هل تذكر حين ولجت هذه الأرض؟ حين عانق صوتك هذا الفضاء الواسع؟ أول وهلة تسقط على تراب هذه الأرض هل تعلم أن صراخك ذلك اليوم كان شديداً؟ تذكّر طول تلك الرحلة بين قدومك أمس وليداً صغيراً، وبين وجودك اليوم رجلاً كبيراً... ودعني أسائلك: ماذا كتبت على جدار هذا الزمن؟ أين آثارك التي تحتفل بها اليوم ذكريات جميلة على جدار هذا الزمن الطويل؟ عذراً لا أود أن أوجع ظهرك بسياط التأنيب .. كلا! وإنما أريد أن أرى آثارك واضحة لأحتفل بها، وأخطو على أثرها، وأكتب بها شيئاً من ذكريات الأحبة من أمثالك. فالحياة فرصة واحدة فإما فلاح الراشدين وإما عثرات النائمين... الحياة فرصة لا تحتمل نوماً ثقيلاً، ولا جلوساً طويلاً، الحياة صفحة بيضاء فإما تاريخ الناجحين وإما نوم الغافلين! وإذا كانت النفوس كباراً.... تعبت في مرادها الأجساد. ومن علامة كمال العقل علو الهمة! والراضي بالدون دنيء . ولم أر في عيوب الناس عيباً... كنقص القادرين على التمام. إن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقتصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فسل الموفّق فلن تنال خيراً إلا بطاعته، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة؟ أو حظي بغرض من أغراضه؟ يظل العنكبوت من حين ولادته ينسج لنفسه بيتاً ولا يقبل منّة الأم، والحية تطلب ما حُفر لها إذ طبعها الظلم، والغراب يتبع الجيف، والصقر لا يقع إلا على الحيِّ، والأسد لا يأكل البايت، والخنفسا تُطرد فتعود. قم يا أيها الصادق إلى هذه الحياة الطويلة واكتب على صفحاتها ذكرياتك الجميلة. قم إلى الحياة فخلّد فيها معاني النضال والحرية الحقيقية، قم إليها مبتسماً متفائلاً مقبلاً إقبال الهمام ولا يغرنّك ما فات منها فإنها ما زالت سانحة، وفي العمر بقية، وصفحة الحياة ما زالت بيضاء، والقلم لم يغمد بعد. قم ولا تلتفت إلى كبوات الماضي فهي سلالم النجاح اليوم، قم بشرط أن تكون متفائلاً، راضياً، هماماً، طموحاً. هذه الحياة أحوج ما تحتاج إلى همة عالية، وابتسامة صافية، وتفاؤل عريض، وقلب وفيّ حبيب، وقبل ذلك وبعده صدق في الإقبال على الله تعالى فما نيلت الفردوس الأعلى إلا بآمال الفالحين الصادقين. علي اليوسف كلية الطب بأبها