ليس كل ما يكتب من الادب العربي هو جيد مثلما ليس هو رديء باكمله، وبالطبع فان المعيار لذلك يعتمد على الذائقة اكثر من اعتماده على قواعد وقوانين ثابتة، ولذلك فان تاشير الرديء منه سيعني في الوقت نفسه التعرف بشكل عام على طبيعة الذائقة العربية المتلقية له. وبما اننا قد اعتدنا في صحافتنا الثقافية العربية على القراءات والمقالات التي تمتدح دائما فمن الطبيعي ان نسال: اذا كانت كل هذه الكتب التي تصدر هي مبدعة ورائعة، فلماذا لم يحقق الادب العربي لنفسه قاعدة واسعة من القراء كما هو الحال في بقية ثقافات العالم الاخرى؟ ولماذا لم يحقق مكانة تليق به بين الاداب المعاصرة للشعوب الاخرى؟.. واين الرديء منه؟.. فكم وقعنا ضحايا لحبائل الاطراءات والمجاملات التي تصور لنا كتابا ما على انه مهم فنسعى مضحين بالجهد والوقت والمال للحصول عليه لكي نصاب بعد قراءته بالخيبة والاحباط؟.. وكم قرانا من نصوص لاسماء معروفة فوجدناها تفاجئنا بسذاجتها ورداءتها؟ كانت هذه هى الدعوة التى وجهتها مجلة الواح فى عددها السابق وطرحتها امام المثقفين العرب من مقر اصدارها بالعاصمة الاسبانية مدريد ليتصدى للاجابة عدد لا باس به من المهمومين بالثقافة العربية وما الت اليه فى الفترة الاخيرة ، وحملت الواح اجاباتهم وتصوراتهم عن الادب العربي الرديء، وبداية قال الناشران للمجلة حسن الرملي و عبد الهادي سعدون ذو الاصل العراقي فى افتتاحية العدد ال 15 حين عزمنا بعد تردد طويل على تخصيص احد اعداد الواح لمناقشة (الادب العربي الرديء) حرصنا على ايصال الدعوة الى كل المثقفين العرب، فبعثناها على شكل رسائل شخصية، ونشرناها على شكل مقدمة للعدد السابق، وعلى شكل خبر في اوسع الصحف انتشارا وعلى صفحات مواقع الانترنت، ومن خلال الكم الهائل من الرسائل والاتصالات الهاتفية التي تلقينها ادركنا بانها قد وصلت الى الجميع تقريبا. كل ما تلقيناه كان يشيد بالمبادرة وباهمية الموضوع وجراته ويعد متحمسا بالمشاركة. بعض الاصدقاء وبطيبة صادقة حذرونا من ان ذلك سيجلب لنا العداء وكيل الاتهامات لنا من كل نوع فاجبناهم؛ باننا لا ننتمي لحزب ما كي يطردنا من صفوفه ولا نتلقى دعما من احد كي يقطعه عنا، ثم ان الصديق الذي لا يتقبل النقد ويرفض الاراء المخالفة لرايه، لن ناسف على فقدنا لصداقته.. اما عن كيل الاتهامات لنا فاننا لم نسلم من بعضها ولن يضرنا المزيد منها.. ثم اننا لم ندع العصمة! كان في نيتنا اعادة نشر بعض النصوص التي يتم الاتفاق عليها باغلبية على انها رديئة، ولكننا وجدناها كثيرة ويصعب حصرها في مجلة، فبينها روايات وقصص ودواوين ودراسات وغيرها.. لذا نكتفي هنا بالمقالات بعد رفض ما وجدناه شخصيا يعمد الى تصفية حسابات خاصة. المواجهات الصريحة الان وبعد تاجيل وتاخير وانتظار.. لم يبعث لنا اكثر الذين تحمسوا للطرح في بدايته ووعدونا بمشاركاتهم.. فهل عادوا مرة اخرى الى تفضيل السكوت والمجاملات على المواجهات الصريحة.. ام نقول اننا قد فشلنا في اخراج الكثيرين