أدرك الإسرائيليون والفلسطينيون فور وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ما يمكن ان يربحوه من الوقوف في صف الولاياتالمتحدة، لكن العمليات الاستشهادية التي ذكرت الرأي العام العالمي بانتحاريي نيويوركوواشنطن جعلت الامور تسير في عكس مصلحة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. فبعد بضع ساعات فقط من تحطم الطائرات في البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي، اضرت بصورة الفلسطينيين بعض التظاهرات المتفرقة التي كانت تهتف لاسامة بن لادن في الاراضي الفلسطينية ونقلت محطات التلفزيون في العالم مقاطع منها. وبعد ذلك طغت لاسابيع على العنف في الاراضي الفلسطينية، حرب دعائية بين اسرائيل والفلسطينيين ، بينما توقف الاسلاميون عن شن عملياتهم الاستشهادية حتى لا يثيروا غضب الاسرة الدولية. وبينما كان الرئيس الامريكي جورج بوش يوجه اصبع الاتهام، بعد يومين من الهجمات، الى الاصولي المتطرف اسامة بن لادن، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لوزير الخارجية كولن باول ان اسرائيل "تواجه ابن لادن آخر ايضا هو عرفات. ومن اجل اعطاء صورة جيدة عن نفسه، ظهر عرفات وهو يتبرع بدمه لضحايا هجمات واشنطنونيويورك التي دانها بسرعة بينما حاول وزراؤه المقارنة بين مانهاتن بعد الهجمات والمدن الفلسطينية بعد الغارات الجوية الاسرائيلية. وتعرضت القضية الفلسطينية لضربة قاصمة في نظر الاسرة الدولية في السابع من تشرين الاول/اكتوبر مع "قسم لاسامة بن لادن بثته قناة "الجزيرة الفضائية بان "امريكا لن تنعم بالامن قبل ان تعيشه فلسطين واقعا . وشيئا فشيئا اصبح القادة الفلسطينيون يتبنون مواقف متباعدة مع اسامة بن لادن بينما رفضت اسرائيل فكرة ان يكون احتلالها 35 عاما الضفة الغربية وقطاع غزة يمكن ان يستخدم ذريعة لمنفذي الهجمات. اما الدولة العبرية، فقد قدمت نفسها على أنها ضحية الارهاب منذ فترة طويلة واكدت مجددا تضامنها مع الولاياتالمتحدة حتى انها غيرت في مدينة القدس اسم شارع يافا الرئيسي ليصبح شارع نيويورك. ومع ذلك كانت النتيجة الكبرى للهجمات بالنسبة للشرق الأوسط عودة اهتمام حكومة بوش بهذه المنطقة في إطار إدراك الأمريكيين لحاجتهم الى مساندة العرب في حربهم ضد الإرهاب. وفي 19 نوفمبر، عرض باول "رؤيته لشرق أوسط ينعم بالسلام وأعلن عن إرسال مبعوث خاص. لكن المهمة الاولى للجنرال انتوني زيني انتهت بسرعة في منتصف ديسمبر في جو من العنف الهائل بين القوات الاسرائيلية التي تدمر رموز السلطة الفلسطينية في أراضي الحكم الذاتي والاستشهاديين الفلسطينيين في عملياتهم في المدن الاسرائيلية. ومع زيادة العمليات الاستشهادية كانت مصداقية عرفات تتراجع لتتهمه إسرائيل ثم الولاياتالمتحدة بعدم منع وقوع هذه العمليات ثم الارتباط بعملية تهريب أسلحة قادمة من إيران كشف عنها في بداية كانون الثاني/يناير الماضي. وفي 25 يناير، عبر بوش عن "خيبة أمل كبيرة من الرئيس الفلسطيني واتهمه بأنه "يشجع الإرهاب . وخسر عرفات الجولة الأولى من الحرب الدعائية، لكن شارون يريد نصرا نهائيا. ففي 29 مارس وبعد موجة من العمليات الاستشهادية، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي الجيش ليعيد احتلال المدن الكبرى في الضفة الغربية ولم يأبه بالنداءات الأمريكية والدولية التي كانت تطالبه بالانسحاب فورا. ولم تنسحب القوات الإسرائيلية قبل مايو لتعود في منتصف حزيران/يونيو بضوء اخضر لا حدود له من واشنطن لشارون. وفي 24 يونيو، خسر عرفات نهائيا هذه الحرب الدعائية عندما أعلن الرئيس بوش أن "السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة لتتمكن الدولة الفلسطينية من النشوء .