلية اشتغال الخطاب تبدو عملية حاسمة في تلقي هذه الاعمال عموما, وفي استنتاج رؤية توحد بين هذه الكتابات التي تتكرر فيها الثيمات المختلفة, مثل اقصاء الرجل والهروب من المكان باشكال مختلفة, لكن من اجل نتيجة واحدة.
هل يمكن للمرأة ان تكتب رواية بعيدا عن ازمتها مع الرجل؟ لعل هذه الكتابة هي التحدي الاكبر الذي تواجهه المرأة الكاتبة. ذلك ان وصولها الى هذه الكتابة معناه انها بدأت برؤية منفتحة على العالم, برؤية تخرجها من دور الضحية الى دور يتناسب مع دورها البيولوجي العظيم المتسم بقدرتها على العطاء. اترك هذا الافتراض لكم ايها السيدات والسادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.