تحول سوق الفرنساج الى مقصد للسياح الأجانب الذين يزورون موسكو رغم أنه لا يمت بصلة الى الآثار التاريخية أو الحضارية الروسية. فهنا في هذه البقعة التي لا يزيد حجمها على كيلومتر مربع اختلط التاريخ بالحاضر وتجمع المهرة والتجار والهواة من كل الحرف لعرض بضائعهم ومنتوجاتهم أمام السياح والمواطنين على حد سواء ليشكلوا بورة تجارية حيوية يتم التداول فيها بكافة العملات المتعارف عليها سواء الروبل أو الدولار واليورو وحتى الين الياباني. ويلفت الانتباه العدد الكبير من الفنانين الذين يقفون على رأس لوحاتهم الفنية والمهرة الذين يبيعون بأنفسهم منتوجاتهم ومستعدون لتقديم شرح كامل عنها اضافة الى البائعين المحترفين الذين يعرضون كل ما هو قديم وجديد بدءا من المتروشكا الروسية وهي عبارة عن مجسمات على شكل لعبة تحتوي ما يتراوح بين 20 وخمسة من أمثالها من الحجم الأصغر المتدرج. في سوق الفرنساج تستطيع أن تجد تماثيل ماركس ولينين وانجلز وغيرهم من القادة الثوريين الروس وغيرهم اضافة الى الرايات الحمراء والنياشين وحتى الملابس العسكرية السوفيتية القديمة وقد عرضت للبيع بعد أن كانت تزين في الماضي الشيوعي مكاتب كبار المسؤولين وجدران الكرملين والمباني الحكومية وكانت ترفرف في المناسبات والأعياد الرسمية. ولا تستغرب ان صادفت فنانا كبيرا أو حتى أكاديميا من الذين جار عليهم زمان التحولات والديمقراطية الروسية فاحتل موقعا في سوق الفرنساج ليبيع جزءا من ابداعه الفني أو مولفاته أو حتى جزءا من المقتنيات الأثرية لعائلته. وقالت احدى البائعات وتدعى ريجينا تولستيخ التي تبيع منتوجاتها اليدوية من العرائس المزركشة انني أعمل أستاذة للموسيقى في أكاديمية الموسيقى وطلابي الآن من أشهر العازفين وللتو عدت من ايطاليا حيث شاركت في ندوة عالمية حول الموسيقى وحصل عدد من تلاميذي على جوائز بارزة. واضافت انني أصنع بيدي هذه العرائس بالملابس التقليدية الفولكلورية الروسية وبدأت أبيعها هنا منذ أن بدأ عهد البيريسترويكا كي أحصل على أي دخل للعيش بعد أن ضاقت بنا السبل. واستطردت: ان صناعة هذه العرائس من هواياتي المفضلة التي برزت لدي في سن مبكرة موضحة أن هذه العرائس تحظى باعجاب السياح الأجانب والدبلوماسيين الذين يعملون في موسكو والذين يحرصون على اقتناء الجديد منها. وحقيقة فان سوق الفرنسياج الذي كان بقعة منسية في أطراف العاصمة الروسية تحول بفضل الحركة التجارية الواسعة التي يشهدها الى واحدة من أغلى المناطق من ناحية الايجارات في موسكو اذ تعادل أجرة المتر المربع الواحد يوميا زهاء 10 دولارات. ويتعذر على أي انسان يدخل الفرنساج أن يغادره خالي الوفاض دون أن يشتري بعض الهدايا التذكارية الكثيرة سواء من الأحجار الكريمة أو المناديل والملابس الروسية التقليدية وحتى كاميرات زينيت القديمة والمناظير بما في ذلك الليلية منها وغيرها الكثير من المصنوعات والمنتوجات الفنية الجميلة والابداعية. واذا كان السياح المسلمون مهتمين بالمسابح على اختلافها المصنوعة من الكهرب الخالص فان اهتمامات السياح الأجانب تختلف حتى باختلاف ايديولوجيات الدول القادمين منها0 واوضح ألكسندر دورايف /لكونا/ ان السياح الصينيين على سبيل المثال مهتمون بشراء النصب التذكاري للينين أما السياح الألمان فيهتمون بماركس بينما يهتم السياح من أمريكا اللاتينية بشراء الرايات السوفيتية الحمراء أما ستالين فيحظى باهتمام المحاربين الروس القدامى الذين يعتبرونه رمز النصر على ألمانيا النازية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فمع الانبعاث الروحي والديني في روسيا ازداد الاهتمام بالايقانات المسيحية على اختلافها الجديد منها والقديم وباتت تحتل موقعا بارزا في الفرنساج علما أن خروجها من البلاد خاصة القديم منها يتطلب تصريحا من السلطات المختصة. ولا عجب في أن تجد في الفرنساج مصنعات من البرونز والنحاس تعود لقرون خلت خاصة الثامن عشر والتاسع عشر وتحظى باهتمام الهواة الذين يدفعون الكثير مقابل الحصول على قطع تاريخية نادرة. وقال أحمد كوشايف من داغستان الذي يتخصص في بيع المنقوشات النحاسية القديمة انها تعود الى الحرفيين الداغستانيين والبعض منها صنع في القرن السادس عشر وهي تعتبر هدايا قيمة فيما أوضحت بائعة اخرى تدعى جاليا سيريبروفا /لكونا/ أن السياح الأجانب يبدون اهتماما كبيرا بالملابس الفولكلورية الروسية. وأضافت سيريبروفا التي تتخصص في حياكة هذه الملابس: ان السياح يشترون هذه الملابس من أجل ارتدائها في الحفلات والمناسبات أما الروس فيرتدونها في الأعياد التقليدية خاصة الدينية منها والحفلات الفولكلورية. ويستوقف اهتمام السياح منتوجات الفنان فسيفولد غلاديلين الذي يتخصص بوضع نماذج من المراكب والسفن خاصة التاريخية منها في عنق الزجاجة في عملية معقدة تحتاج للكثير من الوقت والجهد. وقال غلاديلين: ان هذا الفن يعود في روسيا الى زمان القيصر بطرس الأول حيث عمل المهرة الروس على تمجيد انتصارات الأسطول الروسي موضحا أنه يقوم بتجميع نماذج السفن والمراكب من خلال عنق الزجاجة وأن العمل في البعض منها يستمر ثلاثة شهور. وأضاف: ان 10 من الفنانين الروس المهرة فقط يقومون بهذا العمل معربا عن استعداده لتصنيع نماذج من السفن التاريخية العربية اذا توافر الطلب بذلك.