من صمتهم؟؟.. ولكن سيكفينا اننا قد قمنا بالمحاولة بكل جدية وانفتاح وبادرنا الى تاشير الظاهرة وتسميتها املين ان تكون هذه الخطوة بداية لفتح الباب نحو محاولات اخرى من قبل بقية المجلات والمنابر الثقافية او التاسيس لسلوك نقدي جاد في ثقافتنا يعتمد المصارحة ومواجهة الذات وعدم التغاضي عن نقد النصوص الرديئة مهما يكن لاسماء مؤلفيها من طنين وصنمية.. فقد ان لنا ان نكسر كل الاصناف الجوفاء اختارت ادارة تحرير المجلة عشرين نصا لنشرها تعلق على دعوتها منها ما كتبه سليم مطر الكاتب العراقى والمقيم فى جنيف هنالك صفتان يجب اخذهما بنظر الاعتبار من اجل تمييز الادب الجيد عن الادب الرديء: 1 الامتاع؛ ان عنصر الامتاع هو الصفة الاولى في العمل الابداعي "الادبي وكذلك الفني". وليس صدفة ابدا ان اطلقت تسمية (الجماليات) على الفنون والاداب، لان مهمتها الكبرى هي ان تثير احاسيس الجمال والمتعة لدى الانسان. انها تضفي المقبولية والجمال على الوجود وتجعل الحياة اكثر احتمالا ان المبدع الحقيقي هو من يمتلك القدرة على اضفاء الجمال حتى على قبح الحياة والموجودات. ولنا مثال شهير في هذا المجال، لوحة (الحذاء العتيق) للرسام الهولندي فان كوخ. ان هذا الحس الجمالي والامتاعي هو خارج كل المقاييس الاكاديمية والنظريات النقدية.. انه حس انساني غريزي يشترك فيه المثقف وغير المثقف، والصفة الوحيدة المطلوبة هي "الخبرة والتعود".. بالضبط مثل الشخص الاكال المتذوق للطعام وللشراب، فانه يمتلك حواسا خبيرة بالذوق والنكهة والرؤية تؤهله لتمييز الطبخ الجيد من الطبخ الرديء، والنبيذ الراقي من النبيذ الرديء 2 المضمون؛ وهي خاصية مكملة وتابعة للخاصية السابقة. فان المضمون او الهدف الانساني المبتغى من وراء العمل الادبي والفني؛ اي ما يطلق عليه(رسالته)، فانها تهم اكثر الناقد الاكاديمي والدارس المتمكن القادر على مطالعة النتاج ضمن مرحلته التاريخية وسياقه الشخصي والوطني والعالمي وكشف خباياه الواعية وغير الواعية، المعلنة وغير المعلنة. فقط بالنسبة للمضمون تتدخل الحصيلة الثقافية والنظريات النقدية في تحليل النتاج. رشاوى ثقافية وقال سعد سرحان شاعر من المغرب تحت عنوان طلقات الرحمة.. او.. رداءة احوال النص يمكن الحديث في المغرب عن عدة اصناف من المثقفين. فهناك مثقفون كبار تعتبر مؤلفاتهم اساسية، ليس في المغرب وحده، وانما في العالم العربي كله، بل ان منهم من يحظى بتقدير خاص حتى في الغرب. وهؤلاء هم وجهنا الثقافي في مرايا الاخرين. وهنالك مثقفون يطوفون حول قفص السلطة حتى اذا نجحوا في التسلل اليه صاروا في اليوم الموالي الى ما صارت اليه النمور في اليوم العاشر. وهنالك مثقفون مصابون بعقدة الرئاسة، وهي عقدة عالمثالثية تمتد من رئيس ودادية سكنية حتى رئيس احدى جمهوريات الموز، وهؤلاء يلجاون الى كل الوسائل لتصدر المشهد الثقافي، فيستجيرون باحزابهم ويسخرون بطانتهم ويقدمون رشاوي ثقافية، وكل ذلك من اجل ان يصبحوا رؤساء شيء ما. فاذا فشلوا (وهم قلما يفشلون) بعد كل هكذا سعي، فانهم يؤسسون شيئا اخر ويراسونه، ولا يبرحون كرسي الرئاسة (وهو ليس من نوع طيفال) الا بعد استنفاد الولايات المسموح بها، وهي مدة كافية لاعداد اولياء عهدهم. وهنالك مثقفوا الاحياء (على غرار فرق الاحياء) الذين يتنافسون في الانحناء وتقديم فروض الطاعة لاي كائن ثقافي قادم من خارج مدينتهم.. حتى لو كان بطول عقب سيجارة. لذلك تجدهم يتقلصون كلما ابتعدوا عن حاراتهم، فاذا وصل الواحد منهم الى مدينة اخرى اصبح كائنا مجهريا. ان اقصى طموح هذه "الخشيبات الثقافية" ان تصبح ادوات صالحة لعد الاصوات في مؤتمر ما. ان القطع الثمينة في الشطرنج الثقافي اصبحت تانف من رقعته تاركة اياها لبقية القطع التي تتراوح بين بيدق الصف والبيدق الممتاز. تحضرني، في هذا السياق، قصة جحا وضيفه. فقد اطعمه في الوجبة الاولى ارنبا وفي التالية مرق الارنب، ولان الضيف لم يغادر، قدم له صحن ماء وخبز، فساله الضيف: ماذا يكون هذا الطعام؟ اجابه جحا: انه مرق مرق الارنب.. فبالله.. اليس مضحكا منظر هؤلاء المثقفين الذين يمرون امامنا وهم يتجشاون مرق مرق مرق الارنب؟! وقال محمد الحمامصى الشاعر والصحفى المصرى تحت عنوان "ثقافة الرداءة!" انه اذا اتفقنا ان الثقافة العربية الان تمر بمنعطف لم تمر باسوا منه في تاريخها الحديث والقديم، ليس لانها لا تملك المقومات لتقديم نهضة رائدة علي كافة المستويات من ابداع وتنظير وفكر، ولكن لانها اصبحت جزءا لا يتجزا من كيان يرمي بكامل بنيانه الحضاري والثقافي والابداعي في سلة المهملات بعد ان فقدت ادني اليات المواجهة والمقاومة والصمود، فماذا يمكن ان يتخلق في هذه السلة؟، قد يكون هذا التصور متجنيا بعض الشيء في ظل حتمية وجود نماذج مستترة تسعي للتخليق في عتمة وحدتها حيث لا يزال الهواء طلقا والروح مفعمة بالعطاء والجسد قادرا علي الخصب والنماء.. مصداقية ذلك قد تجابه من البعض بالرفض، ولكن دعونا نستكشف جانبا من الجوانب التي تصنع وتصوغ جزءا من هذا الكيان الثقافي المتهرئ، ان المتامل لانشطة وفعاليات الحركة الثقافية العربية سوف يلفت انتباهه انها اصبحت متخمة بالمؤتمرات والمهرجانات في ظل غياب يبدو متعمدا لاستراتيجية ثقافية عربية او اليات رسمية او خاصة او فردية تعمل في الحقلين الابداعي والفكري، حتى تكاد ان تصبح مقصورة على اقامة المهرجانات والمؤتمرات الاحتفالية "سينما، مسرح، تليفزيون، غناء، فنون شعبية، شعر، قصة، رواية، نقد، اعلام.. فضلا عن المناسبات التي تقام لتخليد ذكرى شخصية ما فنية او ثقافية او حادثة ما او انتصار ما... الخ"، والتي تاخذ في معظمها سمة الثبات من حيث كونها دورية، هذا فضلا عن الانواع التي يتم استحداثها خصيصًا من وقت لاخر نظرا لظروف طارئة، ولا يكاد احد يستطيع حصر عددها من كثرتها وكثرة الضجيج الذي تفتعله، فالجرائد اليومية والمجلات الاسبوعية لا تخلو من اشارة او تغطية صحفية يومية او اسبوعية لهذا المهرجان او ذاك، وهذا كل ما تخرج به الحركة الثقافية التي بات امر كتابها ومثقفيها محزنا اذ تحولوا الي فقهاء لا يلتم شملهم الا حول موائد الطعام والشراب. التمزق والضياع ويشير الشاعر والصحفي محمد الحمامصي الي نقطة تؤثر تاثيرا مباشرا هو ان المبالغ الطائلة التي يتم انفاقها لتزييف حقائق الوضع الثقافي والابداعي المتردي تقلص من ميزانيات دعم الكتاب والمبدع والقارئ على السواء، ففيما يتعلق بالكتاب، فان الدليل على ذلك يكمن في رواج دور النشر الخاصة والمعروفة بتحصيلها تكلفة نشر اي كتاب تقوم بنشره، والارتفاع الباهظ لاثمان كتبها، فاذا علمنا ان غالبية الكتاب والمبدعين والاكاديميين يقومون بنشر كتبهم في هذه الدور كان ذلك تاكيدا على قصور دور النشر الرسمية، والتي تركن فيها اصول الاعمال لسنوات طويلة تتعرض خلالها للتمزق والضياع، والسبب في ذلك يرجع الى انه حتى دور النشر الرسمية لا تذهب بجلِّ ميزانياتها الى دعم نشر وبيع الكتاب بل الى المهرجانات حيث تقوم اغلبها بتنظيم مهرجان او اكثر سنويا. اما فيما يتعلق بالمبدع فلا يلقي اي نوع من انواع الدعم والرعاية والحماية، فالمبدع العربي ينفق على ابداعه كتابة ونشرًا وترويجًا، ويحرم من جرّاء ذلك نفسه واهله من الحياة الكريمة، وربما يمرض ولا يجد تكاليف العلاج الا اذا تغمدته الصحافة برحمتها ولفتت النظر الى حالته فتتبرع وزارة الثقافة بعلاجه على نفقتها، اما اذا لم يلتفت اليه احد فقد ذهبت حياته مع الريح. واما "القارئ / المتلقي" فقد تخطفته النزعات الاستهلاكية و قيمها، يبحث عن المتع الوقتية بغض النظر عن القيمة، اذا اجرينا استطلاعا في الشارع العربي اليوم سوف نصعق بالردود التي تتوزع ما بين قراء الكتب الدينية فقط وهي غالبا كتب تراثية، وبين قراء لم يعرفوا كاتبا جديدا بعد نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وعبد الرحمن منيف وحنا مينا ويوسف ادريس برغم ما تضخه وسائل الاعلام المرئية والمسموعة من اسماء ليل نهار، وبين قراء الصحف اليومية الذين تستحوذ الاخبار السياسية والفنية والحوادث علي جل اهتمامهم، وبين اناس لا يعرفون القراءة من بابه وكل معرفتهم بالقراءة تتلخص في قراءة ايات من الذكر الحكيم في ايام مباركة كشهر رمضان، ان القارئ لا يكاد يخطر على بال احد حتى ليمكن استنتاج ان ثمة تجاهل متعمد له، بما في ذلك المهرجانات التي لا تعود عليه باي نفع، ولما نذهب بعيدا ونصيبه من الدعم الثقافي لا يتجاوز باي حال من الاحوال 1% من الميزانية الكلية لكثير من الوزارات الثقافية وينتهى الحمامصى الى ان اضافة ما طرح تظل هناك الكثير من السلبيات التي ترتبت عن تفشي ظاهرة المهرجانات وما تستنفده من اموال وترتكبه من جرائم ضد في حق اجيال من المبدعين قادرين علي رد الاعتبار للابداع العربي، نامل ان يتاح لنا الكشف عنها في مقال اخر، كما نامل ان يلتفت المسئولون في وزارات الثقافة العربية على حقيقة غياب دور الانشطة الثقافية الفاعلة في المجتمعات العربية، وان تكون هذه الافاقة صحوة تضع الثقافة