يقول الشاعر الكبير حمزة شحاتة عن جدة قصيدة جميلة مطلعها: (النهى بين شاطئيك غريقُ***والهوى فيك حالم ما يفيقُ ورؤى الحب في رحابك شتى***يستفز الأسير منها الطليقُ) ويتوله العشق والحب لجدة بعد أعوام طويلة من قصيدة شحاتة عند الشاعر الكبير طلال حمزة بقصيدة شعبية شهيرة، هي أول من عرّف جدة بأنها غير. تقول القصيدة: «إيه أحب القاهرة…بيروت وكازا بس جدة يا خي غير… جدة ياخي ذكريات ماضي وحاضر وآتٍ… يكفي جدة أنها شمس المدائن… وأنها أحلى البنات جده ذي مثل الغرق.. لا… جدة مثل العوم جدة مدينة حايرة بين السهر والنوم قريتها مرة اف «كتاب» مدري فقصيدة «للبدر» مدري فعيون احباب جدة ذي عشقي مزاجي جدة تفاصيل صغيره جدة ويل جدة قناديل وليل جدة مواويل وتراتيل وصهيل جدة مشوار طويل جدة فيها سحر بابل واختصار الناس كل الناس اف باب مكة أو فقابل جدة أول.. جدة آخر.. جدة أمواج وبواخر ما صعيب الا سهلها وأحلى مافيها أهلها وجدة غير إيه احب القاهرة..بيروت..وكازا بس جدة والله غير…!» جدة ليست مدينة هامشية، ولا مدينة للمبتدئين وعديمي المعرفة، هي جدة عين الناس وروحها، هي الذكريات الجميلة، هي مهبط الحب، ومهوى التسامح والمساواة، هي البحر وسهول تهامة. لكنها مثل غيرها من المدن عندما تتورط في منطقة حائرة بين التقدم والتطور والإهمال والعشوائية والتاريخ تصبح مدينة تائهة تبحث عمَّن تلوذ به لينقذها من التيه الذي غاصت به بلا مبرر. المدن مثل البشر تماماً تحس وتعيش وتتألم، لكن أنينها وشكواها يأتيان دائماً عبر اندثارها وتواريها، وخفوت تحضرها، خلف الزمان والمكان. جدة التي أعلنت أمانتها أنها تقدمت بملف المنطقة التاريخية؛ لإدخالها في قائمة التراث العالمي التابع لمنظمة «يونيسكو»، تمرِّر في الوقت نفسه «بلدوزراتها» في أكثر شوارعها ثراءً وقيمةً تاريخيةً شارع قابل، الذي اختصر الناس، كما يقول شاعرنا طلال حمزة. يقول أساتذة الآثار وخبرائه وطلابه إن التعامل مع مثل هذا الشارع، بل كل المنطقة التاريخية، يكون عبر أكثر الأدوات رقة؛ لتحافظ عليها كما هي. اليوم تقوم «أمانة جدة» بجلب مجموعة من العمالة الرخيصة من أحد الشوارع الخلفية في جدة؛ ليهدموا شارعها العتيق. جدة ليست ورق بريد يذهب في حقائب فاخرة يُشرَح عليها وتُعاد، وهي ليست المدينة التاريخية فحسب، بل هي جدة التي يمتد أنينها ووجعها من كورنيشها الجنوبي حتى ساحل درتها شمالاً، هي من تتوجع وتئن؛ لأن «أمانتها» لا تراها كما يراها أهلها، وكأنها جسد بلا رأس، يتخبط يمنة ويسرة بلا هدف ولا هوية ولا رؤية واضحة. ألم نقل إنها مثل البشر، بل هي مقام أم البشر. رابط الخبر بصحيفة الوئام: جدة.. مدينة «حايرة»!