أكد أستاذ العقيدة المشارك في جامعة حائل الدكتور أحمد الرضيمان أن التكفير والتفسيق هما إلى الله ورسوله، ليس لأحد في هذا حكم، وأضاف، ضمن سلسلة حلقاته عن حقيقة الوهابية، أن الحكم بالتكفير مرده إلى القضاة الشرعيين في المحاكم الشرعية، وإلى الراسخين في العلم بالمجامع العلمية، فهم المعنيون بالنظر في انطباق الشروط، وانتفاء الموانع، وإصدار الأحكام، وليس التكفير كلأ مباحا، يطلقه من شاء على من شاء، بمجرد الظنون والأوهام واللوازم والمشتبهات، كما هو -مع الأسف- دأب بعض الشباب الصغار الذين أدخلوا من قبل بعض التنظيمات الهالكة في أمور لا تعنيهم، مشيرا إلى أن الدارس لمنهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسائل التكفير يلحظ أنه من أشد الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر، فلم يُكفِّر إلا بالمتفق عليه، دون المختلف فيه. التكفير والتفسيق هو إلى الله ورسوله، ليس لأحد في هذا حكم، وإنما على الناس إيجاب ما أوجبه الله ورسوله، وتحريم ما حرمه الله ورسوله، وقد نهى الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عن القول عليه بلا علم، فقال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك". والحكم بالتكفير، مرده إلى القضاة الشرعيين في المحاكم الشرعية، وإلى الراسخين في العلم في المجامع العلمية، فهم المعنيون بالنظر في انطباق الشروط، وانتفاء الموانع، وإصدار الأحكام، وليس التكفير كلأ مباحا، يطلقه من شاء على من شاء، بمجرد الظنون، والأوهام، واللوازم، والمشتبهات، كما هو -مع الأسف- دأب بعض الشباب الصغار الذين أدخلوا من بعض التنظيمات الهالكة، في أمور لا تعنيهم، وليست من اختصاصهم. 1- لا تكفير إلا بالمتفق عليه الدارس لمنهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسائل التكفير يلحظ أنه من أشد الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر، فلم يُكفّر إلا بالمتفق عليه، دون المختلف فيه. وكان يقول: (أركان الإسلام خمسة أولها: الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاونا، فنحن وإن قاتلناه على عدم فعلها، فلا نُكفِّره بتركها، والعلماء اختلفوا في كفر تارك الصلاة كسلا من غير جحود، ولا نُكفّر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان، وأيضا نكفّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر). ولذلك وصفه أحد العلماء، الذي هو من أعلم الناس به، وهو حفيده: الشيخ عبداللطيف فقال: (والشيخ محمد -رحمه الله- من أعظم الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر، حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيره، إذا لم يتيسر له من ينصحه، ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها). وقال عنه أيضا: (وشيخنا -رحمه الله- لم يخرج في مسألة عن الأصول والفروع مما عليه أهل العلم، الذين لهم لسان صدق في هذه الأمة). فالإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- لم ينفرد بقول، ولم يخرج عن إجماع العلماء، ولم يتكلم إلا بدليل من الكتاب والسنة، يقول رحمه الله: (وأما المسائل الأخر، وهي أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، وأني أُعرِّف من يأتيني بمعناها.. فهذه المسائل حق، وأنا قائل بها، ولي عليها دلائل من كلام الله، وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين، كالأئمة الأربعة..). ويقول أيضا: (كل إنسان أجادله بمذهبه، إن كان شافعيا فبكلام الشافعية، وإن كان مالكيا فبكلام المالكية، أو حنبليا أو حنفيا كذلك، فإذا أرسلت إليهم ذلك، عدلوا عن الجواب..). 2- اقتران الأحكام بالدليل من الكتاب والسنة كان -رحمه الله- يؤكد على أهمية فهم مسائل التوحيد لجميع المكلفين، بمقتضى الدليل الشرعي، بمقتضى قوله وتقريره، يقول رحمه الله: (والحاصل أن مسائل التوحيد ليست من المسائل التي هي من فن المطاوعة خاصة، فالبحث فيها، وتعلمها فرض لازم، على العالم والجاهل، والمحل والُمحرِم، والذكر والأنثى، وأنا لا أقول لكم أطيعوني، ولكن الذي أقول لكم: إذا عرفتم أن الله أنعم عليكم، وتفضل عليكم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- والعلماء بعده، فلا ينبغي لكم معاندة محمد، صلى الله عليه وسلم). ولا يذكر أي حكم في التكفير، إلا مقرونا بدليله الشرعي من الكتاب والسنة. ومن الأمثلة على ذلك: قوله رحمه الله: (من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثواب الله، أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). وقال أيضا: (من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به كفر إجماعا، والدليل: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم). وقال أيضا: (السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر). فهو رحمه الله -كما ترى أيها القارئ الكريم- يدور مع الدليل، ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله، ويقول ما قاله الله ورسوله، ويورد الأدلة الشرعية، كما أنه ينظر فيما قرره الأئمة في كتبهم، من أحكام شرعية مستندة على الدليل، يقول رحمه الله: (إني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصّى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وأقول لهم: الكتب عندكم، انظروا فيها، ولا تأخذوا من كلامي شيئا، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي في كتبكم فاتبعوه، ولو خالفه أكثر الناس). ومع هذا التحرز الذي اتصف به الإمام محمد بن عبدالوهاب، فإن بعض المخالفين -في زمنه وبعد زمنه- لديهم فجور في الخصومة، وكذب وافتراء. ومن ذلك ما أشار إليه الإمام محمد بن عبدالوهاب عن هؤلاء، إذ يقول لأحدهم: (اجلبوا علينا بخيل الشيطان ورَجله، منها: إشاعة البهتان، بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلا عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتَ: أني أكفِّر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل! هل يقول هذا مسلم أو كافر، أو عارف أو مجنون؟). وكان يقول لمخالفيه: (ونحن ما جئناكم بالتكفير والقتال، لكن ننصحكم بهذا الذي قطعتم أنه دين الله ورسوله). 3- التمسك بإجماع العلماء فاهتمامه -رحمه الله- هو بما ينفع الناس في أصل دينهم، وهو العبادة التي خلقوا من أجلها، قال تلميذه وحفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن في شرحه لكتاب التوحيد: (وقد كان شيخنا المصنِّف -أي الإمام محمد بن عبدالوهاب- لا يحب أن يقرأ على الناس إلا ما ينفعهم في أصل دينهم وعبادتهم ومعاملاتهم، الذي لا غنى لهم عن معرفته). كما أنه لا يفتي بشيء يخالف فيه ما عليه العلماء، يقول رحمه الله: (إن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه من إجماع أهل العلم، توجه عليَّ القول)، ويؤكد على الدقة في الاستدلال، يقول رحمه الله: (ينبغي لطالب العلم، أن يتفطن لصورة المسألة في الدليل الذي يدل عليها، ويجيل نظره في ذلك، فإن كثيرا من الأغاليط، وقعت في مسألة واضحة جدا، ويستدل الغالط على غلطه بشيء من القرآن والسنة، وهو لا يدل على ذلك، كما فعلت الرافضة والقدرية والجهمية وغيرهم). ومع هذه الدقة في الاستدلال، والتمسك بالأدلة من الكتاب والسنة، وعدم الخروج عن إجماع العلماء، فإن الإمام محمد بن عبدالوهاب غير مستبد برأيه، وإنما هو حريص على قبول الحق ممن جاء به، ولو كان من أشد خصومه، يقول -رحمه الله- في إحدى رسائله: (إن كان الصواب معهم، أو معنا شيء من الحق، وشيء من