لا ريب في أن كثيراً من أئمة مساجدنا وجوامعنا لا ينقصهم الإخلاص في إمامتهم للناس.. هكذا نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا. والإنسان المخلص بطبيعته يطمح للوصول إلى الكمال ولكن هيهات الوصول فالنقص طبيعة في النفس البشرية والكمال لله وحده سبحانه وتعالى جلت قدرته وكما قال الإمام مالك رضي الله عنه وهو بين تلاميذه في المسجد النبوي: "كل يؤخذ منه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر" يقصد النبي صلى الله عليه وسلم. من هذا المنطلق ومن قول عمر رضي الله عنه: "رحم الله من أهدى إلي عيوبي" أحب في هذا المقام أن أهدي بعض الملحوظات لبعض أئمة المساجد: وأولى هذه الملحوظات: أن بعض الذين يؤمون المصلين يطيلون في الصلاة إطالة غير مستساغة يفقد المصلون فيها إدراكهم الصلاة وخشوعهم وروحانيتهم ولاسيما إذا كانت الإطالة من أئمة غير مجودين في قراءتهم وأصواتهم ليست بالحسنة. وهذه الإطالة بلا شك تنفر الكثير من المصلين فيضطرون إلى البحث عن مساجد بعيدة عن محلاتهم أو منازلهم ليجدوا أئمة يخففون على المصلين ويتبعون النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه الكريم للأئمة حيث روى أبوهريرة رضي الله عنه أنه قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء" رواه الجماعة وروى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: "ما صليت خلف إمام – قط – أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم". وأولئك الذين يطيلون في الصلاة من الأئمة ليسوا منفرين فحسب بل هم مبغضون لعباده حيث روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لا تبغضوا الله إلى عباده يُطِّول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه". وهنالك قوم يدعون أن الإطالة في الصلاة تبث الخشوع في نفوس المأمومين وفي رأيي أن ليس هنالك تلازم بين الإطالة في الصلاة وخشوع المأمومين، بل ربما أن المبالغة في إطالة القراءة وإطالة السجود والركوع والجلوس – كما يفعل البعض – تُخرج تفكير المأموم من أجواء الصلاة فالعبرة التي يجب أن يلتزم بها الإمام هي التخفيف والإتمام اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم. أما خشوع المصلي فيعتمد في الدرجة الأولى على المصلي ذاته إذ لا بد له إذا أراد الخشوع من أمرين: خشوع القلب وهو أن يستحضر رقابة الله عز وجل ويستحضر عظمته ويتدبر معاني القرآن ويتدبر ما يتلوه من آيات أو ما يسمعه وما يذكره من أذكار مثل: معنى التكبير أو التسبيح أو معنى "سمع الله لمن حمده"، أيضاً خشوع الجوارح وهو مكمل لخشوع القلب، وكما روي عن احد التابعين قوله: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" ومعنى خشوع الجوارح ألا يلتفت المصلي في صلاته ولا يعبث عبث الأطفال، ولا يتحرك حركات كثيرة تخل بالخشوع، بل ينبغي عليه أن يقف وقوراً بين يدي الله. وثانية هذه الملحوظات: أنه يغلب على دعاء بعض من الأئمة في القنوت والتراويح التكلف والمبالغة في تتبع السجعات والإطالة والاعتداء في الدعاء مخالفين بذلك أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فمثلاً عندما يدعو أحد الأئمة على الكفار فإنه يدعو بالهلاك والدمار للكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بشكل عام متناسياً أن الكفار منهم المسالمون ومنهم المحاربون ومنهم الذين كفروا فقط ومنهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، إذاً لا بد أن نعرف من منهم أولى بأن ندعو الله أن يدمرهم ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم. أعتقد أن الآيتين التاليتين من سورة الممتحنة حسمتا الإجابة قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون". إذاً ليس من البر والقسط الدعاء على "غير المسلمين" المسالمين الذين لم يناصبونا العداء ولم يصدونا عن سبيل الله ولا ضير من إضافة صفة على المدعو عليه لتحديده وتصنيفه كدعائنا: اللهم انتقم من اليهود الغاصبين والنصارى الحاقدين والكفار المعتدين. وثالثة هذه الملحوظات: أن بعض أئمة المساجد يصرون إصراراً عجيباً على رفع مكبرات الصوت "المايكرفونات" عند الأذان والصلاة رفعاً قوياً لا مبرر له مما يسبب إزعاجاً للناس وخصوصا المجاورين للمساجد أليس هذا الصنيع من قبيل تبغيض الله لعباده؟ ومن العجيب أن وزارة الشؤون الإسلامية تؤكد كل عام أن تنظيم مكبرات الصوت يحتم عدم تسببها في إزعاج الناس وللأسف أن أغلب الأئمة لم يأبهوا لذلك وقد حذر كثير من العلماء من رفع مكبرات الأصوات، بل إن بعض العلماء اعتبر ذلك محرماً كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه "الضياء اللامع مع الخطب الجوامع".