العربية في موضعها الطبيعي داخل مجتمعاتها الرداءة العالية اما الدكتور وليد صالح الخليفة رئيس قسم الدراسات العربية والاسلامية في جامعة اوتونوما بمدريد فكتب تحت عنوان" رفقا بالادب الرديء" ان الكتابات الادبية العربية كثيرة وكثيرة جدا، والجيّد منها قليل قليل، وما دون الجيد كثير ومنتشر والرديء اكثر واوفر. غير انّ النقد الادبي العربي لم يتعود بشكل عام على التعرض بشكل جدّي للنماذج الرديئة اما تعففا او رغبة في عدم التصادم او التخاصم مع مؤلفي تلك الاعمال. وقد يكون الشعر العربي الفنّ الذي تمّ التجنّي عليه اكثر من غيره، فاصبح هذا الفنّ الرفيع المعروف بسجل العرب كلاما خاويا وفقد روحه وجماله وروعته. فالشعر صعبٌ وقيل في صعوبته الكثير، وغالى البعض في وصف تلك الصعوبة وظنّوا انّه لا يجيده الا المُلهمون او الفحول. ويستعرض عددا من النماذج الشعرية القديمة ذات الرداءة العالية وينعطف على ناذج شعرية حديثة تتكرر فيها الاستعارات وهي باهتة ليس فيها لون او طعم او رائحة. تمتلىء بالتراكيب الغريبة والعجيبة لا تستقيم لا مع المنطق ولا مع مفهوم الفنّ الذي ينشد ايجاد عالم من الخيال الجذاب والساحر. تراكيب لا تؤدي بالقارئ الا الى البلبلة والشك والارتياب. فانا شخصيّا، وبصدق، لا افهم او انّ قواي العقلية لا تسعفني لادراك تراكيب او استعارات كمثل: زئير الوزن او كان تدّخر الشمس الفضّة او يعلن الجفن افلاسه وما شابه ذلك من كلمات مسطرة بدعوى انّها شعر وانّ قائليها شعراء. وربّي ان هذا الا تجنّ على الادب الرفيع وما ذلك الا ضحك على الذقون واعتبار القرّاء جهلة مغفلين. اظنّ انّ على المجلات الادبية ان تتّخذ لنفسها معايير جديّة وثابتة لقبول نشر المواد على صفحاتها، احتراما للمجلة ولقرّائها. فليس كلّ ما يدوّن صالحا للنشر، وانّ ما يكتبه المتطفلون على الادب ليس حريا بالانتشار واولى به ان يبقى حبيس الادراج بعيدا عن نظر القرّاء النبهاء الذين ليس من العدل ان تُخدش احاسيسهم وعواطفهم واعجابهم بهذا الفنّ البديع. واخيرا وليس اخرا فانّي اقترح ان تقوم الجهات المعنيّة بايجاد جائزة لاردا نصّ ادبي لكلّ الاجناس الادبيّة، فجائزة لاردا نصّ شعريّ واخرى لاردا نصّ مسرحي، وهكذا. وانا متاكد من انّه لو تمّ ايجاد مثل هذه الجوائز، لتردّد الكثير من الكتّاب المزعومين في نشر نصوصهم، او انّهم على الاقلّ راجعوا مرارا ما كتبوه وفكروا مليّا في ما يمكن ان تؤول اليه كتاباتهم تلك، ولساعد ذلك على رفع المستوى العام لادبنا ولانقذ الكثير من القرّاء من تضييع اوقاتهم في قراءة كلام بعيد عن الادب بُعد الثّرى عن الثريّا. بطالة ثقافية مُقَنّعة ويكتب خيري منصور شاعر وكاتب من الاردن تحت عنوان " بطالة ثقافية مُقَنّعة " ان من يصغي الى الجعجعة التي تفيض من المقاهي الى الشوارع، ومن المهرجانات الموسمية الى الفنادق قد تاخذه الحيرة، عندما لا يجد حفنة طحين تسد رمق روحه، فلم يحدث من قبل ان تنافست المؤسسات الاعلامية الرسمية على استعراض