تحت عنوان "اللغة العربية في عصر العولمة" عقدت جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية مؤتمرها الدولي العاشر تحت رعاية عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية ورئاسة الشيخ عبد العزيز سعود البابطين رئيس مؤسسة البابطين. وافتتح المؤتمر بكلمة للدكتور سامي نجيب رئيس الجمعية وامين عام المؤتمر الذي اشار إلى انه علينا ان ندرك ان العولمة تحمل بين طياتها مخاطر عديدة، بعضها ظاهر والاخر خفي، وسواء كانت هذه المخاطر سياسية كمحاولات الولاياتالمتحدة امركة العالم والانفراد بالشأن العالمي في ارداته ادارته احادية وبما يتناسب مع مصالحها واهدافها، وهناك مخاطر ثقافية تتضمن اذابة الحضارات او تهميشها وإحلال ثقافة تعمل على تفكيك كل الثوابت المراد اعادة صياغتها أو تقييمها بداية من الدين، ومروراً بالقيم الاجتماعية وانتهاء بالخطاب الثقافي والاعلامي والتعليمي. والقى المستشار محمد السيد كلمة نيابة عن السيد عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية اشار فيها إلى ان هناك تلازماً وارتباطاً بين الفكر واللغة، وتطوير الفكر الانساني من شأنه انتاج مفاهيم جديدة، وايجاد علماء اللغة مقابلات لهذه المفاهيم يرفع من شأن اللغة.. واذا كان من شأننا المحافظة على لغتنا فان هذا لا يعني ان نبتعد عن تعلم اللغات الاخرى ولذا لا بد من الاهتمام بالترجمة. واوضح الشاعر عبد العزيز سعود البابطين ان اللغة العربية لعبت دوراً مضاعفاً في بناء الجماعة العربية، وساهمت في تعريب كثير من الأقوام، فانطلقت العروبة إلى مناطق شاسعة اضيفت إلى الجزيرة العربية، واستجابت اللغة لكل مطامح العرب في مرحلة النهوض الكبرى التي اطلقها الاسلام، ولم تتعثر اللغة العربية وهي تعايش النمو الحضاري وصارت لغة عالمية تقترض من اللغات الاخرى وتعطيها. واتبعت مرحلة النهوض مرحلة ركود انفصل فيها العرب عن العالم والعلم وثورته، وتجمدت اللغة وتوقف نبضها، وعندما حاولنا ملاحقة الركب وجدنا اللغة تتعثر في التعبير عن مفردات الحضارة، وانطلق البعض منا ينتقصون من اللغة، بدعوى انها لا تعبر عن العصر ولا عن العلم، ودعا البعض إلى كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني ودعا آخرون إلى الغاء الاعراب، ودعت فئة ثالثة إلى احلال اللهجات العامية، وكل هذا كان هروباً من الازمة لا حلها، فالعربية لم تفقد قدرتها على التوالد والنمو، لكن الحقيقة ان اهلها هم الذين تخلفوا وتحولوا من مركز العالم إلى هامشه، فالعيب ليس في اللغة وانما في أنفسنا، ولا بد من استعادة حماسة الاجيال في الغيرة على لغتنا وان نمنحها الاحترام الذي هو احترام لانفسنا. واعلن البابطين عن إنشاء مركز للترجمة تابع لمؤسسة البابطين يقوم 80% من عمله على ترجمة العلوم إلى اللغة العربية، و 20% لترجمة الأدب العربي إلى اللغات الاخرى. وأكد د. عبد الحميد بهجت رئيس جامعة الزقازيق ان العربية صمدت لعواصف الزمن العاتية، وخرجت في كل حين جوهرة نفيسة تنفض عنها الغبار، ولغتنا العربية قادرة على العمل في كل تخصص، وعلينا اعتبار حركة الترجمة منها واليها مهمة قومية تضطلع بها مؤسسات مستقلة، وانشاء