أتساءل بيني وبين نفسي بين حين وحين عن اللهجة المحلية في أي قطر عربي: هل لها تأثير مباشر على لغتنا الفصحى؟ يكاد هذا السؤال لا يجدل له جوابا شافيا بين عقول الأدباء والنقاد والمفكرين.. ذلك ان العاميات هي وسيلة التعبير اليومية داخل المجتمعات العربية منذ زمن بعيد.. وليس من السهولة الفكاك منها بين عشية وضحاها وان حاولنا ذلك.. وقد بدأت المحاولات بالفعل عبر كثير من الأعمال الفنية وعبر الاجهزة الاعلامية المرئية تحديدا.. ولكن لا يمكن القول انها صرفت العامة والخاصة ايضا عن التشبث بعاميتهم.. والعودة إلى الفصحى.. وعندما اقول العودة فانني أشك ضمن من يشك ان العرب حتى في جاهليتهم الاولى كانوا يتفاهمون ويتخاطبون باللغة الفصحى.. او اللغة (الأم) كما توصف أحيانا.. وأكاد أذهب الى أنهم كانوا يتحدثون بلغة يسميها المحدثون اليوم لغة (البين بين) اي تلك اللغة التي تزاوج بين الفصيح والعامي .. وهذا التكهن يبدو راجحا عند اولئك المؤرخين لنشأة اللغة العربية واكتمالها. ونجد بين ظهرانينا من الأدباء العرب من مارسوا الكتابة بتلك اللغة (البيتية) ان جاز التشبيه.. وهم كثر.. ومنتشرون في المغرب العربي ومشرقة.. ويبدو ان هذه اللغة التي يمكن تشبيهها باللغة (الوسط) هي التي يجب ان تسود في كتاباتنا وخطاباتنا اليومية، لأنها الأقرب الى عدم فقد أصالة لغتنا.. وعدم ابتعادنا كثيرا عن لهجاتنا التي لاتزال نفتخر باستخدامها في حياتنا اليومية.. ولا أظن ان استخدام السواد الأعظم من شعوب الأمة العربية للهجات المحلية سوف يؤثر على سلامة لغتنا العربية الفصحى او بتركيبها والا لحدث هذا في الجاهلية وبعد هذا العصر.. بل وخلال ازدهار الأدب العربي في العصر العباسي الاول والأخير.. والناس كلهم يتحدثون بلهجات عامية في سائر دولنا العربية، ومن الخطأ الفادح ان نشبه اللهجة باللغة.. فلغة العرب واحدة لا بديل عنها.. اما اللهجات فعديدة ومختلفة، بل انها قد تختلف بين مدينة واخرى في القطر الواحد كما نلاحظ ذلك جليا في سائر الدول العربية. ومن الخطأ الشائع أن الأمة العربية هي نسيج وحدها في مضامير استخدام اللهجات في التخاطب والتعامل، وربما في الممارسات الفنية والأدبية أحيانا، فمعظم شعوب الأرض لها لهجاتها الخاصة بها ايضا.. ولها (لغاتها) وأقول لغاتها بالجمع وليس لغتها بالمفرد.. ذلك لأن بعض دول العالم تتحدث بأكثر من لغة ولهجة.. وهذا ما يميز لغة الضاد عن سائر لغات العالم.. فالعرب لا يستخدمون إلا لغة واحدة وان تعددت لهجاتهم.. والحقيقة ان من اهم الأسباب الرئيسة التي حفظت للغة العربية قوتها ورونقها واستمراريتها هو كتاب الله الشريف الذي نزل بلغة قريش.. أي بلغة العرب، وتعهد سبحانه وتعالى بحفظه الى ان تقوم الساعة.. وفي هذا الحفظ حفاظ على اللغة العربية الفصحى التي عاشت حتى الآن قوية ومعطاءة بينما اندثرت كثير من لغات أمم الأرض واضحت نسيا منسيا، فعنفوان اللغة العربية لايزال ماثلا بين ظهرانينا لهذا السبب الراجح مصداقا لقول رب العزة والجلال في محكم تنزيله الشريف:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). @@ طارق بن محمد المسند - القصيم