الباطل، أو معنا غلو في بعض الأمور، فالواجب منك مذاكرتنا ونصيحتنا، وتورينا عبارات أهل العلم، لعل الله أن يردنا بك إلى الحق). ويقول أيضا: (أنا أجد في نفسي، أن ودي من ينصحني، كلما غلطت)، وهو حريص على هداية الناس، ولكنه لا يداهن في دين الله، يقول في إحدى رسائله: (إن كنتَ تظن في خاطرك، أنا نبغي أن نداهنك في دين الله، ولو كنتَ أجل عندنا مما كنت، فأنت مخالف، فإن كنتَ تتهمني بشيء من أمور الدنيا فلك الشرهة -أي اللوم- فإن كان إني أدعو لك في سجودي، وأنت وأبوك أجل الناس إليّ، وأحبهم عندي، وأمرك هذا أشق عليّ من أمر أهل الأحساء.. فعسى الله أن يهدينا وإياك لدينه القيم، ويطرد عنا الشيطان، ويعيذنا من طريق المغضوب عليهم والضالين). ومع عرضه للأدلة، فإنه حريص على جمع الكلمة، وتأليف القلوب، يقول -رحمه الله- في إحدى رسائله: (إن كان كبر عليه الأمر فيوصي لي، وأعني له -أي: أذهب إليه وإن كان في ذلك عناء لي- فإن الأمر الذي يزيل زعلكم "غضبكم" ويؤلف الكلمة، ويهديكم الله بسببه، نحرص عليه، ولو هو أشق من هذا، اللهم إلا أن تكونوا ناظرين شيئا من أمر الله، فالواجب عليكم اتّباعه، والواجب علينا طاعتكم، والانقياد لكم، وإن أبينا كان الله معكم وخلقه). 4- الرفق والحكمة في الدعوة من رفقه -رحمه الله- ومراعاته حال المدعوين، ما أشار إليه تلميذه وحفيده عبدالرحمن بن حسن في قوله: (جرى لشيخنا محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، في ابتداء دعوته، أنه إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب، قال: الله خير من زيد، تمرينا لهم على نفي الشرك، بلين الكلام، نظرا إلى المصلحة، وعدم النفرة). ولذلك فإن المنصفين لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب في العالم الإسلامي كُثر، ولله الحمد، وذلك لما لمسوه منه من اتباع للدليل، وقبول للحق، ورفق وحكمة في الدعوة إلى الله تعالى. يقول العالم العراقي محمد شكري الألوسي البغدادي، عن هذه الدعوة وأتباعها: (وأما ما يُكذب عليهم سترا للحق، وتلبيسا على الخلق، بأنهم يفسرون القرآن برأيهم، ويأخذون من الحديث ما وافق فهمهم، من دون مراجعة شرح، ولا معوّل على شيخ، وأنهم يضعون من رتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه ليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنهم لا يعتمدون أقوال العلماء، وأنهم يتلفون مؤلفات أهل المذاهب، لكون الحق والباطل فيها، وأنهم مجسّمة، وأنهم يكفِّرون الناس على الإطلاق، من بعد الستمئة إلى هذا الزمان، إلا من كان على ما هم عليه، وأنهم لا يقبلون بيعة أحد، إلا إذا أقر عليه أنه كان مشركا، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله، وأنهم ينهون عن الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنهم يحرمون زيارة القبور المشروعة مطلقا، وأنهم لا يرون حقا لأهل البيت، وأنهم يجبرون على تزويج غير الكفء لهم... إلى غير ذلك من الافتراءات، فكل ذلك زور عليهم، وبهتان وكذب محض من خصومهم، أهل البدع والضلال، بل أقوالهم وأفعالهم وكتبهم على خلاف ذلك كله). فالمأمول من كل منصف، أن يتقي الله، ولا يلقي الكلام جزافا، وليرجع إلى كتب الإمام محمد بن عبدالوهاب نفسه، إلى كلام خصومه فيه، وليحذر من قطع الكلام من سياقاته، وليستحضر الواقع الذي يتكلم فيه الإمام محمد، وليرد المتشابه إلى المحكم، كما هي طريقة الراسخين في العلم، وليحذر من اتباع المتشابه الذي هو دأب الذين في قلوبهم زيغ. نسأل الله تعالى أن يجزي الإمام محمدا خيرا، وأن يجعل ما قام به من دعوة إلى التوحيد والسنة في ميزان حسناته، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. أحمد الرضيمان أستاذ العقيدة المشارك في جامعة حائل