للأمكنة حضور جميل وأنيق ومؤثر في الإبداع الإنساني، خاصة تلك الأمكنة التي تعبق منها رائحة الذكريات والعلاقات الحميمية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا وعميقا بحياة الإنسان في أبهى تفاصيلها ودقائقها.. في الخاص والعام من حياة هذا الإنسان. وللمدن حضور لافت في الإبداع سواء في الرواية والقصة القصيرة أو الشعر وكذلك الغناء والموسيقى. وهناك مدن وقرى وأمكنة ومواقع أصبحت خالدة بفضل وفعل قصيدة كما في قصيدة «جيكور» لبدر شاكر السياب الذي أحيا فيها وفي غيرها من قصائده عن قريته «جيكور» ونهرها الصغير «بويب» أو في قصيدة «الجندول» لعلي محمود طه التي استوحاها من زيارته لمدينة «البندقية» الإيطالية وهي القصيدة التي خلدها صوت الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أو قصائد الشاعر الكبير نزار قباني عن دمشق، وهناك عشرات القصائد والأعمال الإبداعية التي خلدت المدن والأمكنة من مدن وقرى وأنهار، بل هناك أعمال إبداعية عن المدن كما هو «كتاب صنعاء» للشاعر اليمني الكبير عبد العزيز المفالح، ولعل من أجمل القصائد التي كتبت في خطابنا الشعري السعودي والتي كتبت عن مدينة بذاتها هي قصيدة «جدة» للشاعر والمفكر الراحل حمزة شحاتة والتي كتبها بحرقة وعشق وحنين عن هذه المدينة التي بقدر ما تغرق اليوم في هذه المياه الآسنة والملوثة جراء الكارثة التي حلت بها بقدر ما تغرق في أحزانها ودموعها.. وعلى الذين ذهبوا في الموت المجاني. تذكرت هذه القصيدة البديعة، والتي تمثل إحدى أجمل قصائد حمزة شحاتة، وأنا أنظر بأسى إلى حال هذه المدينة الجميلة بما تحمله من قيمة حضارية بوصفها تمثل واجهة الوطن وبوابة الحرمين الشريفين؛ ولأنها جدة التي تمثل «المدينة» كما ينبغي أن تكون لا كما هي عليه الآن، اسمعوا حمزة: النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق ورؤى الحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق إيه يا فتنة الحياة لصب عهده في هواك عهد وثيق ويذوب الجمال في لهب الحب إذا آب وهو فيك غريق فيك من بحرك الترفق والعنف ومن أفقك المدى والبريق إلى أن يقول: أنت دنيا رفافة بمنى الروح وكون بالمعجزات نطوق جدتي.. أنت عالم الشعر والفتنة يروي مشاعري ويروق لي ماض لم أنسه فيك قد عفى بشجو غروبه والشروق هكذا يتغنى حمزة شحاتة بمعشوقته جدة وكأنها قد تحولت إلى أنثى، وحيث تتحول المدينة إلى أنثى والأنثى إلى مدينة، وأتساءل الآن ماذا سيقول حمزة شحاتة الشاعر والفنان في هذه المدينة لو امتد به العمر وعاش ليراها على ما هي عليه اليوم، هل سوف يقوم بتغيير مطلع قصيدته ليصبح. الأسى بين شاطئيك غريق .. نعم لا تذكر جدة إلا وتذكر قصيدة حمزة شحاتة التي تزين أبياتها الأولى أحد أبرز المجسمات الجمالية في كورنيشها وشاطئها الحزين. ..إنه زمن للأنين.. وزمن للحنين أيضا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة