أقام نادي تبوك الأدبي وضمن نشاطه المنبري مساء الاثنين الماضي محاضرة بعنوان (الرواية النسائية السعودية) ألقاها الدكتور/ حسن النعمي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة والدكتور/ أحمد جاسم الحسين عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بتبوك وذلك بقاعة مركز الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي بتبوك وأدار المحاضرة الدكتور موسى العبيدان. وبدأ الدكتور النعمي الحديث قائلاً: مع تزايد عدد الروايات النسائية في المملكة غدا الوقوف أمامها ومحاولة استنطاق خطابها ضرورة معرفية ملحة، فمنذ أوائل الستينات الميلادية أخذت رواية المرأة بالحضور المتصاعد حيث مثلت مراحل زمنية مختلفة بدءاً من الروايات الأولى لسميرة خاشقجي وهدى الرشيد ومروراً بروايات رجاء عالم ونورة الغامدي وانتهاء بروايات مها الفيصل ونداء أبو علي. خطاب مسبق واستطرد الدكتور النعمي في حديثه حتى قال من الواضح أن المرأة في رواياتها تشتغل وفق خطاب مسبق يملي عليها تراكمات من العلاقة بين الرجل والمرأة، فالخطاب الثقافي الرائج يؤكد أن المرأة ضحية سلطة ذكورية أبوية، فالرجل هو المهيمن في السياسة والمجتمع حتى بلغ الأمر في بعض الخصوصيات الثقافية إلى إقصاء هوية المرأة. دلالة المكان وأكد الدكتور النعمي في حديثه أن أهم ملمحين يمكن أن نبينهما في رواية المرأة هما: دلالة المكان حضوراً وغياباً، ومفهوم الإقصاء والإحلال في علاقة المرأة بالرجل. ثم تحدث المحاضر الأول عن محور" المكان: إقصاء المتن.. وتثبيت الهامش" وقال: تبدأ أزمة المرأة مع المكان من الواقع وتمتد إلى المتخيل السردي. فهي تبدو محكومة بالمكان المغلق في اشتراطات ثقافية واجتماعية كبرت القناعات حولها حتى بدت هي القاعدة وما عداها هو الاستثناء، وأشار في حديثه إلى أن المكان المغلق حالة خاصة تتشكل وفقاً لمواصفات اجتماعية حيث تجد المرأة نفسها ملزمة بمراعاة شروط وجوده. حذر وتحفظ وقال من هنا تأتي كتابة المرأة السردية لتنقلها من ظل المكان إلى أرض تتخلص فيها من نفيها وإقصائها، لقد ظهرت رواية المرأة حذرة في تسمية المكان أحياناً ومتحفظة في أحيان أخرى، بل تجلت المفارقة في أن أول روايات المرأة صدرت في الخارج ربما إذعان للشرط الاجتماعي الذي يرى في الكتابة فضحا لزيف الإقصاء، وأكد في حديثه أن المشكل الذي أحاط بالمرأة هو كيفية تقبل المجتمع لجرأتها السردية، بل لجرأة الكتابة بوصفها فعلاً ذكورياً. وربما يفسر هذا التصور صدور الروايات النسائية الأولى خارج المملكة وبالتالي وصولها إلينا بوصفها كتابة وافدة، وذكر عددا من الأمثلة لمثل هذه الروايات. الخطاب والخطاب المضاد بعد ذلك تحدث الدكتور النعمي عن المحور الثاني وهو الخطاب والخطاب المضاد: الإقصاء والإحلال وقال: ينظر للخطاب على أنه الحمولات الفكرية والتقاطعات السياقية بين أكثر من معطى تاريخي أو ثقافي أو اجتماعي أو سياسي حيث تؤثر هذه الحقول في الممارسة الاجتماعية من ناحية، وفي المسلك الفردي من ناحية أخرى إضافة إلى ذلك يعني الخطاب بتفكيك آلية اشتغال السلطة في مستواها الاجتماعي، واستطرد قائلاً: ان رواية المرأة نمط من الكتابات السردية التي تتخذ من الفن السردي منطلقاً للتعبير عن جدل الذات مع الواقع،هاربة من الكائن إلى واقع ينبغي أن يكون حتى ولو في المتخيل. أمثلة من الضعف الفني واستشهد الدكتور النعمي بعدد من الروايات التي يظهر فيها الضعف الفني البارز وكذلك فرضية الإجابة لخطابي الإقصاء والإحلال ومنها رواية (قطرات من مجرات الدموع) لسميرة خاشقجي ورواية (آدم يا سيدي) لرجاء عالم وغيرها من الروايات. واختتم الدكتور النعمي حديثه قائلاً: ان أهمية قراءة رواية المرأة من منظور الخطاب يتيح فرصة الوقوف عند نقطة استخدام الجمالي لتبرير مواقف مسبقة أو لجعلها الركيزة الأساسية في المقولة السردية النهائية في رواية المرأة، وتساءل هل يمكن للمرأة أن تكتب رواية بعيداً عن أزمتها مع الرجل؟ لعل هذه الكتابة هي التحدي الأكبر التي تواجهه المرأة الكاتبة ذلك أن وصولها إلى هذه الكتابة معناه أنها بدأت تفكر برؤية منفتحة على العالم، برؤية تخرجها من دور الضحية إلى دور يتناسب مع دورها البيولوجي العظيم المتسم بقدرتها على العطاء. التجديد في روايات رجاء عالم أما الدكتور أحمد الحسين فقد تحدث عن محور (التجديد والمكان في روايات رجاء عالم) وقال: تعتبر تجربة رجاء عالم ممثلة لتيار التجديد في الرواية النسائية السعودية ولكن خطابها الروائي اشتكى من عدد من الإشكاليات من مثل تراكب اللغة وطول الجملة وإبهامها أحياناً، إضافة إلى إشكالية على مستوى التناص وتداخله وإشكالية في التجنيس إذ قدمت في معظم رواياتها نصوصاً هي أقرب للنص المفتوح منها للرواية إضافة إلى اعتمادها على الأحداث العمودية المتداخلة، ثم تحدث الدكتور الحسين عن خصوصية تجربتها الروائية وكيفية تعاملها مع المكان بخاصة المكان المكي عبر مكوناته المعروفة، فالحرم مثلاً نظرت إليه بصفته مكاناً مقدساً وفضاءً للعجائبي وفضاء للحياة اليومية، إضافة إلى الحارة المكية والدار المكية وخصوصيتها ومكوناتها ورافق ذلك حديث عن المهن المكية والعادات والتقاليد وتخصص مكة ببعض المهن من مثل مهنة الزمازمة وسواها.. البحث والتأمل وقال الدكتور الحسين لم تنظر رجاء عالم إلى هذه المكونات نظرة توثيقية بل نظرت إليها بصفتها مكونات لعالمها الروائي عبر فسيفساء متجانس تمكنت من خلاله أن تقدم نصوصاً فيها من الغنى ما فيها إضافة الى التداخل بين ثناياها، وأكد الدكتور الحسين في حديثه أنه بغض النظر عن الموقف من التجديد عند رجاء عالم ونجاحها أو عدمه إلا ان تجربتها شكلت نقطة تحول تحتاج للتأمل والبحث لتوضع في موضعها الملائم لها. د. أحمد الحسين