عزيزي رئيس التحرير (أول يوم زواج هو غالبا آخر أيام الحب) من الامثال الغربية والعجيبة في المجتمع الاوروبي وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على انحصار المحبة في تلك الشعوب بالغرائز التي سرعان ما تتلاشى بعد ان يصل كل منهم الى مراده. اما في المجتمع الاسلامي فقد اوضح الدين الحنيف بيان المحبة بين الزوجين بأن الحب الحقيقي هو الاخلاص والصفاء والنقاء وهو ماء الحياة وروح الوجود وشرف النفس. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لم ير للمتحابين مثل النكاح) اخرجه ابن ماجة (حديث حسن) ولذلك فان الحب الحقيقي لا يرى ولا يكتشف الا بعد الزواج حيث تتاح الفرصة الحقيقية لاظهار المودة وتبادل المنافع وترجمة الكلمات المعسولة الى عمل والعقد الشرعي دليل على جدية هذا الحب ودليل على صدق النوايا والمشاعر والعواطف فالحب الجاد هو رجولة وتحمل للمسئولية ولا يصدق الحب الا بعد الزواج فيه تسكن النفس من الصراع ويكف النظر عن الحرام وتطمئن العواطف فتخرج صادقة بريئة بما احل الله ولتجسيد الاقوال الى افعال فمعاملة الرجل لامرأته وكذلك العكس لها الاثر في اضفاء المودة والرحمة بينهما والخوف من الله عزوجل في معاملة كل طرف للآخر لها المردود الايجابي في اضفاء المودة والرحمة بينهما والمعصية لها الاثر العجيب في كثرة المشاكل والخلافات وعدم الوفاق بين الزوجين. ويكفي هذا قوله تعالى (وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير). فالباحث عن سر السعادة الزوجية يجدها في القرآن الكريم وفي سيرته صلى الله عليه وسلم. اما عن العوامل التي تؤدي الى المودة والسعادة بين الزوجين بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى الذي بيده ان يوفق ويبارك ويجمع بين هذين القلبين فهي كثيرة ومنها: 1- تبادل الهدايا وان كانت رمزية كوضع وردة على مخدة الفراش قبل النوم لها الاثر العجيب والرجل حين يدفع ثمن الهدية فانه يسترد هذا الثمن اشراقا في وجه زوجته وابتسامة حلوة على شفتيها وكلمة ثناء على حسن اختياره. 2- النظرت التي تنم عن الحب والاعجاب يروى عن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ان الرجل اذا نظر الى امرأته ونظرت اليه نظر الله اليهما نظرة رحمة فاذا اخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال اصابعهما) فالمشاعر بين الزوجين لا يتم تبادلها من خلال الواجبات الرسمية فحسب او حتى من خلال تبادل الكلمات العاطفية فقط بل الكثير من خلال إشارات غير لفظية كتعبيرات الوجوه ونبرة الصوت ونظرات العيون فكلها من وسائل الإشباع العاطفي. 3- التحية الحارة والوداع الحار عند الدخول والخروج وعند السفر والقدوم وعبر الهاتف والشوق المتبادل بين الطرفين واخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم "ان السلام على الاهل عند الدخول او الخروج تكن بركة". 4- الثناء على الزوجة واشعارها بالغيرة المعتدلة عليها وعدم مقارنتها بغيرها وبث الإحساس لديها بأنها نعمة من الله عليه ونفس المشاعر منها لزوج وفي. 5- نزهة قصيرة وزيارة جميلة بعيدا عن المنزل والاولاد ولو لساعات يصاحبها السير على الأقدام في جو جميل وقد تشابكت اليدان لتشتعل حرارة المودة فتزيدها بين القلبين تماسكا ومحبة. 6- الجلسات الهادئة وتخصيص وقت للحوار وتجاذب اطراف الحديث يتخلله بعض المرح والضحك بعيدا عن مشاكل الاولاد وصراخهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وانك مهما انفقت من نفقة فانها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها الى في امرأتك) قال النووي رحمه الله (رفع اللقمة الى فم الزوجة يقع في حال المداعبة ولشهوة النفس وفي ذلك مدخل ظاهر ومع ذلك اذا وجه القصد في تلك الحالة الى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله). 