في الوقت الذي تدعو الأمم والشعوب إلى الحفاظ على هويتها الحضارية والثقافية كما يحدث في اليابانوفرنسا على سبيل المثال وفي الوقت الذي تمثل الثقافة حصنا منيعا في مواجهة الثقافات الاستهلاكية والاعلامية يدعو بعض الكتاب في بلادنا إلى الكتابة باللهجة العامية وقراءة نشرات الاخبار بالعامية ايضا في وطن مهبط الوحي ومواطن اللغة العربية. هنا آراء متخصصين وباحثين ترد على دعوة بعض الكتاب في تكريس العاميه . وفي البدء علق أحمد الضبيب مدير جامعة الملك سعود سابقا وعضو مجلس الشورى سابقا ورئيس تحرير مجلة العرب في هذا المجال قائلا: إن الدعوة إلى العامية دعوة خطيرة وبلا شك إنها تحقيق لأهداف أعداء الأمة الذين يطمحون إلى تفتيت العرب والقضاء على وجودهم لأن اللغة العربية الفصيحة هي الرابط الأوثق بين العرب جميعا من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي فإذا تقوقع كل بلد في لهجته العامية فإنه سوف يشكل جزيرة ثقافية خاصة به تنقطع حياتها بالبلدان الأخرى، وهذا بالطبع سوف يفتت أوصال ثقافتها ويقضي على وحدتها الثقافية التي هي في الأساس لكل نهضة منشودة والذين دعوا إلى العامية من كتابنا إلى الكتابة باللهجة العامية وقراءة نشرات الأخبار بالعامية أيضا مخطئون وينظرون إلى الأمر بشيء من قصر النظر والأجدى أن ينظروا إلى الموضوع بنظرة عامة وشاملة تستهدف رقي هذه الأمة وتقدمها، ولا يكون ذلك إلا بسهولة التواصل بين أبنائها بعضهم البعض وبين أبنائها وتراثهم القديم.إن الدعوة إلى العامية والكتابة بها تقطع الصلة بين العرب المعاصرين بعضهم البعض وبينهم وبين تراثهم وفي ذلك خطر عظيم على الثقافة العربية وعلى الوجود الحضاري للعرب. أما حمد القاضي عضو مجلس الشورى فقال: لغة كل أمة هي رمز هويتها ومكون أساس من مكونات وحدتها من هنا فإن أي غيور يتألم مما يتم في بلادنا نحو لغتنا من مؤشرات تجاهلها والاستهانة بها وكأن هذا الوطن ليس مهبط الوحي وموطن الضاد وانظروا إلى نماذج من هذا التجاهل، ففي الفنادق يردون عليك بلغة أجنبية والفواتير في كثير من المحلات والمؤسسات بلغة غير عربية. وانظروا إلى أسماء شوارعنا وكأنك تسير في مدينة اجنبية وأخيرا دعوة احد الكتاب إلى قراءة نشرات الأخبار بالعامية. الغريب أن هذا التجاهل الفاضح يتم في وطن نص في نظامه الاساسي على أن لغة هذا الوطن هي اللغة العربية وهناك العديد من الاوامر السامية تدعو على التمسك بلغتنا في التجارة والفنادق والشوارع وغيرها. بقي أن نعي خطورة تجاهل لغتنا ومسح رمز هويتنا. ومن جانبه قال الدكتور عبدالمحسن القحطاني باحث وأكاديمي: إننا نسعى إلى اللغة العربية التي يفهمها كل العرب ولا نسعى إلى تغزيم اللغة وجعلها أشتاتا متفرقة كما كان في السابق قبل توحيد المملكة كانت هناك لهجات إقليمية ضيقة ولو حج واحد من الجنوب أو نجد إلى مكة لاحتاج إلى مترجم، فنحن الآن فرحون أن العاميات بدأت تنحسر وأصبحنا في لغة تسمى لغة المثقفين وهي ما تكتبه الصحافة وتقرؤه في النشرات. والذين يدعون إلى العامية بأية عامية ينطقون هل هي عامية في القصيم أما عامية نجد أم عامية الحجاز أم عامية الجنوب بأي عامية نستقبل نشرات الأخبار مع أنهم يدعون إلى عامية المثقفين إن صح التعبير وهي عامية نريد لها الترقي لا التقوقع. من جهته علق الدكتور عاصم حمدان كاتب وأكاديمي قائلا: هناك مفارقة عجيبة وهي أن الذين يدعون إلى إحلال العامية مكان الفصحى يستخدمون الأخيرة في سبيل الترويج لأفكارهم مما يبرهن على المعضلة التي تمر بها الثقافة العربية في حقبتها المعاصرة. في الغرب تصدر تشريعات من الجهات المعنية بعدم استعمال لغة أو لهجة غريبة عن اللغة الاصلية كما هو الحال في فرنسا وفي بريطانيا فلا أحد مثلا من أدباء المقاطعات المختلفة مثل «ويلز» وشمال «ايرلندا» و«اسكتلند» لا يكتبون بلهجاتهم التي تختلف كليا عن اللغة الانجليزية الفصحى بل يكتبون بالأخيرة أي الفصحى وربما تفوقوا على نظرائهم من الأدباء المنتسبين إلى مقاطعة انجلترا. إن الدعوة إلى العامية قديمة ومستهلكة. إن هناك عشرات اللهجات والتي في حال استخدامها لغة للأدب والإبداع سوف يكون ذلك الأدب منحصرا في دائرة محدودة وعلى العكس من ذلك فإن الكتابة بالفصحى تتسع بها دائرة التلقي ليس عربيا فقط ولكن إسلاميا وعالميا. فكثير من بلدان وشعوب العالم الإسلامي يتحدثون العربية ويكتبون بها لأن لغة القرآن منهجنا العربي والإسلامي. وأخيرا علق الدكتور يوسف العارف ناقد وأكاديمي هذه الدعوة إلى استخدام اللهجة العامية في الكتابة وقراءة نشرات الأخبار وفي القنوات الإعلامية دعوة غير مقبولة من أناس مثقفين يؤمنون بنشر اللغة العربية خاصة في هذا العصر العولمي الذي يفقدنا الهوية واللغة ولا بد من المحافظة عليها كأمة عربية لها لسانها وآدابها ولغتها العربية التي بها حفظ التراث العربي والإسلامي وحفظ أيضا الأدب العربي في قديمه وحديثه، وأصبحت اللغة العربية الفصحى هي التي تجمع بين الشعوب العربية وتوحد ثقافاتها وتؤجل قيمها في مقابل هيمنة الثقافات الأجنبية.