قدرتها على استحضار من تشاء من المثقفين حتى لو كان المقصود هو التزيين والديكور، وتمرير قضايا هامشية تحت سماء نافذة.. ويبدو ان النظام الثقافي الرسمي اقتفى خطوات النظام السياسي، فعقد مقايضات سرية، وصار المشتغلون في تلك المؤسسات اشبه بحزب حاكم، يتقاسمون الحصص، والغنائم مما انتهى الى تحالف كالذي وصفه هربرت ريد بين ثالوث الثقافة، المتكون من ادارتها وموظفيها وقرائها الذين افسدت ذائقتهم، حتى صاروا غرباء حتى عن اسئلتهم وانفسهم!.. واذا كان هناك بطالة اقتصادية او سياسية مُقَنّعة فان للثقافة بطالتها ايضا، وان كانت اقنعة هذه البطالة اكثر سمكا، وزخرفة، بحيث تبدو صورة طبق الاصل اذا لم يكشط القارئ طلاءها. ويشير الى ثلاث ظواهر على الاقل استكملت نموها وصارت بحاجة الى فحص دقيق، هي على التوالي: @ ظاهرة الهجرات الثقافية، التي فرضت على المثقف المهاجر، وخصوصا الناقد، ان يجرب حظه وادواته مع البيئة التي حل فيها، وان لم يجد نصا يستاهل الجهد النقدي، عليه ان يجد الحل في احدى طريقتين: الاولى؛ تخلّيه عن ثلاثة ارباع خبرته وشروطه الجمالية. والثانية؛ تقويل النص المنقود حتى لو اقتضت القراءة المتعسفة تعذيبه، واحيانا يتساءل المرء ببراءة: هل كان النقاد المهاجرون من بلد الى اخر في النطاق الجغرافي العربي سيكتبون ما كتبوا لو انهم مكثوا في اوطانهم؟.. اليست الخسارة هنا مزدوجة؟ بحيث اصبحت النصوص المقيمة في اوطانها مهجورة، وفي الوقت نفسه تم تبديد الجهد بلا طائل؟ @ الظاهرة الثانية؛ دور المؤسسات الاعلامية الاقرب الى (الاعلانية) في تسويق منتجات ثقافية، وذلك عبر قليل من الترهيب وكثير من الترغيب، فخلال العقد الماضي فضّل نقاد عرب عدم التعرض لاي نص عراقي، درءا للالتباس السياسي، او تزلفا لمن اصابتهم كلمة عراق بنوع من الفوبيا العصيّة على الشفاء، وذلك تبعا لمنهج جديد فرضته سيكولوجيا التسوّل والاسترضاء، بحيث اصبحت الانوف مدرّبة على شم الربح والخسارة عن بعد!!! @ والظاهرة الثالثة؛ تتلخص في تحالف بين سادة المؤتمرات والمهرجانات وهؤلاء على الاغلب ليسوا سادة تعبير باي مقياس، لان النظام السياسي العربي يشترط على من يتقدم بطلب انتساب الى ناديه او انديته، على اختلاف اسمائها، الوضوح التام في الموقف، والتحرر النهائي من اية شكوك، فاولياء النِعم لا يحبون مثل هذه الشكوك وقد يطلبون من الصامت ان يترجم صمته، ولو كانوا يستطيعون لاستخدموا اشعة X للكشف عن النوايا وما يدور في باطن القلب! الرداءة من ثقب الباب وكتب عبدالقادر حميدة كاتب من الجزائر تحت عنوان (الرداءة من ثقب الباب) ان الحديث عن الرداءة في الجزائر.. حديث فضفاض وممتلئ بانواع النقائض والعقبات.. وذلك لما يجب ان يتوافر عليه الموضوع من مقاييس علمية واصطلاحية.. تحتاج لاكثر من موضوع ودراسة اكاديمية.. ولكن هذا لا يمنع من محاولة القاء نظرة مختصرة على الواقع الكتابي الجزائري. وحسبي في هذا المقام القول ان هذا الموضوع ما هو الا مقدمة.. تحاول وضع