جائزة عالمية للترجمة ترعاها جامعة الدول العربية، وانشاء قناة ثقافية مستقلة تعنى بالثقافة العربية قديماً وحديثاً، والتوسع في النشر الالكتروني للادب العربي قديمه وحديثه باللغات المختلفة، والعمل على تطوير برامج تعليم اللغة العربية لغير العرب. وقال د. علي فهمي خشيم امين عام مجمع اللغة العربية بليبيا أنه لا توجد لغة في العالم تعرضت وتتعرض لهجوم ضار من خارجها وداخلها مثلما تعرضت العربية، ولا يقع عبء الحفاظ على هذه اللغة على المتخصصين وحدهم، وإنما ايضاً على الاعلاميين، لانهم يتصلون بالجماهير، وأشار قائلا: يحزنني ان ارى الفضائيات العربية تتنافس في أي اللهجات تسود، والحقيقة انه لن تسود لهجة من اللهجات، وانما الذي سيسود هو اللغة العربية الفصحى. وقال د. عوض بن حمد القوزي إن الاسلام وحد الشعوب وجمع القلوب وصنع من الامم المتفرقة وحدة عظمى هي الامة الاسلامية، وظهرت علامات الاخاء في توادهم وتعاطفهم، إلا انه بالرغم من قوة هذه الرابطة تظل هناك رابطة خاصة تؤلف بين مجموعات داخلة في الوحدة الاسلامية الكبرى، وقد تكون بعض مكوناتها خارجة عن الدين، لكنها لا تستطيع أن تنفك عن بقية عناصرها، حيث تشعر بآصرة قوية تصهرها مع العناصر الاخرى، فتشعر بالتماسك واللحمة القوية معها، الأمر الذي يجعلها فئة متميزة عن غيرها، لها خصوصيتها، ومقومات حياتها المختلفة عن الفئات الاخرى، بل تجعلها كلها تندرج تحت مسمى واحد، يؤلف شتاتها، ورسم لها خطاً متوازناً لا تبرحه ولا تخرج عنه، يوحد الشعوب المتفرقة والامم ذات الحضارات المتباينة تحت مسمى واحد سهل لكل فرد في تلك الشعوب طريق الانتماء إلى الامة كلها. ان اللغة لهي اقوى موحد بين الامم كما هي اوضح الظواهر الدالة على هوية الفرد والامة، فالشعوب الناطقة بالعربية، او الاخرى الناطقة بالصينية او الهندية او غيرها من اللغات انما اكتسبت هويتها الخاصة بما لها من لغات حملت ادابها وتراثها وتاريخها ورسالتها الكونية، فهل ادرك العرب ان عربيتهم هي أس هويتهم؟! وأوضح فوزي تاج الدين ان مستقبل الثقافة العربية مرتبط بتعريب التعليم والعلوم والادارة ارتباطاً وثيقاً، وللتدليل على انه لا ثقافة عربية بغير العلوم العربية وقد يتوهم البعض انه من الممكن ان تكون لنا ثقافة عربية مميزة بغير العربية، هذا امر لا يؤيده الواقع، واقرب مثال على ذلك ان الانتاج الذي انجزه المسلمون من غير العرب يعد من الثقافة العربية مع ان اصحابها غير عرب، وما ذلك الا لانه كتب باللغة العربية، كما هو حال مؤلفات ابن سينا والخوارزمي والرازي. واشار د. محمد حماد إلى ان اللغة العربية سوف تقف بقوة ضد الاخطار، وهي تمتلك من المقومات الذاتية ما يحصنها ويحميها من ان يؤثر فيها أي تهديد، او ينال منها أي خطر، ومن هذه المقومات: تاريخها الطويل المغرق في القدم، وتحصنها بمجموعة من الخصائص الذاتية التي تميزها عن اخواتها الساميات، وتميزها كذلك عن بقية لغات العالم، وتجعلها بمأمن مما حدث ويحدث للغات اخرى، اضافة إلى ارتباطها بنص سماوي مقدس انفرد بالبقاء والخلود والحفظ لنصه، ذلك هو القرآن الكريم الذي ضمن الله عز وجل له الخلود، فضمن هذا النص الخلود للغة العربية.