7- المصارحة والتنفيس وعدم الكبت والبوح بالمشاعر فان اخطر ما يهدد العلاقة العاطفية هو الكبت وعدم البوح بالمشاعر والمخاوف التي تختلج في صدر احدهما او كليهما مما يسبب تخزين المشاكل ومن ثم تضخيمها ولكن وبمجرد الحديث واظهار ما بالنفس تجاه الآخر وبالحوار الهاديء وبالمناقشة الجميلة ترتاح النفس وتمطئن. 8- تنمية اواصر المحبة بين الزوجين خاصة في السنوات الاولى بعد الزواج والحفاظ عليها من البرود فالمودة في القلب كغرسة في الارض تحتاج للسقاية والعناية وفي مثل حالهم سؤال هذه المرأة لزوجها عن سبب انصرافه عنها بعد فترة من الزواج. 9- نداء الزوجة بأحب الاسماء اليها فمثلا تصغير الاسم او الترخيم بحذف حرف منه من باب الدلال واضفاء البهجة والسرور على الزوجة وليقع موقعا جميلا في قلب الزوجة فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام). 10- التحبب بين الزوجين ان لم يصل الحب الى مداه فان التحبب داعية للحب كما يقال والقناعة بالزوجة فهي كنز لا يفنى: قالت امرأة تعاتب زوجها: ادعو الذي صرف الهوى مني اليك ومنك عني ان يبتليك بما ابتلاني او يسل الحب عني. 11- الاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين فاكرام المرأة وحسن معاملتها دليل على شخصية الرجل وحسن نبله واهانتها دليل على الخسة واللؤم وكما قيل (ما اكرمهن إلا كريم وما أهانهن الا لئيم) كما ان احترام المرأة لزوجها وتوددها له عند الانفعال والغضب دليل على رجاحة عقلها وحسن خلقها وقد قال صلى الله عليه وسلم (ألا اخبركم بخير نسائكم بالجنة (قلنا بلى يا رسول الله) قال: كل ودود ولود اذا غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا اكتحل بغمض حتى ترضى) والاجمل العذر المتبادل بين الزوجين كما قال ابى الدرداء لزوجته (ان انا غضبت فرضني وان انت غضبتي فرضيتك والا لم نصطحب). 12- النظر في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعاملته ومعاشرته لأزواجه وحكمته ورحمته في باب التعامل الاسري. ان العوامل التي تزيد من المودة والمحبة بين الزوجين كثيرة جدا ولا يمكن حصرها النقاط سابقة الذكر ومنها محاربة الروتين والملل وما يطغى على الحياة الزوجية محاولة الانسجام خاصة عند الاسترخاء ويكون بهجر كل مشاكل العمل والحياة اليومية - الاشتراك معا في بعض الاعمال الخفيفة كالتخطيط للمستقبل - كتمان الاسرار بين الزوجين. التغاضي عن الزلات والاخطاء وكما قال الشاعر (اذا الحبيب اتى بذنب واحد.. جاءت محاسنه بألف شفيع) الملاطفة بين الزوجين في اوقات متفرقة فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل احدى نسائه وهو صائم ثم تضحك) - بل انه حتى هذه العوامل تحتاج الى المثابرة والجهد للوصول الى معنى الحب الحقيقي فالحب هو منبع الحياة بل هو سير الحياة الحب لذة روح الوجود ففي الحب تصفو الحياة وتشفق النفس ويرقص القلب وبالحب تغفر الزلات وتشهر الحسنات ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن ولا عطف الكبير على الصغير ولا الغني على الفقير ولا ضحكت الحياة. واخيرا فقد بنى الله عزوجل العلاقة بين الزوجين على أساسيين: المودة والرحمة لقوله تعالى (جعل بينكم مودة ورحمة) وذكر الطنطاوي رحمه الله (أن بعض البيوت لم تقم على المودة انما على الستر) فان لم تكن المودة بين الزوجين او ضعفت فلتكن المعاشرة بالمعروف لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف). ياسر سعد الحسيني الرياض