القارئ في الاجواء الجزائرية.. واصعب الامور بداياتها.. وما لا يدرك كله.. لا يترك جله. وبعد ان يستعرض واقع الادب الجزائرى يخلص الى ان حركة الطبع ايجابية، وطالما عانى الجزائريون خاصة من حرمانهم منها، فان خبط العشواء مضر.. وجريمة بحق الاجيال المقبلة، وان الصمت عن موجات الرداءة الهادرة تواطؤ لا يغفره التاريخ وينتهى الى ان ثقب الباب مهما اتسع، يعجز عن رؤية كل ما بالداخل.. وحسبي في هذا المقام انني اشرت الى ما بداخل الدار اشارة لقارئ لبيب.. وحسبي انني رسمت خطوط البداية لمن اراد فتح هذا الباب.. وحسبي انها رؤيتي.. بعيدا عن كل بحث اكاديمي واغراق اصطلاحي.. انها شهادة كاتب عايش الواقع الابداعي الجزائري.. وساهم فيه بصورة او باخرى.. ول (الواح) مني الف تحية بحجم حبي ل (الجزائر) تحليل المادة الثقافية ويشير زهير كاظم عبود باحث عراقي يقيم في السويد الى الدعوة التي وجهتها الانيقة (( الواح )) ليس بقصد اكتشاف مكمن الخلل في مساحة الثقافة العربية فقط، مثلما ليس بقصد معالجة موضوع قابل للنقاش يمكن ان يشغل حيزا وعددا من اعداد المجلة، ان الغاية الاساسية هي تشخيص الرديء بصدقية خالية من المحاباة و تحديد ظواهر مرضية تسللت الى ثقافتنا العربية واصبحت من الامراض المستعصية مما يستلزم ان نطرح معرفتنا كل بحدود قابليته على ان تكون كلماتنا بعيدة كل البعد عن النقد الشخصي او التجريح الخاص او الاساءة وان تكون خالصة وصادقة وان كان هذا يفترض في مقالة النقد او المعالجات الثقافية وتحليل المادة الثقافية ويقول انني وبحكم مطالعاتي اجد العديد من القصائد التي تسمى جزافا (شعرا) وهي في حقيقتها نثر مركز والتي تخلو من الابداع الشعري ومن ضوابط القصيدة، وان مساحة الابداع في النثر يمكن ان توفر للمثقف او الاديب امكانية اكثر مما تتوافر للشاعر بالنظر لما يتحدد به هذا الاخير من قوانين وحواجز تعيق حركته وكتابته، ولذا نجد ان العديد مما تنشره الصحافة والمجلات على اساس انه محاولات شعرية (شبابية) او اسهامات لقصائد اولية لايمكن ان يسمى شعرا يؤهل كاتبه لادنى مرتبات الشاعر، ولهذا فان التجني هو في عدم تبصير الطاقات الشبابية من كون كتاباتهم لاتسمى شعرا ويتحتم على النقاد ان يحددوا الاخطاء والامور التي تتنافى مع الشعر او القصيدة. ان الابداع ليس جملا تتخلل القصيدة ولاهو ايقاعات نغمية لذيذة تصاحب الكلمات، الابداع قامة شاهقة تصاحب العمل الادبي وتنصهر بداخله حتى تستحيل الى كتلة ممتزجة معه، واذا كان الابداع الشعري في لغة الشعراء العرب واضحا، فليس هناك مايمنع ان يمر الشعر العربي بفترات انحطاط ينحسر فيها الابداع ويصير الشعر مجردا من الالوان والطعم، وكما ان هذا لايمنع ان تعود العافية الى بحوره واوزانه، ولهذا نرى اتجاه بعض الشباب نحو الرمزية في الكتابة او التركيب اللغوي والذي لايستطيع القاريء ان يفك رموزه، باعتبار ان الكاتب وحده من يستطيع ان يفسر ويحلل اسوة باللوحة السريالية التي يمكن للمشاهد ان يفسرها.