عندما فتحت بورصات الأسهم أبوابها الاثنين الماضي لأول مرة عقب الخفض التاريخي للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة حدث انخفاض حاد في أسعار الأسهم في حين أن السندات الأميركية حققت أرباحا كبيرة وذلك رغم أن وكالة ستاندرد أند بورز خفضت لتوها التصنيف الائتماني لأميركا. إنها رسالة واضحة بأن العالم لا يزال يأتمن أميركا على أمواله. وكاد الرئيس الأميركي باراك أوباما يبدو عنيدا عندما أعلن:"لا تزال الأسواق تعتقد أن تصنيفنا الائتماني هو AAA". ورأى راندال فورسيث المعلق الشهير في عالم المال بأميركا في مقال له بمجلة "باروسن" المالية الأميركية أن "المشكلة الحقيقية تكمن في النمو وليس في الديون"، وقال إنه لا شك في أن نمو الاقتصاد الأميركي ليس في حالته المثلى، "ولكن الصورة قاتمة على مستوى العالم، فالصين شددت القيود على الاستدانة وأوروبا لجأت للمزيد من إجراءات التقشف". ولا يزال الاقتصاد الأميركي متعثرا منذ تعرضه للأزمة المالية، حيث لم ترتفع نسبة نموه خلال الربع الثاني من العام الجاري أكثر من1.3%، والأسوأ من ذلك نسبة النمو التي حققها في الربع الأول، التي لم تتجاوز 0.4%، مما عزز المخاوف من انهيار الاقتصاد الأميركي بعد عامين من الركود الكبير الذي لحق به جراء الأزمة المالية العالمية. ومع أن التقرير الأول بشأن سوق العمل أعطى بعض الأمل في الانتعاش، إلا أن نسبة البطالة لا تزال فوق 9%، بل إن خبراء بمصرف جولدمان زاكس الاستثماري يتوقعون ارتفاع النسبة أواخر عام 2012. ولأن تزايد حدة الأزمة المالية في أوروبا يمكن أن يضر بالاقتصاد العالمي كله، فإن جولدمان زاكس رفع نسبة احتمال تعرض الاقتصاد الأميركي للركود مرة أخرى إلى 30%. ولكن: من الذي يساعد أميركا بعد أن هزت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية اقتصادها بشكل مطرد؟ إن المستهلك الأميركي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الأميركي بنسبة 70% مشغول بسداد ديونه التي تراكمت على مدى عقود. وأصبح وضع الشركات الأميركية جيدا بعد أن تعرض لتقلص حاد جراء الأزمة. ونقلت مجلة بارونس عن دون ريسميلر، كبير اقتصاديي معهد الأبحاث الاستراتيجية قوله:"رغم أن باستطاعة الشركات دفع عجلة الاقتصاد الأميركي إلا أنه ليس بوسعنا أن نطلب من شركات همها تحقيق المكاسب أن تحث سرعة نموها عندما تتباطأ دورة الاقتصاد". وبذلك لا يستطيع الاقتصاد الأميركي أن يعلق أملا سوى على حكومته "التي يسعها فعل الكثير" حسبما رأى ريسميلر. ولكن من المعلوم أن هناك عجزا هائلا في موارد الخزانة الأميركية. كما أن الإجراءات التقشفية التي اعتمدها الكونجرس الأسبوع الماضي ضمن صفقة السماح برفع سقف الاستدانة لا تجعل الأمر أفضل بأي حال من الأحوال. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن الحكومة الأميركية بالغت في التركيز على خفض نسبة العجز في الموازنة من نحو 11% في الوقت الحالي إلى 4.6% عام 2013 ورآه " هدفا مركزا أكثر من اللازم". وأوصى الصندوق بدلا من ذلك بتخفيض أقل للديون ممتد على فترة أطول. لذلك تزايدت الأنظار المتجهة للبنك المركزي الأميركي الذي تدخل في الفترة من نوفمبر 2010 و يونيو الماضي وضخ الكثير من الأموال مرارا في النظام المالي لتنشيط الاستثمارات ودفع عجلة الاقتصاد. وكان البنك يهدف من وراء شراء سندات مالية بقيمة 600 مليار دولار إلى طرد شبح الانكماش الذي كان من شأنه أن يؤدي لانخفاض الأسعار بشكل واسع وما يعنيه ذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد الأميركي. أدت عملية شراء السندات إلى ارتفاع أسعار الأسهم في أميركا بشكل كبير وتراجع سعر الدولار مما صب في مصلحة المصدر الأميركي. ولكن ذلك أدى في الوقت نفسه لارتفاع أسعار المواد الخام بشكل كبير وهو ما أدى لتعرض المركزي الأميركي للكثير من النقد.