جماهير الهلال كتبت (سامي اذا لعب.. والكثيري اذا كتب) يقول محمد الكثيري رحمه الله كنت فتى لم أبلغ العشرين ربيعا من عمري عندما زرت لأول مرة في حياتي مبنى جريدة (الجزيرة), وعندما ذهبت بدعوة من مسؤولي القسم الرياضي آنذاك بسبب مقالي الذي كتبته في صفحة القراء التقيت باساتذة كبار امثال عثمان العمير ومطر الاحمدي ومحمد العوام رحمه الله ولا أنسى ذلك اليوم حيث لبست ثوبا جديدا وحذاء جديدا وشماغا وعقالا جديدين. ويتابع حتى يقول (لن أنسى الاطراء من العمير ومطر والعوام وحينها شعرت أنني سأبدأ الرحلة مع مهنة المتاعب, كيف لا والعمالقة قالوا لي ذلك الاطراء). رحل الكثيري عن الدنيا, ولكن ذاكرة مازلت متوقدة في نفوس الكثيرين, وفي اقلام الكثيرين.. اما لماذا؟ فلأن الكثيري رقم غير عادي في الصحافة السعودية بوجه عام وفي الصحافة الرياضية والفنية بشكل خاص. قلم أنيق لكنه مثير, تشعر وانت تقرأ له بان موسيقى بتهوفن وشعر نزار في مفرداته. يقول الكاتب الرياضي الكبير محمد الدويش (هناك ثلاثة اقلام شغلت الوسط الرياضي واثرته وتسببت في جدلية كبيرة لدى القراء) واشار الى محمد الكثيري كونه احد الثلاثة. والكثيري والابداع طريقان لايفترقان وهو اول كاتب رياضي سعودي تحمل جماهير الاندية كتاباته وتعلقها على المدرجات حيث علقت الجماهير الهلالية لافتة كبيرة في اوج الانتصارات الهلالية تقول (سامي اذا لعب والكثيري اذا كتب). وعندما انتقل الكثيري من الكتابة الرياضية بعد ان اشعلها جدلية, واصل ابداعاته عندما ترأس تحرير مجلة (اصداف), فحرك ساحة الصحافة الشعرية الشعبية وملأها اثارة وتشويقا. ويصنفه المتابعون لحركة الصحافة المحلية بأنه من افضل الصحفيين الذين لم يحسنوا التعامل مع موهبتهم ومكانتهم وقدرتهم, ولو احسن الكثيري التعامل مع موهبته لكان احد رؤساء التحرير المرموقين في المطبوعات المحلية. وللكثيري زوايا ومقالات كثيرة باسماء مستعارة أثار فيها جدلية واسعة لدى القراء, واصبحت مواضيعه حديث الشارع سواء الرياضية او الشعرية او الاجتماعية, فهو قلم لا يعترف بالتخصص وعنوانه دائما ما يكون الابداع. جدليته في المجال الرياضي كانت عبر محطة الهلال والنصر فرغم ان قلمه ازرق لكنه كان ممن يستهويهم الجمهور النصراوي , فهو من الاقلام التي كانت تهوى الحقيقة حتى في اوج التنافس الهلالي النصراوي. نهج الكثيري في السلك الرياضي كان رومانسيا لذلك كانت مفرداته للجميع يقرأها النصراوي قبل الهلالي ويعشقها مشجعو الاندية الاخرى. يقال انه شاعر بدرجة امتياز, وان هناك الكثير من القصائد التي تغنى بها المطربون المحليون كانت من كلماته وباسماء مستعارة, وقد كشف رحمه الله هذه الحقيقة قبل اشهر من وفاته, وقال (هناك الكثير من اغاني محمد عبده من كلماته, لكنه لم يحدد تلك الاغاني).. رومانسيته لم تقلل من اثارته فكانت احاديثه وحواراته الصحافية مثيرة للغاية , فيها نوع من التحدي والاعتزاز بالذات, وايضا الشموخ وعدم التنازل عن المبادئ. كان رحمه الله يتقن المفردة الجميلة, وجميع الصحف التي عملت معه حوارات كانت تكتسب مزيدا من القراء , فهو رقم هام لدى جمهور القراء على اختلاف ميولهم وتخصصاتهم. ويتفق الجميع على ان الكثيري رغم اختلافاته مع البعض واثارته في الحوارات, الا انه يحمل قلبا ابيض, لا يعرف للحقد موطأ قدم, ولا للحسد موطنا. تسبب رحيل الكثيري عن هذه الدنيا الفانيه في اعتزال كاتب مرموق دخل معه في مساجلات ومناقشات كثيرة هو الكاتب النصراوي محمد الدويش الذي كتب مقالا للزميلة (الجزيرة) اعلن فيه وداعه الكتابة الرياضية, وكشف انه تصالح مع الكثيري قبل رحيله بفترة طويلة. واعترف الدويش (القلم النصراوي) بان الكثيري شغل الكثيرين بكتاباته وارائه. (الكثيري) كان عاشقا لسامي الجابر, ومنصفا لماجد عبدالله.. هو هكذا مبدع في كل شيء حتى في علاقته بالنجوم. وعرف عن الكثيري انه مدرسة في وضع العناوين الصحافية, وكانت اشهر عناوينه عندما حقق الهلال كأس آسيا وضع عنوانا شهيرا يتداوله الجمهور الى الآن (الكأس للهلال, والمجد للوطن). يقول رحمه الله (ماجد عبدالله قصيدة لا تنتهي) وعندما سألته انك بذلك تثير الهلاليين, فأجاب (وهل ماجد عبدالله هو ملك للنصر او الهلال) كان ذلك على ما ذكر قبل ثلاثة مواسم عندما نشرنا حواره في (الميدان) وفي آخر حوار له في (الميدان الرياضي) آجراه الزميل فيصل الفريان معه ونشر في شهر اغسطس الماضي قال (ماجد عبدالله قصيدة مملة) فرفعت السماعة وهاتفته وقتل له يا استاذ انك تناقض نفسك بنفسك ألم تقل قبل ثلاثة مواسم ان ماجد عبدالله (قصيدة لا تنتهي) وانت الآن تناقض نفسك وتقول (ماجد قصيدة مملة) فأجاب (اللبيب بالاشارة يفهم) وعرفت انه كان يقصد شيئا اعمق من الكلام الظاهر. الكثيري مدرسة صحافية بحد ذاته , وهو اكثر الكتاب الذين شغلوا اهتمامات الشباب , وهو اكثر الكتاب الذين تولع بكتاباتهم الشباب والشابات, وهو اكثر الكتاب الذين واصلوا الابداع في اي مجال يكتبون فيه, لذلك اصبح مدرسة في كل شيء.. الكاتب والمؤرخ الرياضي الجار الله كتب مقالا جميلا عنوانه (هشام الكثيري) واشار فيه الى ان هشام الابن البكر (16 سنة) للفقيد من الممكن ان يحمل اسم ابيه. ونحن في انتظار الكثيري الصغير ولم لا, فقد يكون شمعة الفقيد موهبة مثل ابيه.. وحينها سنقول (الفتى سر أبيه) و(هذا الشبل من ذاك الاسد). رحل الكثيري ولم يرحل ذاكرة, وغادر ساحة الدنيا, ولكن مفرداته وتلاميذه ومدرسته بقيت لكل صحافي ينشد لغة الابداع, ولغة الرومانسية, ولغة المفردة الجميلة , ولغة الكتابة الأنيقة, ولغة الحياد المطلق. رحل الكثيري ومدرسته الشاملة الصحافية مازالت عالقة في اذهان الجميع, وابداعاته مازالت هنا وهناك. رحم الله الكثيري فقد كان انسانا يحمل القلب الابيض المحب للجميع, لذلك احبه الجميع.