رغم ان طاهر عبدالله عيسى المجحد ابن لفلاح إلا أنه كان يكره العمل في الزراعة، رغم إصرار والده على ان يخلفه في مسئولية الإشراف على المزارع. التحق بالمطوع فحفظ القرآن الكريم في 6 أشهر، ثم التحق بالمدرسة حتى الصف الخامس الابتدائي. في العاشرة من عمره تقريباً التحق بشركة أرامكو في رأس تنورة، وخرج منها ليعمل لدى شركة العليان في رأس مشعاب، لأن الأخيرة كانت تعطي للموظفين رواتب أعلى بكثير من أرامكو. عاد إلى أرامكو مرة أخرى ليدرس التمريض في الظهران ثم في بيروت في أول بعثة ترسلها أرامكو للخارج لدراسة التمريض، وخرج من الشركة مرة أخرى، فعل ذلك 4 مرات، وأخيراً درس الطيران، وحين كان على وشك المغادرة إلى بريطانيا لدراسة الطيران بتوسع وقفت في وجهه والدته، التي أعلنت رفضها، فقرر الاستجابة لذلك الرفض، ليعمل مفتشاً صحياً في الخبر ثم معالجاً للعيون في مستشفى المانع، حيث استقطبته شركة الزيت العربية المحدودة في الخفجي، والتحق بها، فأرسلته إلى بريطانياً ليدرس التمريض مرة أخرى، وبقي في الشركة حتى تقاعد عام 1993م. "اليوم" التقت به ورصدت جوانب من مسيرة حياته. هربت من الفلاحة @ أين كان يعمل الوالد؟ أنا ابن فلاح، فلقد كان رحمه الله مسئولاً عن مزارع أسرتي العفالق والعمران، وكان حريصاً على أخذي معه إلى المزارع، ولكنني في الواقع لم أكن أحب العمل في الفلاحة، وكنت أميل إلى الدراسة. أما هو فكان يحرص على ان أمتهن هذه المهنة. وأتذكر موقف في هذا المجال، فلقد أخذني معه إلى المزرعة، وصعد إلى إحدى النخلات، وما ان استوى في أعلاها، حتى غافلته وهربت، فنزل ورائي ولأنني كنت اسبقه فلقد نزلت إلى مجرى ماء، واختفيت أسفل جسر، ومكثت هناك ساعة ونصف الساعة تقريباً، وحين اطمأننت أنه لم يعد في المكان خرجت وذهبت إلى منزل أختي، وطلبت منها الا تخبر أبي، ولكنه عرف من والدتي. حفظت القرآن في 6 أشهر @ وهل ذهبت إلى المدرسة في ذلك الوقت؟ لم تكن هناك مدرسة في ذلك الوقت، بل كانت الدراسة عند المطوع أو المطوعة، حيث درست القرآن الكريم بعد ان اقتنع والدي بأنني أحب الدراسة ولن أفلح في الزراعة، انتقلت إلى مدرسة في الشعبة بمدينة المبرز، وهناك درست على يد السيد محمد الهاشم، حيث حفظت المصحف خلال 6 أشهر، فطلب مني ان أعلم الأولاد الذين كان يدرسون معي، وبعد مدة درست في مدرسة المعارف، حيث كانت الدراسة الابتدائية إلى الصف الخامس الابتدائي فقط. بعدها انطلقت لعدد من الأعمال في حياتي المحلية. بطاقات أرامكو الحديدية @ متى التحقت بشركة أرامكو؟ التحقت عام 1943م، وعملت في البداية في رأس تنورة، ولم يكن هناك بطاقات للموظفين، بل مجرد لوح حديدي مكتوب عليه رقم الموظف فقط. وهذه كانت في الفترة الأولى. @ وماذا تعني بالفترة الأولى؟ التحقت بأرامكو كما قلت في السؤال السابق عام 1943م، ولكنني خرجت من أرامكو وعدت لها أكثر من مرة، ففي المرة الأولى بقيت حتى عام 1945م، وكان عمي يوجهني، فاقترح علي العمل في شركة العليان في رأس مشعاب، فلم يكن راتب أرامكو تعطي الموظف سوى 4 قروش، بينما العليان يعطي الموظف راتباً يومياً يصل إلى 5 ريالات، فعملت لديه فترة. @ وهل كنت سعيداً بهذا العمل؟ نعم، رغم المشقة، وقد عملت في شركة العليان لمدة عامين، وعدت للأحساء ومعي 50 جنيها، حيث لم يكن الريال ظهر إلى الوجود حينها، وكان التعامل بالجنيه والروبية. @ وماذا عن والدك؟ استقبلني حين عدت استقبالاً حاراً، وقام ببناء منزلنا من جديد، واشترى أرض أخرى، بالإضافة إلى أعمال أخرى قام بها من أجلي، وبقي عند والدتي 20 جنيها، وحينها لم يكن عمري تجاوز 16 عاماً. العودة لأرامكو @ وماذا عملت بعد ذلك؟ عدت إلى أرامكو مرة أخرى، وكنت وقتها أجيد مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ومكنني ذلك من تعلم اللغة الإنجليزية والتعامل مع الحسابات، فأصبحت رئيساً على عمي، الذي كان رئيساً أيضاً، ويعمل على خطوط إنتاج الزيت، وقد أجدت العمل خلال 3 أيام، فأصبحت معلماً لثلاث ورديات في بقيق، أعلمهم العمليات الحسابية، واستمر عمليّ هذا لمدة عام ثم قدمت استقالتي. @ لماذا استقلت رغم كل المزايا التي كنت تتمتع بها؟ لأن والدي أصر على تزويجي من كريمة إحدى الأسر، فلبست العقال والبشت استقبل المهنئين، وجلست شهرا ونصف الشهر في الأحساء، وفي عام 1949م عدت إلى أرامكو والتحقت بالشركة للمرة الثالثة، حيث تم تعييني في مستشفى الظهران، لأنني أجيد اللغة الإنجليزية والمحاسبة، حيث عملت مع مساعد صيدلي، حينها أسس شخص اسمه جان ميلر مدرسة للأولاد الجدد الذين يعملون في المستشفى، فالتحقت بها، ودرست مبادئ الأدوية والأمراض، وحصلت على المركز الأول في مجموعتي. الدراسة في بيروت @ وهل عدت إلى المستشفى؟ لا، بل أرسلتني الشركة مع 3 من زملائي السعوديين (عبدالعزيز وإبراهيم السعد وسعد البرجس) إلى بيروت، حيث التحقنا بكلية كنيدي مورين هسبتل، التي درست بها لمدة 4 سنوات، فكنت الأول على زملائي السعوديين، وعدنا في عام 1954م. وقد أقيم لنا في بيروت حفل تخرج، حضره السيد ديكنسي الأمريكي ممثل أرامكو، والذي كان يشرف على الطلاب التابعين للشركة الذين يدرسون في الجامعة الأمريكية في بيروت. وكان بحق حفلا جميلاً. كما أقيم لنا حفل آخر حين عدنا إلى المملكة، حضره جلالة المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز والأمير سعود بن جلوي (رحمهما الله)، وسر الاحتفاء بنا أننا كنا أول سعوديين في أرامكو نكمل دراسة التمريض. وحضر الحفل عدد من الرؤساء في شركة أرامكو، وألقيت في الحفل كلمات شكر وتقدير أشادت بإنجازنا، وأتذكر من بينها كلمة لأحد رؤساء الأمن الصناعي، الذي أشاد بخطوة أرامكو في تدريب وابتعاث الطلاب السعوديين للخارج من أجل التعلم والعودة لخدمة الوطن. وباشرت العمل في أرامكو حتى عام 1958م. من التمريض إلى الطيران * هل يعني ذلك أنك خرجت مرة أخرى من الشركة؟ نعم قدمت استقالتي وذهبت لمنصب أكبر وأفضل، بعد ان أخذت مبلغاً كبيراً من الشركة، كانت من حقوقي. @ وأين عملت؟ سمعت والأخ محمد المغلوث، الذي كان زميل دراسة، ان هناك وظائف في المطار، فقبلنا، وابتعثوني للدراسة في أرامكو، حيث كانت تدربنا على الطيران في القاعدة العسكرية، وبعد فترة أرادوا إرسالنا إلى أمريكا لدراسة الطيران بتوسع، فجهز زملائي أنفسهم لذلك، أما أنا فواجهت رفض والدتي، التي حلفت عليّ يميناً ان تغضب عليّ ان أنا ذهبت. توقف الضيف هنا ليبكي، معبراً عن حبه لوالدته (رحمها الله)، ثم أكمل: عندما أقسمت والدتي عليّ قررت عدم مخالفتها أبداً، حيث خرجت من المطار وعملت في مستشفى السلامة إلى عام 1969م، ثم انتقلت إلى وظيفة مفتش صحي لمدة 8 أشهر في مدينة الخبر، ثم عملت في مستشفى المانع في قسم العيون لمدة 3 سنوات. شركة الزيت العربية @ لماذا كل هذه التنقلات الوظيفية؟ كنت أبحث عن نفسي من خلال التجريب، وكذلك كنت أبحث عن حياة أفضل، فأثناء وجودي في مستشفى المانع سمعت بي شركة الزيت العربية في الخفجي، لأنني كنت أعالج موظفيهم، فعرضوا عليّ العمل معهم، وبعدها أرسلوا ليّ عقد عمل في سيارة خاصة، فذهبت إلى الشركة، وفوراً وقعت معهم عقد عمل، فلقد كان الطويرقي مديراً لمكتب العمل آنذاك، فاتصل بالشركة وقال ان هذا الشخص يجب ان يكون مسئولا عن التمريض في الشركة، لأنه يحمل شهادة قانونية من بيروت، فعملت في الشركة لمدة 22 عاماً، حتى تقاعدت من الشركة. وخلال سنوات عملي في الشركة ابتعثت إلى بريطانيا للدراسة، حيث درست هناك التمريض والعمل الإداري في التمريض لمدة 3 سنوات وكنت السعودي الوحيد في البعثة، وعدت بعدها إلى الخفجي للعمل في الشركة، وكنت السعودي الوحيد. @ من تتذكر من زملاء العمل؟ كثيرون من الصعب حصرهم، ولكنني أتذكر يوسف الصرعاوي وسالم إبراهيم ويوسف المرهون، وأتذكر حين تقاعدت قبل 9 سنوات تقريباً نظمت الشركة حفل تقاعد لي، ولمست خلاله محبة زملائي لي.